اخبار الكويت
موقع كل يوم -جريدة القبس الإلكتروني
نشر بتاريخ: ٥ حزيران ٢٠٢٥
إن الظروف الجيوسياسيَّة والأوضاع الاقتصاديَّة التي يعيشها عالمنا المضطرب تفرض علينا - نحن العرب - اليوم وأكثر من أيِّ وقتٍ مضى ضرورة التكاتف والتعاون لتحقيق الأمن الغذائي، فالإمكانات التي حبانا بها الله والمعطيات التي نملكها بين أيدينا في بلداننا العربيَّة تُبشِّر بغدٍ أفضل إذا ما أحسنا استغلالها الاستغلال الأمثل.
أزمة كبيرة أن تكون مساحة عالمنا العربي تزيد على ثلاثة عشر مليون كيلو متر مربع بنسبة ١٠ بالمئة من مساحة اليابسة ومازلنا نستورد بعضًا من محاصيلنا الإستراتيجيَّة، رغم أن الوصول للاكتفاء الذاتي من سلة غذائنا ليس حلمًا بعيد المنال أو أمرًا مستحيل الحدوث.
يخطئ مَنْ يرى في محيطه العربي عشرات الملايين من أفدنة السودان الخصبة وغيرها في العراق وسوريا أو القابلة للتعمير والاستصلاح في باقي الدول ولا يستثمر فيها؟!، أعلم أن الأمر ليس سهلاً وإلا ما بقيت مشكلةٌ عالقةٌ أمامنا أو حتى في أسوأ الظروف نجحنا في تجفيف منابع الأزمات التي تتفجَّر يومًا تلو الآخر على أراضينا.
نعم الموضوع معقَّدٌ ومُتشابكٌ، فالأرض في السودان والعراق وسوريا، وجميعها بلدانٌ تُعاني أوضاعًا أمنيَّة صعبة لا تخفى على ذي بصرٍ وبصيرة، تَضِنُّ على أهلها التنعُّم بخيراتها، فما بالنا بأصحاب رأس المال الراغبين في استثمارها، أيضًا القوى البشريَّة الماهرة موجودة في دول المنطقة بلا شك، والأموال في الخليج قطعًا تبحث عن أمانٍ لتُعمِّر ما حولها.
إذن، المعطيات موجودة بالفعل لتحقيق الأحلام التي تُراودنا منذ زمنٍ ليس بالقليل، ولكن طريقة التنفيذ ليست كما يتصوَّر المناضلون خلف الشاشات، فالدوافع للتحرُّك كثيرة؛ ما بين حربٍ في أوكرانيا أثَّرت على سلاسل الإمداد عالميًا، أو أزماتٍ في دولٍ أخرى، وكل مرة نُبيِّت النِّية ونعقد العزمَ في بياناتٍ وتصريحاتٍ، ولكن دون جدوى أو تحركٍ واقعيٍّ.
أرى أنه حان الوقت لكي نستفيق ونُحسن استغلال المقومات الزراعيَّة المتوفِّرة لدينا؛ مثل عوامل المُناخ الذي يتباين بين المناطق الصحراويَّة إلى المتوسطة بما يُتيح التنوُّع في المحاصيل على مدار العام، وتزخر منطقتنا بمصادر شتَّى للمياه على صورة أنهارٍ تجري وآبارٍ تعج بالمياه وأمطارٍ تتساقط من السماء، وأخيرًا نجاح الكثير من دولنا في إدخال تكنولوجيا تحلية المياه.
وقد أنعم الله علينا بأرضٍ خصبة عالية الإنتاج على ضفاف النيل في مصر والسودان وسهول الرافدين والمغرب العربي، كل هذا إلى جانب الأيدي العاملة التي تحتاج إلى دعمٍ واهتمامٍ لتستمر في الإنتاج، وتوفير عوامل الجذب لهم؛ كالتحوُّل نحو التكنولوجيا الحديثة في الزراعة والري التي تُريح الإنسان وتزيد خيرات الأرض وتُقلِّل التكلفة.
لن يتحقَّق الأمن الغذائي العربي إلا من خلال عملية تكاملية، حيث توجد 8 دول من بين المجموعة العربية تُعدُّ من الدول الأفقر في العالم في نسبة توافر المياه الطبيعية لكل فردٍ، وهو بالطبع ينعكس على عملية الزراعة، لذا وجب مساعدتها في تحلية المياه لتكون ضلعًا مساهمًا في الإنتاج وليست عالةً على غيرها، فمتى أدركنا أننا وحدة واحدة وصلنا لمبتغانا.
ورؤيتي أن الاستثمار في الأمن الغذائي طوق نجاة مما قد يُباغتنا من تحدياتٍ في الفترة المقبلة تُضاف إلى تلك الموجودة حاليًا، ولا مناص لدولنا من تحقيق أمنها الاقتصادي، فإن انتشار الفقر والجوع في رقعة ما من محيطنا، سينعكس بالسلب على أحوالها الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة وعلينا جميعًا، وهي أمور تستشري في جسدنا العربي كالسرطان.
في خضم هذه التحديات يبقى الأمل معقودًا على استقرار الأوضاع السوريَّة، وعودة دمشق لحضن الأشقاء لتستأنف أنشطتها الاقتصاديَّة التي توقَّفت منذ نحو 15 عامًا، لتتحوَّل بفضل الله ثم مساندة إخوانها العرب إلى وافدٍ جديد لعالم الإنتاج، فقد كانت هذه الدولة الغالية مُكتفيةً ذاتيًا قبيل 2011م، ثم عاشت ظروفًا سيئة، ولكن هناك عزيمة عربية لمؤازرتها؛ فقد استقبل أحمد الشرع الرئيس الانتقالي في دمشق وفدًا من رجال الأعمال الكويتيين ومن جنسيات أخرى، قبل أن يُجري زيارة للكويت، سبقها جولات مكوكية لتعزيز التعاون بما يُبشِّر بالخير لها ولجيرانها.
كلنا يُدرك أن شعب سوريا صاحب حضارة عريقة ويحب العمل ويمتلك طاقة إنتاجيَّة وافرة عطَّلتها الأحداث الأخيرة، ولكنها إن شاء الله عائدة بقوة، ومن قبلها رجع العراق، وننتظر السودان الحبيب بأرضه الذهبيَّة؛ لتدور عجلة العطاء في كل شبرٍ عربيٍّ في سبيل تحقيق ما نصبو إليه من تكاملٍ في الأمن الغذائي بما يحفظ أمننا القومي العربي.