الخليج منافس عالمي جديد لمراكز البيانات

وليد منصور -

باعتبارها البنية التحتية المادية التي تضم شبكة الإنترنت وتعمل على تمكين الحوسبة السحابية، فقد شكَّلت مراكز البيانات لفترة طويلة الأساس الذي يقوم عليه الاقتصاد الرقمي في العالم. والآن تعمل ثورة الذكاء الاصطناعي على زيادة الطلب على الطاقة الحاسوبية، مما يؤدي إلى زيادة الاستثمارات في مراكز البيانات.

وأفاد تقرير حديث بأن صناعة السحابة ومراكز البيانات في الشرق الأوسط اكتسبت زخماً ملحوظاً في السنوات الأخيرة. ومثال على ذلك، التزام شركة أمازون بمبلغ 5.3 مليارات دولار للاستثمار في السعودية، إلى جانب تعهد شركة DataVolt ومقرها الرياض باستثمار 5 مليارات دولار في مراكز البيانات المحلية. إذ تنضم هذه الشركات إلى سلسلة من الاستثمارات الأخيرة التي تهدف لتطوير البنية التحتية الرقمية اللازمة للمساعدة في تحديث وتنويع الاقتصادات الإقليمية.

وقال تقرير «المونيتور» إن الشرق الأوسط أصبح نقطة ساخنة ناشئة لبناء مراكز البيانات، حيث يتمتع السوق بطلب قياسي، في وقت أن سوق مراكز البيانات في المنطقة يستعد لتضاعف الطلب بحلول عام 2030، مدفوعاً بنمو الاقتصاد الرقمي وتطبيقات الذكاء الاصطناعي.

وتهيمن السعودية والإمارات حالياً على السوق. وفي الوقت نفسه، يشير تحليل شركة ماكينزي إلى أن الحوسبة السحابية لديها القدرة على توليد ما يصل إلى 183 مليار دولار من القيمة في الشرق الأوسط بحلول عام 2030، مع قدرة صناعة النفط والغاز على توليد قيمة تصل إلى 82 مليار دولار وحدها.

ومع ذلك، كان اعتماد السحابة في الشرق الأوسط أبطأ من أي مكان آخر، مع تقليص الطلب بسبب تكلفة الاتصال الدولي رديئة الجودة في بعض البلدان إلى جانب عدم اليقين التنظيمي، حيث ألقت ماكينزي باللوم على هذه المشكلات (من بين أمور أخرى) في محدودية المعروض من السحابة. كما أن بناء مراكز البيانات باهظ التكلفة، بالتزامن مع الطلب المتزايد على الطاقة الناجم عن الذكاء الاصطناعي قد يؤدي إلى مخاوف من أن مراكز البيانات تضغط على شبكات الطاقة. وفي الوقت نفسه، تستهلك مراكز البيانات كميات كبيرة من المياه لأغراض التبريد، وهو ما يمثل عائقاً في منطقة الشرق الأوسط القاحلة.

تحديات قائمة

على المستوى الإقليمي، أشار تقرير المونيتور أن تحديات تسليم مراكز البيانات لا تزال قائمة، من مشكلات التصميم والتخطيط، بما في ذلك ندرة المهنيين المهرة. بالتزامن مع زيادات الأسعار الناتجة عن ارتفاع تكاليف مواد البناء، في حين أن اختلال العرض والطلب يتسبب في التأخير.

وعلى الرغم من التحديات، هناك قوى قوية تحفِّز تطوير البنية التحتية الرقمية، وعلى رأسها حكومات الخليج التي تدفع خطط التحول الاقتصادي الطموحة. والأهم من ذلك، أن مركز البيانات والمساحات السحابية في المنطقة حصلوا على دفعة خلال أزمة كورونا، مما أدى إلى تسريع الاعتماد الرقمي.

وإلى جانب صعود الشركات المحلية مثل DataVolt، عزَّزت الشركات العالمية العملاقة مثل مايكروسوفت وغوغل وهواوي تواجدها الإقليمي في السنوات الأخيرة.

وتجذب مراكز البيانات اهتمام مطوري العقارات. في عام 2022، كشف قطب العقارات في دبي حسين سجواني عن خطط لاستثمار مليار دولار في بناء مراكز بيانات على مستوى العالم من خلال مشروع Edgnex، وهو مشروع مركز بيانات أسسه. وفي عام 2024، دخلت الشركة في شراكة مع فودافون لاستثمار 100 مليون دولار في تركيا.

الذكاء الاصطناعي

على نطاق أوسع، أوضح التقرير أن الاستثمارات الخليجية في البنية التحتية الرقمية تأتي جنباً إلى جنب مع الاهتمام المتزايد بالذكاء الاصطناعي. في فبراير 2024، دافع صندوق الاستثمارات العامة عن إمكانات السعودية كمركز للذكاء الاصطناعي خارج الولايات المتحدة، مشيراً إلى موارد الطاقة في المملكة وقدرتها التمويلية.

وتقوم الإمارات باتخاذ خطوات كبيرة، كان آخرها إنشاء MGX. ومن بين داعمي شركة الاستثمار التكنولوجي شركة أبوظبي للذكاء الاصطناعي G42، التي تقود جهود الذكاء الاصطناعي الإماراتية. ويتضمن ذلك توقيع شراكة مع OpenAI منشئ ChatGPT في أكتوبر 2023 لتوسيع الذكاء الاصطناعي محلياً وإقليمياً، مع الاعتماد على مراكز بيانات مايكروسوفت.

السيناريوهات المتوقعة

وضع تقرير المونيتور العديد من السيناريوهات المتوقعة لدول الخليج بالنسبة لمراكز البيانات، كالتالي:

1 - الخليج يستفيد من الطلب على الذكاء الاصطناعي

مع وفرة الأراضي ورأس المال وإمكانات توليد الطاقة، تستفيد دول مثل السعودية والإمارات من الطلب الذي يغذيه الذكاء الاصطناعي على مراكز البيانات، مما يجذب العديد من اللاعبين العالميين حيث تؤثر القيود على التنمية في أماكن أخرى.

ومع ذلك، هناك عوامل عدة تجعل من غير المرجَّح أن تنافس منطقة الخليج مراكز البيانات في العالم، بدءًا من سياسات البيانات العابرة للحدود التي تؤثر في تقديم الخدمات السحابية إلى التحديات التي يفرضها المناخ الجاف في المنطقة.

2 - العوامل الجيوسياسية تؤثر في استثمارات البنية التحتية الرقمية

تقع دول الخليج على نحو متزايد بين التنافس بين الولايات المتحدة والصين، مما يجبرها على الانحياز إلى أحد الجانبين عندما يتعلق الأمر بالتكنولوجيا. وقد يؤدي ذلك إلى تعريض الاستثمارات الحالية والمستقبلية في مشاريع السحابة ومراكز البيانات للخطر.

ومع ذلك، فإن الاحتكاك الناتج عن هذه المنافسة بين القوى العظمى حتى الآن لم يمنع شركات التكنولوجيا العالمية من استهداف الفرص في الخليج.

3 - نمو ملحوظ مع ظهور استثمارات جديدة

بدعم من السعودية، من المتوقع أن تستمر صناعة السحابة ومراكز البيانات في الخليج في النمو بشكل ملحوظ مع ظهور استثمارات جديدة وقيام المزيد من الشركات المتعددة الجنسيات بنقل مقارها الإقليمية إلى الرياض للاستفادة من الإنفاق الكبير في المملكة. ويعد صندوق الاستثمارات العامة مرشحاً جيداً مثل أي مرشح آخر للقيام باستثمارات عالمية جريئة تستهدف الذكاء الاصطناعي، والتي يمكن أن تشمل صفقات البنية التحتية، ولكن في الوقت الحالي طورت الإمارات ميزة في هذا المجال. وبغض النظر عن ذلك، تعمل السعودية على تجميع اللبنات الأساسية اللازمة لتوسيع اقتصادها الرقمي، على الرغم من استمرار توافر عقبات. ومن الممكن أن يتجاوز الطلب على مراكز البيانات طاقتها على المدى القريب، مما يؤدي إلى زيادة التكاليف والتأثير في بعض الاستثمارات الأجنبية.