اخبار المغرب
موقع كل يوم -العمق المغربي
نشر بتاريخ: ٢٢ نيسان ٢٠٢٥
أجمع باحثون مغاربة على أن التراث يمثل حجر الزاوية في بناء الهوية الوطنية، ورافعة فعالة في مسار التنمية، مؤكدين أن الصراع الرمزي مع الجزائر حول بعض المظاهر التراثية يُبرز أن التراث هو الذي يعبر على قيمة كل أمة، مشددين على ضرورة إدماجه كشعبة قائمة في التعليم الجامعي، وإعمال سياسات عمومية له، لحمايته من التبخيس أو النسيان أو السرقة.
قرصنة متوقعة
أستاذ التاريخ بجامعة الحسن الثاني، حسن أميلي، أكد أن السبب وراء كون التراث أصبح ساحة للصراع بين المغرب والجزائر، يعود لكونه 'معبرا على قيمة كل أمة، وسفير فوق العادة'، موضحا أن الطربوش المغربي مثلا يُعرف عالميا أكثر من الدبلوماسيين، ما يبرز قيمته الرمزية،
وانتقد أميلي، في مداخلة له ضمن جلسة ثقافية بعنوان 'التراث المغربي.. تحديات الواقع ورهانات المستقبل'، احتضنها جناح الشارقة، ضيف شرف الدورة 30 من المعرض الدولي للنشر والكتاب باليوم الثلاثاء، الإعلام المغربي لتكريسه بعض الصور النمطية حول عناصر تراثية، كربط الطرب الأندلسي بالنوم أو تقديم الشيخات بشكل قدحي.
ودعا إلى مصالحة ثقافية مع الذات تبدأ من تقييم التراث وتثمينه بوعي علمي. كما حمّل الباحثين مسؤولية إنقاذ الهوية من النسيان، خاصة في ظل عزوف الشباب عن مجالات التراث، مشدد على أن 'الجيل الجديد يتوجب عليه أن يحمل المشعل ويضيء مناطق العتمة المتبقية من هويتنا'.
أحمد سراج، أستاذ التاريخ بنفس الجامعة، وأكد سراج أن محاولات قرصنة التراث المغربي أمر طبيعي ومتوقع، لكن تدبيره يتطلب ذكاء في التعامل داخليا بتقوية الوعي الشعبي، وخارجيا بإنتاج معرفة موثقة، موضحا أن الحضارات الكبرى مثل الفرعونية والرومانية، نجحت لأنها استثمرت في تراثها بقوة.
تخصص جامعي
وأوضح أن الجامعة المغربية ظلت تشتغل على التراث بشكل مجزأ، موضحا على سبيل المثال أن شعبة الدراسات الإسلامية اهتمت بالتراث الديني، والعربية بالمخطوطات، داعيا إطلاق مسترات جديدة متخصصة في التراث بناء على الإصلاحات الحديثة في التعليم، قصد تحقيق نقلة نوعية في تكوين جيل من المختصين.
من جانبه اعتبر عبد العزيز قراقي، أستاذ القانون العام بجامعة محمد الخامس، أن ينبغي إدماج التراث في الجامعة المغربية كتخصص قائم للتدريس، وأن يُنظر إليه كأداة للتنمية، مضيفا أن شعور المواطن بواجب المحافظة على هذا الرصيد الحضاري هو الخطوة الأولى نحو بناء رؤية تنموية تُدمج المجال والثقافة معا في السياسات العمومية.
ونبه قراقي إلى أن الخطاب حول التراث سيظل نخبويّا ما لم يشعر المواطنون بامتلاكهم لتراث فعلي متجذر في التاريخ، قائلا، 'طالما لم يشعر الناس بأنهم يمشون فوق أرض حضارية، وأن لهم ميزات ثقافية عريقة، سيظل التراث مجرد حديث بين نخب لا قدرة لها على ضمان استمرارية هذا الموروث'.
القانون لا يكفي
وأوضح أن القانون، رغم أهميته، لا يخلق واقعا لوحده، مشيرا إلى أن العديد من القوانين تُسنّ لكنها تبقى حبيسة الرفوف بسبب غياب الآليات المصاحبة لتنزيلها، معتبرا أن حماية التراث تتطلب سياسة عمومية حقيقية تتضمن تمويلا سنويا، وسجلات خاصة بالتراث المادي وغير المادي على مستوى الدولة والجماعات الترابية.
وأبرز قراقي أن عددا من المغاربة يفقدون ارتباطهم بتراثهم عند الهجرة، إذ يسعون للتأقلم مع الآخر وينسون جذورهم الحضارية، موضحا أن هذا الانفصال الثقافي ينتج عنه سلوكيات لا تمت بصلة للهوية المغربية، داعيا إلى ترسيخ وعي ثقافي عميق يُرافق المواطن داخل الوطن وخارجه.