اخبار المغرب
موقع كل يوم -العمق المغربي
نشر بتاريخ: ٣ تشرين الأول ٢٠٢٥
مع دخول القانون التنظيمي الجديد للإضراب حيز التنفيذ، والذي يقصر الدعوة للاحتجاج على النقابات الأكثر تمثيلية، يطفو على السطح تساؤل محوري حول مستقبل 'التنسيقيات' والأشكال النضالية غير الرسمية، والخيارات العملية المتاحة أمامها لمواصلة تحقيق مطالبها.
ويرى فاعلون نقابيون أن هذا القانون، بدلا من أن ينهي الاحتجاجات، قد يؤججها، مؤكدين أن شرعية الحركات الاحتجاجية لا تستمد من الاعتراف القانوني بل من عدالة مطالبها والتفاف الشغيلة حولها. ويجمع هؤلاء على أن السبب الجذري لنشوء هذه الأشكال النضالية يكمن في عدم وفاء الحكومة بالتزاماتها وتنفيذ الاتفاقات الموقعة، وهو ما يعتبرونه 'دعوة صريحة ومستمرة للإضراب' تتجاوز أي قيود تشريعية.
وفي ظل هذا الواقع، تبدو الخيارات المتبقية أمام التنسيقيات متعددة، إذ لا تقتصر على الاستمرار في النضال الميداني الذي انتزع شرعيته من الشارع، بل تمتد إلى ابتكار أشكال احتجاجية جديدة وتعزيز الوعي القانوني بالحقوق المكتسبة، في معركة يعتبرها البعض 'معركة وجود' من أجل الكرامة والعدالة الاجتماعية.
وفي هذا السياق، أكد الكاتب الوطني للنقابة الوطنية للتعليم المنضوية تحت لواء الكنفدرالية العامة للشغل، ربيع الكرعي، أن القانون التنظيمي الجديد للإضراب يمثل انزياحا خطيرا نحو التضييق على الحريات النقابية والشغلية، مشددا على أنه رغم طابعه 'التسلطي' لن ينجح في إيقاف نضال التنسيقيات التي تستمد شرعيتها الواقعية من الشارع وليس من الاعتراف القانوني للدولة.
وأوضح الكرعي، في تصريح لجريدة 'العمق'، أن تمرير القانون بشكل انفرادي من طرف الحكومة خارج إطار الحوار الاجتماعي يعد محاولة مكشوفة لتكميم الأفواه وخنق أصوات الاحتجاج، لافتا إلى أن حصر حق الدعوة للإضراب في النقابات 'الأكثر تمثيلية' يعني إقصاء ممنهجا لكافة الأشكال النضالية المستقلة التي جسدت هموم الشغيلة في الميدان.
وأضاف المصدر ذاته أن التنسيقيات، التي برزت كفاعل ميداني حقيقي، لم تعتمد يوما على الشرعية القانونية، بل انتزعت شرعيتها بفضل التفاف الجماهير حولها وصمودها في وجه ما وصفه بـ'آلة القمع'، مؤكدا أن قوتها تنبع من عدالة مطالبها وتمثيليتها الفعلية للشغيلة وليس من اعتراف رسمي.
واعتبر الكاتب الوطني للنقابة الوطنية للتعليم أن الحكومة الحالية، بسياساتها المرتهنة لمنطق السوق، تهدف من خلال هذا القانون إلى حماية مصالح الرأسمال وإخضاع الطبقة العاملة، مشيرا إلى أن التاريخ يثبت أن إرادة الجماهير والنضال الميداني هما من يحسمان المعارك في النهاية مهما كانت محاولات التضييق.
وانتقد، وفقا لما أورده، مواقف بعض النقابات التي صوتت أو ستصوت لصالح القانون، معتبرا أن هذا الموقف سيفقدها مصداقيتها أمام الشغيلة، حيث إن النقابة الحقيقية، حسب المصدر ذاته، هي التي تنحاز للنضال الشعبي لا التي تتحول لأداة في يد الدولة لإجهاض الحركات الاحتجاجية.
وختم الكرعي تصريحه بالتأكيد على أن المعركة ضد قانون الإضراب ليست مجرد معركة تقنية أو مطلبية، بل هي 'معركة وجود' من أجل الكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية، وأن الرهان يبقى على وعي الشغيلة ووحدتها لمواجهة سياسات الحكومة التي وصفها بـ'الرأسمالية الفاشلة'.
من جهته، اعتبر عزالدين امامي، الكاتب الوطني لنقابة الاتحاد الوطني للتعليم(UNE)، أن القانون التنظيمي الجديد للإضراب، الذي يقصر الدعوة للاحتجاج على النقابات الأكثر تمثيلية، لن يحد من الحركات الاحتجاجية أو يقضي على ظاهرة 'التنسيقيات'، مؤكدا أن السبب الجذري لنشوء هذه الأشكال النضالية واستمرارها هو تملص الحكومة من تنفيذ الاتفاقات الموقعة، وهو ما يمثل في جوهره 'دعوة صريحة ومستمرة للإضراب'.
وأوضح امامي في تصريح خص به جريدة 'العمق' أن وجود التنسيقيات والأشكال الاحتجاجية غير الرسمية لم يأت من فراغ، بل هو نتيجة مباشرة لفقدان الثقة في القنوات الرسمية حين تفشل في ترجمة الاتفاقات إلى واقع ملموس، مشيرا إلى أن الحكومة بعدم وفائها بالتزاماتها هي من تدفع الشغيلة للبحث عن أطر نضالية بديلة خارج القنوات القانونية التقليدية.
ولفت إلى أن الخيارات العملية المتبقية أمام هذه الأشكال الاحتجاجية في ظل القانون الجديد متعددة، أولها الاستمرار في النضال لانتزاع الحقوق التي تحولت إلى مكتسبات قانونية بموجب اتفاقات سابقة، حيث إن الأرضية التي ولدت الاحتجاجات ما زالت قائمة وحية، مما يجعل مسألة الإضراب 'مسألة وقت' بغض النظر عن القيود التشريعية.
وأضاف المتحدث أن الإضراب ليس هو الشكل النضالي الوحيد المتاح، ملمحا إلى أن المرحلة المقبلة قد تشهد ابتكار أشكال نضالية ووسائل ضغط جديدة ومبدعة لمواصلة الدفاع عن المطالب، مؤكدا أن 'ما لا ينتزع بالنضال، ينتزع بمزيد من النضال'.
وتابع أن أحد أهم الخيارات المتاحة يتمثل في تعزيز الوعي القانوني لدى الشغيلة بحقوقها المكتسبة، فالمعركة ليست فقط في الشارع بل أيضا في التمسك بالحقوق التي يضمنها القانون والاتفاقات السابقة، وهو ما سيجعل الأساتذة أكثر قدرة على الدفاع عن مطالبهم بطرق ملائمة.
واعتبر المصدر أن الحل الوحيد الذي تملكه الحكومة لضمان الاستقرار الاجتماعي في قطاع التعليم لا يكمن في القوانين التكبيلية، بل في التنفيذ الفوري والكامل للاتفاقات الموقعة، وعلى رأسها اتفاقا 10 و26 دجنبر، ومضامين النظام الأساسي الجديد، والميثاق الوطني لمأسسة الحوار الاجتماعي، مؤكدا أن أي محاولة للتهرب من هذه الالتزامات ستبقي الباب مفتوحا أمام المزيد من الاحتجاجات وتعميق الأزمة.