هل صار النفط نعمة ليبيا ولعنتها؟

حفتر يعلن استعداد قواته للتدخل لحماية الإيرادات ومخاوف من عودة البلاد إلى مربع الصراعات المسلحة

مرتدياً زيه العسكري، ومتهماً حكومة الوحدة الوطنية بالفساد، خرج قائد القوات المسلحة في الشرق الليبي خليفة حفتر، وأعلن أن قواته ستكون مستعدة للتدخل في الوقت المحدد، داعياً إلى عدم المساس بالإيرادات النفطية، ومقدماً مهلة إلى أغسطس (آب) المقبل لتوزيع أموال النفط على يد لجنة متخصصة.

حفتر نعت المبعوث الأميركي إلى ليبيا ريتشارد نورلاند بـ'المدعو'. وقال إنه 'فشل في حل الأزمة الليبية'، متهماً سفراء الدول الأجنبية بـ'التدخل في الشأن الليبي'.

طلقة المبعوث الأميركي

جاء خطاب حفتر مباشرة بعد تطورات سياسية عدة يبقى أهمها دعوة المبعوث الأميركي إلى ليبيا لعدم المساس بالإيرادات النفطية لما لذلك من تداعيات اقتصادية.

ورفض 70 نائباً تصريحات نورلاند معتبرين إياها تدخلاً في أحكام القضاء، فالسلطة القضائية حكمت باسم الشعب بحراسة القضاء الليبي على إيرادات الدولة الليبية من النفط.

وسبق أن هدد رئيس الحكومة المعينة من البرلمان أسامة حماد، نهاية الشهر الماضي، بوقف تدفق النفط والغاز ومنع تصديرهما وإعلان القوة القاهرة على خلفية ما سماه تمكين المؤسسة الوطنية للنفط حكومة الوحدة الوطنية من 'الاستحواذ على مبلغ يقدر بـ16 مليار دولار من الإيرادات النفطية بشكل غير قانوني'.

ونوهت حكومة حماد، في بيان سابق لها بخصوص إجراءات الحجز الإداري على أموال الإيرادات النفطية، أنها 'ستلجأ إلى القضاء لتعيين حارس قضائي على الأموال المحتجزة لوقف العبث بها'.

وأثار خطاب حفتر الذي لم تعلق عليه إلى حد الآن حكومة الوحدة الوطنية، خوف البعض من 'عودة البلد إلى مربع الصراعات المسلحة الطويلة المدى التي ستكون ورقة النفط وقودها، فيما قال آخرون إنها مجرد مناورات سياسية وعسكرية للضغط على حكومة الوحدة الوطنية.

هل باتت الحرب محتملة؟ 

حول إمكانية عودة الحرب بين القطب العسكري الشرقي والقطب العسكري الغربي على خلفية إيرادات الذهب الأسود، استبعد الباحث المتخصص في الشأن الليبي بمركز 'مدريد' للإعلام محمد الصريط الأمر، موضحاً أن خطاب حفتر جاء لتأكيد موقف حكومة أسامة حماد التي أنتجها البرلمان، لأن من فجر قنبلة عائدات النفط هو حماد. 

وقال الباحث لـ'اندبندنت عربية'، إن 'تلويح حفتر بالرجوع إلى المواجهات العسكرية على خلفية قوله إن قواته ستكون مستعدة للتدخل في الوقت المحدد، هو مجرد دعم عسكري جاء لإضفاء مزيد من القوة والرمزية على الموقف السياسي الصادر عن القطب السياسي الشرقي (مجلس النواب وحكومة حماد) باعتبار أن حفتر ذراعهم العسكرية'.

وأشار الصريط إلى إمكانية نشوب حرب داخل الأقطاب ذاتها، أما أن تتطور الأمور إلى صراع بين الشرق والغرب وتقف أعمال اللجنة العسكرية المشتركة 5+5 التي حققت شوطاً إيجابياً في المحافظة على وقف إطلاق النار بين القطبين فهذا أمر غير وارد، لأن ورقة النفط ليست ورقة محلية فحسب، بخاصة على أثر أزمة الطاقة التي خلفتها الحرب الروسية - الأوكرانية. 

وأشار المتحدث ذاته إلى أن ورقة عائدات النفط هي للضغط السياسي لا غير، وذلك جلي من خلال التصريح الأخير لرئيس لجنة النفط بمجلس النواب عيسي العريبي حين قال 'نحن نغلق النفط لنتحصل على حقوقنا'، فالنفط ليس ورقة ليبية فقط، والتلاعب بها لن يكون مجدياً بخاصة أنه تم استعمالها من قبل لأكثر من 10 مرات منذ اندلاع أحداث ثورة فبراير (شباط) عام 2011، بهدف تحصيل مطالب ولكن من دون جدوى، وحتى لو تم استخدامها فستكون على شكل انقطاع للنفط لفترة موقتة ثم يعود من جديد.

وفي ما يخص دلالة وصف حفتر لأول مرة المبعوث الأميركي إلى ليبيا بـ'المدعو نورلاند' وارتباطه بنهاية علاقته مع الولايات المتحدة، قال الصريط إنه 'لا يعتقد أن حفتر بتعبيره هذا سيبتعد عن الموقف الأميركي في متابعة حل الأزمة السياسية الليبية، لأن أميركا دولة مهمة جداً في الملف الليبي، وتجنبها أو محاولة فعل ذلك هو بمثابة القفز في الهواء'، مرجحاً أن هذا الكلام يأتي في إطار الرد على تصريحات نورلاند وتدخله في ملف النفط.

شهر عسل قصير

من جهته أكد المحلل السياسي أحمد التوهامي أن 'ظهور حفتر بزيه العسكري من جديد وحديثه عن تدخل قواته في الوقت المحدد ما هو إلا تأكيد عن جهوزيته للدفاع عن الثروة النفطية ومقدرات الشعب الليبي'.

وقال التوهامي لـ'اندبندنت عربية' إن 'استبعاد اللجوء إلى عمل عسكري من قبل قائد الجيش الوطني إما غباء سياسي أو محاولة للتقليل من القيمة الحقيقية للجيش الوطني'.

وأبرز أن ثمة توافقات دولية سيحتاج إليها الجيش قبل أي تحرك عسكري، على غرار التعاون الروسي الذي يكبر كل يوم، وهذا عامل مساعد لاستكمال عملية توحيد ليبيا واستعادة هيبة الدولة، فتوزيع الثروة في ليبيا ضروري، لا سيما أنه أصبح يشكل جزءاً من الصراع السياسي في البلاد، ونقطة يؤكد عليها في كل مرة المبعوث الأميركي إلى ليبيا.

وأكد المحلل السياسي المقرب من معسكر 'الرجمة' (معسكر حفتر) أن قائد قوات الشرق أراد توجيه رسالة إلى الولايات المتحدة الأميركية بقوله 'المدعو نورلاند'، وحديثه عن حظر التسلح مفاده عدم تقديم أي مساعدة إلى ليبيا في حربها ضد الإرهاب، وإن فضل عدم ذكرها بالاسم حتى لا يقطع شعرة معاوية معها.

وفي شأن خروج حفتر من جلباب الولايات المتحدة الأميركية، أشار التوهامي إلى أن شهر العسل بين حفتر وأميركا انتهى منذ مدة، واصفاً إياه بـ'شهر العسل القصير جداً'، وقد كان في فترة حكم الرئيس السابق دونالد ترمب فقط.