اخبار المغرب
موقع كل يوم -العمق المغربي
نشر بتاريخ: ٢٥ حزيران ٢٠٢٥
حذّرت المبادرة المدنية للترافع من أجل التصدي للتعديلات المقترحة على المادتين 3 و7 من مشروع قانون المسطرة الجنائية 23-03 من أن الحكومة المغربية بصدد الإخلال الفادح بالتزامات المملكة الدولية، لا سيما في ما يتعلق باتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، وإعلان مراكش الذي صدر عقب المؤتمر الدولي المنظم بالمغرب سنة 2011.
وأعلنت مكونات المبادرة التي تضم أزيد من عشرين جمعية ومنظمة مدنية وحقوقية، عن خطوات تصعيدية تشمل اللجوء إلى المحكمة الدستورية في حال تمرير هذه التعديلات، ورفع القضية إلى هيئات الأمم المتحدة المعنية، وعلى رأسها مكتب الأمم المتحدة الإقليمي للمخدرات والجريمة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
وأكدت مكونات المبادرة،في ندوة صحفية عقدته اليوم الأربعاء، بمقر ترانسبرانسي المغرب، بالرباط، أن التعديلات المقترحة تمثل انقلاباً على روح الدستور المغربي الذي يكرّس مكانة المجتمع المدني كشريك أساسي في صياغة وتنفيذ وتقييم السياسات العمومية، فضلاً عن كونها تعيق انخراط المغرب في الجهود الدولية الرامية إلى تعزيز الشفافية ومكافحة الفساد والرشوة.
مبدأ المحاسبة
واعتبرت المبادرة أن التعديلات المقترحة، التي تقيد حق الجمعيات في الترافع وتقيّد سلطة النيابة العامة في تحريك المتابعات القضائية المتعلقة بالمال العام، تُشكل مساً جوهرياً بمبدأ سمو الاتفاقيات الدولية على القوانين الوطنية، وهو ما يضرب مصداقية المملكة في المحافل الإقليمية والدولية، ويضعف ثقة الشركاء الدوليين، ويهدد بجعل المغرب نقطة سوداء جديدة في مؤشرات النزاهة.
حذرت الهيئات المدنية من أن التعديلات الواردة في المادة 3، كما صادق عليها مجلس النواب، تنزع من المجتمع المدني حقه الدستوري في التبليغ عن جرائم نهب المال العام، وتحصر صلاحية تحريك المتابعات في يد الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، بناءً على إحالات من مؤسسات رسمية معينة، وهو ما اعتبرته المبادرة انقلاباً على مبدأ المحاسبة وتقويضاً لدور المجتمع في تتبع المال العام.
كما أن المادة 7 تفرض قيوداً غير مبررة على الجمعيات، إذ تشترط حصولها على ترخيص مسبق من وزير العدل لتتمكن من اللجوء إلى القضاء، ما يفرغ حق التقاضي من مضمونه، ويحوّل الجمعيات إلى كيانات صامتة أمام الانتهاكات والفساد، في حين يفترض أن تكون فاعلة في الرقابة المدنية.
وأكدت المبادرة أن هذه التعديلات ليست مجرد تفاصيل تقنية، بل تمثل تراجعاً تشريعياً خطيراً، يخنق المبادرات المواطِنة، ويحوّل العمل الجمعوي إلى ديكور غير ذي جدوى. كما اعتبرت أن حصر تحريك المتابعة القضائية في أجهزة معينة يفتح الباب واسعاً أمام الإفلات من العقاب، ويمنح حصانة مؤسساتية للفاسدين.
مزيد من التدهور
وأعلنت المبادرة عن تنظيم وقفة احتجاجية حاشدة أمام مقر البرلمان يوم الثلاثاء 1 يوليوز 2025، بهدف الضغط على المؤسسة التشريعية من أجل مراجعة المادتين 3 و7، وجعل النص النهائي لمشروع قانون المسطرة الجنائية متلائماً مع المقتضيات الدستورية والتزامات المغرب الدولية.
وأشادت المبادرة باستجابة رئيس وأعضاء لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بمجلس المستشارين لدعوة الاجتماع، حيث تم تسليمهم المذكرة الترافعية، وتوضيح خطورة ما تضمنته التعديلات، التي يُخشى أن تُفقد مشروع القانون قيمته في مجال تكريس العدالة الجنائية ومكافحة الفساد.
حذّرت المبادرة من أن إقرار هذه التعديلات بصيغتها الحالية سيؤدي إلى مزيد من التدهور في تصنيف المغرب في مؤشر إدراك الفساد الصادر عن منظمة الشفافية الدولية. وأشارت إلى أن المغرب فقد منذ 2018 ما مجموعه 26 مرتبة، منتقلاً من المركز 73 والنقطة 43، إلى المركز 99 والنقطة 37 سنة 2024، ما يعكس تنامياً للفساد وتراجعاً لجهود مكافحته.
وترى الجمعيات أن هذا التراجع سيؤثر سلباً على مناخ الأعمال، ويُضعف جاذبية المغرب للاستثمار الأجنبي، ويزيد من الانكماش الاقتصادي، ويفاقم معدلات البطالة. وشددت على أن التعديلات المقترحة تصب في اتجاه معاكس لما وعدت به الحكومة في برنامجها، الذي رفع شعار 'محاربة الفساد والريع'.
تدارك الانحراف
دعت المبادرة المدنية البرلمان المغربي إلى تدارك هذا 'الانحراف التشريعي'، وعدم تحويل السلطة التشريعية إلى أداة لتقييد الحريات وضرب المكتسبات الدستورية. وطالبت بإجراء مراجعة شاملة لمجموعة القوانين ذات الصلة بمكافحة الفساد، وفي مقدمتها قانون حماية المبلغين، وقانون التصريح بالممتلكات، وقانون الوصول إلى المعلومات، وتشريع يجرم الإثراء غير المشروع، وقانون تضارب المصالح.
وأكدت أن الحكومة كان ينبغي أن تنخرط في تعزيز فعالية المجتمع المدني في التبليغ عن الفساد، عوض الدفع في اتجاه إسكات الأصوات المنتقدة ومنع الجمعيات من الولوج إلى القضاء.
وفي ردها على تصريحات وزير العدل التي برر فيها التعديلات المقترحة على المادتين 3 و7 من مشروع قانون المسطرة الجنائية بكون بعض الجمعيات تمارس الابتزاز تحت غطاء القانون، أكدت المبادرة المدنية أن هذه المبررات لا تستقيم لا قانوناً ولا دستوريا، مشددة على أن التشريع المغربي يتضمن ما يكفي من الضمانات لمواجهة مثل هذه الحالات، حيث يعاقب بوضوح على القذف والوشاية الكاذبة والابتزاز وفق ما تنص عليه النصوص الزجرية الجاري بها العمل.
واعتبرت أن وجود تجاوزات فردية لا يمكن أن يُتخذ ذريعة لتجريد المجتمع المدني برمته من أدواره الحيوية في محاربة الفساد والدفاع عن المال العام، خاصة في ظل غياب إرادة حقيقية لإصلاح منظومة النزاهة وتعزيز الشفافية.
وكان وزير العدل، عبد اللطيف وهبي، قد أكد أن التعديلات التي طالت المادتين الثالثة والسابعة من مشروع قانون المسطرة الجنائية لا تروم تقييدا لدور الجمعيات في الدعوى العمومية أو المدنية التابعة، بل تهدف إلى ضبط هذا الدور وإعادة تنظيمه بما يراعي قرينة البراءة وحقوق الأطراف.
وأوضح وهبي خلال تقديمه لمشروع القانون المذكور، أمام مجلس النواب، أن ما أثير في هذا الصدد “باطل أريد به حق”، مشيرا إلى أن الممارسة العملية كشفت عن اختلالات في هذا الباب، استدعت مراجعة الإطار القانوني المنظم لتدخل الجمعيات.
وكان مجلس النواب قد صادق يوم الثلاثاء 20 ماي المنصرم، في جلسة تشريعية، بالأغلبية، على مشروع قانون المسطرة الجنائية رقم 03.23 برمته، وذلك بحضور وزير العدل عبد اللطيف وهبي، وحظي مشروع القانون، الذي استغرقت مناقشة تعديلاته زهاء 8 ساعات، بتأييد 130 نائبا برلمانيا ومعارضة 40 نائبا، دون امتناع أي نائب عن التصويت.