اخبار المغرب
موقع كل يوم -اندبندنت عربية
نشر بتاريخ: ١٣ أيار ٢٠٢٥
يبلغ عدد المسيحيين زهاء 80 ألفاً يتوزعون جغرافياً بين أبرشيتي الرباط وطنجة
يقر اليهود بأنهم يمارسون طقوسهم الدينية بحرية في المغرب، والمسيحيون يشيدون بالاحترام الذي يجدونه في المجتمع لكن من دون التمتع ببعض الحقوق، على رأسها الحق في الزواج المسيحي وإقامة مراسيم الدفن، بينما البهائيون أو حتى الشيعة فلا يجدون لأنفسهم مساحات كافية من الاعتراف في البلاد.
وفي وقت تواترت تقارير وزارة الخارجية الأميركية السنوية بخصوص الحريات الدينية حول ما تسميه 'شعور الأقليات الدينية في المغرب بالخوف من المضايقات المجتمعية والسخرية والتمييز'، فإن مراقبين مغاربة يرون أنها معطيات مبنية على مبالغات وتضخيم للوقائع لأسباب مختلفة عدة'.
وأمام عدم وجود أرقام رسمية مغربية تضبط عدد الأقليات الدينية في البلاد، الموزعة بين مسيحيين ويهود وبهائيين وشيعة، تورد معطيات وزارة الخارجية الأميركية أن نسبة هذه الأقليات في المملكة تبلغ واحداً في المئة من مجموع عدد السكان الذي يناهز 37 مليون نسمة.
يهود ومسيحيون
وتحظى الطائفة اليهودية في المغرب بكثير من الاحترام وصون للحقوق الدينية وحتى السياسية أيضاً، آخرها أمر ملكي بتنظيم الانتخابات في صفوف الهيئات التمثيلية للجماعات اليهودية المغربية التي تُعنى بأوضاع فقراء وأوقاف اليهود، في قرار هو الأول من نوعه منذ عام 1969 عندما جرى تنظيم آخر انتخابات للطائفة اليهودية في المملكة.
ولا يخفي اليهود في المغرب ارتياحهم للأجواء التي تحيطهم سواء في ممارسة طقوس العبادة أو في علاقاتهم مع الغالبية المسلمة في البلاد، كما لا ينسون الموقف التاريخي للملك الراحل محمد الخامس الذي قرر حماية اليهود المغاربة من حكومة 'فيشي' النازية.
وحسم الملك محمد السادس في هذا الموضوع بتأكيده على أنه مؤتمن على ضمان حرية ممارسة شعائرهم الدينية، وهو الواقع الذي يشاهد عياناً في احتفال اليهود بعيد 'ميمونة' في المغرب، وأيضاً لدى ممارسة طقوس 'هيلولة'، وهي مواسم حج اليهود إلى أضرحة الحاخامات اليهود المدفونين في المملكة.
من جهتهم لا ينفي المسيحيون في المغرب سلمية التعايش التي يلقونها في كثير من مناحي الحياة اليومية، غير أنهم دائماً ما يطالبون ببعض الحقوق التي يرونها أساسية لهم كمسيحيين، من قبيل إقرار الحق في الزواج المسيحي وإقامة مراسيم الدفن وغير ذلك.
وما فتئ مسيحيو المغرب يطالبون الحكومة أيضاً بإسقاط 'تجريم الأنشطة التبشيرية المسيحية' وإلغاء الفصل 220 من القانون الجنائي المغربي الذي ينص على السجن من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات، لكل من استعمل وسائل الإغراء لزعزعة عقيدة مسلم أو تحويله إلى ديانة أخرى، باستغلال ضعفه أو حاجته إلى المساعدة أو استغلال مؤسسات التعليم أو الصحة أو الملاجئ أو المياتم.
ويبلغ عدد المسيحيين في المغرب، وفق تصريحات حديثة للسفير البابوي لدى المملكة المطران ألفريد زويرب، زهاء 80 ألف مسيحي، يتوزعون جغرافياً بين أبرشية مدينة الرباط وأبرشية مدينة طنجة.
بهائيون وشيعة
أما البهائيون فقد ظهروا في المغرب عام 1952، وفق موقع يتحدث بلسان الطائفة البهائية المغربية، 'عندما استقرت تدريجاً بعض العائلات البهائية المهاجرة من أصول مختلفة بأرض الوطن، وكان اندماج هؤلاء المهاجرين في المجتمع المغربي سريعاً وسلساً لما وجدوه في المغاربة من ترحاب وانفتاح على الآخر'.
ولا يشتكي البهائيون عموماً من الإقصاء أو التمييز بدليل 'تشكيل المحافل الروحانية المحلية، وأيضاً المحفل الروحاني المركزي، باعتبارها مؤسسات تدير شؤون البهائيين الدينية والاجتماعية والتربوية، ويعاد انتخابها كل عام خلال 'أعياد الرضوان' أواخر أبريل (نيسان).
أما الشيعة في المغرب، فيرون أنهم لم يجدوا بعد الحرية المنشودة في التعريف بأنفسهم وممارسة طقوسهم التعبدية، إذ لا توجد هيئات تمثلهم أو تدافع عن حقوقهم، بينما تواصل جمعية تدعى 'الخط الرسالي' منذ أعوام خلت معركة إثبات وجود الشيعة في المملكة، 'مع محاربة السلطات لهذا المكون في سياق قطع الرباط العلاقات الدبلوماسية مع طهران'، بحسب حقوقيين.
وخلال تقريرها الصادر عام 2024 بخصوص الحريات الدينية، أفادت وزارة الخارجية الأميركية بأن 'المغرب يواصل محاربة التشيع وحظر ممارسة طقوسه، كما يمنع الاعتراف بالجمعيات الشيعية وإقامة تجمعات هذه الطائفة'، موردة أنه 'بحسب شيعة مغاربة تمكنوا من الصلاة في مساجد سنية، كانوا يخاطرون بالتعرض لانتقادات المصلين الآخرين بسبب ممارستهم الدينية'.
وخلص التقرير الأميركي إلى أن 'الأقليات الدينية في المغرب تشعر بالخوف من المضايقات المجتمعية ومن التهكم والسخرية والإقصاء والتمييز المجتمعي والتمييز في الوظائف، وأن هذه السلوكيات تدفعها إلى ممارسة شعائرها الدينية بصورة سرية'.
تضخيم ومبالغات
يعلق الباحث في الشأن الديني والجماعات الإسلامية إدريس الكنبوري على هذه الحيثية بالقول إن هناك مبالغات ضمن هذه التقارير حول الأقليات الدينية في المغرب لأن معطياتها تبنى على تقارير ورسائل وبيانات هذه الأقليات أو الجمعيات الحقوقية التي تحاول تضخيم الوقائع لأسباب عدة.
ومن أبرز هذه الأسباب، وفق الكنبوري، التمويل لأن هذه الأقليات الدينية إذا لم تكُن تعيش في جو محظور إلى حد ما وكان وضعها عادياً، فذلك يحرمها من تمويل الجهات الأجنبية، وأيضاً هناك دافع البحث عن الدعم الإعلامي الغربي الذي يحبذ مثل هذه القضايا، علاوة على سبب ثالث هو محاولة 'ابتزاز الدولة'.
واستطرد أنه بخصوص قضية النبذ المجتمعي لهذه الأقليات، يجب معرفة أن أول محيط يواجهه من يعتنق المسيحية مثلاً أو البهائية أو غيرها، هو محيط الأسرة والأقارب، وهذا نبذ أسري لا مجتمعي، وهي مسألة تخص الفرد وعلاقته بمحيطه الأسري وليس المجتمع.
أما الوصم بالسخرية الاجتماعية، يردف الكنبوري، فهو 'أمر مبالغ فيه جداً وكذب واضح لأن هؤلاء يمارسون طقوسهم في البيوت أو الكنائس بصورة طبيعية، أي خلف الجدران، وليس في الشارع حتى يتعرضوا للسخرية الاجتماعية لأن الطقوس الدينية عند المسلمين والمسيحيين وغيرهما لها أماكنها الخاصة'.
ورجح أن 'تكون هناك حالات خاصة بالنسبة إلى التمييز في الوظائف بسبب إعلان الشخص عن ميوله الدينية، وهو إعلان لا داعي له باعتبار أن دينه مسألة شخصية ولا فائدة من ذكره'.
ولفت الكنبوري إلى أنه إذا كان هناك تمييز في الوظائف، فهو يحصل أحياناً ضد المحجبات وليس ضد المسيحيين أو البهائيين لأن الحجاب رمز ظاهر لدى المرأة ويمكن أن يكون وسيلة للتمييز، خلافاً للنساء المسيحيات لأنه لا يوجد زي يميزهن عن غيرهن.
تدبير الاختلاف الديني
من جهته توقف الباحث في الظاهرة الدينية ورئيس المركز المغربي للاستثمار الثقافي 'مساق' خالد التوازني عند قضية التعايش بين هذه الأقليات الدينية في المغرب، بالنظر إلى أنها من المواضيع المعقدة التي تتطلب مواقف متوازنة تأخذ في الاعتبار الجوانب التاريخية والسياسية والاجتماعية والقانونية.
ويرى أن قضية التعايش بين الأديان في المغرب كانت قديمة ولم ينشأ عنها أي صراع، بل كانت هناك سيادة التعايش القائم على جملة من القيم المغربية، من أبرزها الكرم والتضامن والاحترام، فاليهود عاشوا في أمن يشهد عليه وجود أحياء كثيرة في معظم مدن المغرب، والمسيحيون عاشوا في كثير من مناطق المغرب بحرية وتشهد على آثارهم الكنائس والمقابر والمآثر الخاصة بهم.
واسترسل التوزاني أن المغرب استفاد من الإرث التاريخي والثقافي المرتبط بالتعايش بين الأديان على أرضه، في بلورة سياسة مغربية تحتضن كل الأقليات الدينية وتتعامل معها بقيم السماحة والكرم والتقدير، إذ إن تدبير الاختلاف الديني اليوم من اختصاص مؤسسة 'إمارة المؤمنين'، فيعد أمير المؤمنين في المغرب أميراً لكل أهل الأديان، وتتبنى المؤسسات الدينية في المملكة فكرة التسامح المستمدة من تعاليم الإسلام في قبول الآخر المختلف ضمن وحدة وطنية متعددة الروافد.
ونبه إلى أن المشكلة تقع عندما تقوم بعض الأقليات الدينية باستغلال مساحة الحرية المتاحة لها، فتحاول توسيع دائرة وجودها في المغرب من خلال محاولة التبشير أو نشر مذاهبها واستغلال جهل بعض الشباب المغاربة، ودفعهم إلى 'تبني معتقدات أو دين تلك الأقليات بوسائل غير مشروعة تقوم على نوع من الاحتيال أو استغلال حاجة الناس'.
وقال 'هنا نكون أمام مشروع أيديولوجي يحمل أبعاداً سياسية، وليس أمام أقلية دينية تريد ممارسة حرية العبادة'، مبيناً أن الأمر يتعلق بالشيعة والبهائية وغيرها من المذاهب التي تتجاوز نطاق الممارسة الفردية إلى محاولة نشر عقائدها بطرق غير مشروعة'.