هيئات للتنفيع ويا الفضالة ارجع

لا يستطيع أي إنسان وبجرة قلم أن يقوم بعملية تعداد للهيئات الحكومية في طول البلاد وعرضها؛ لأنه سيقف عاجزاً عن معرفة العدد الفعلي لهذه الهيئات، اللهم إلا إذا أجرى اتصالاته مع ديوان الخدمة المدنية أو أي جهة حكومية ذات معرفة بأعدادها، وأما غير ذلك فإن كل جهد في هذا السياق سيكون مصيره الفشل وسيكتشف هذا الإنسان أن هيئات الحكومة أكثر من شعب الصين مقارنة مع المساحة والسكان بالكويت وعدد هذه الهيئات عندنا.

بعد التحرير قامت الحكومة حينها بإنشاء الهيئة العامة أو المؤسسة العامة للطباعة، وأسندت إدارتها إلى الأخ جاسم النصف الذي بذل جهوداً كبيرة ومخلصة لإعادة مبنى الإعلام الحالي في الشويخ بعد التدمير والخراب الذي تعرض له خلال أشهر الغزو العراقي المجرم آنذاك، وكان من مهام تلك الهيئة أو المؤسسة الإشراف على مطبعة الحكومة وكل ما يتعلق بأعمال الدولة الطباعية، لكن الأمر لم يستمر وأنهيت أعمالها بعد رفضها من مجلس الأمة حينها وحتى قبل أن تبدأ أعمالها الفعلية، بعدها قام مديرها العام جاسم النصف بإعادة ما تبقى من ميزانية ترميم المبنى وتنظيفه إلى الدكتور بدر اليعقوب، الذي كان حينها وزيراً للإعلام، وبالطبع كان إجراء إعادة باقي الميزانية حالة تبدو غريبة لدى بعض قيادات هذا الزمان، لكنها الأمانة ونظافة اليد والنزاهة، وقبل كل هذا مخافة الله التي يتمتع بها رجل مثل «أبو أحمد» حالة نادرة في هذه الأيام.

في السنوات الأخيرة تسابقت الحكومات المتعاقبة على تأسيس العديد من الهيئات ورصدت لها ميزانيات كثيرة وخصصت لها مباني بعضها من أملاك الدولة والأخرى منها بالإيجار، إضافة إلى جيوش من الموظفين، منهم بتعيينات جديدة ومنهم من نقلوا من جهاتهم الرسمية إلى هذه الهيئات والمؤسسات التي فرختها حكوماتنا أو استنسختها من الوزارات، ولأن رواتب هذه الهيئات ذات كادر إداري ومالي خاص يفوق راتب الوزارة، فإن السباق إلى العمل فيها كبير وامتيازاتها مغرية وكلها بالطبع على «ظهر» ميزانية الدولة التي يقولون اليوم إنها تعاني من «اصفرار الوجه وضيقة الخلق وسوء الحالة المالية»، بعد أن كانت تغني على «الوحدة ونص» حين كانت تعيش أيام العز الذي لم يدم وسبحان مغير الأحوال.

إن إعادة النظر في وجود أكثر من هيئة اليوم وفي ظل معاناة الحكومة من قلة السيولة وضيق اليد، صارت أمراً يحتم على الدولة «تفكيك» أكثر من هيئة سعياً وراء ترشيد الإنفاق والكل يعلم أن هذه الهيئات كانت إدارات في وزاراتها وبقدرة قادر وبجرة قلم جاءت الحكومة في حينها لتعلن تمرد هذه الإدارات على وزاراتها وتعلن الاستقلال عن الوزارة الأم والإتيان بوزير سابق ما عنده وظيفة ليكون على رأس الهيئة التي تختارها له الحكومة - الله يطول بعمرها - وبراتب يفوق أضعاف راتبه كوزير في الحكومة، ولا أريد ذكر هذه الهيئات والحكومة أبخص منا في معرفتها وفي ميزانياتها ومكافآت مجالس إداراتها.

أعرف أن قرار حل هذه الهيئات صعب على الحكومة لكنها أيضاً أمام وضع استثنائي لا يقبل المجاملة ولا الإرضاءات، وكما يقال «الوجه من الوجه أبيض» فإما بقاء الوزارات، وهذا هو المنطق، أو الهيئات التي كانت بالأمس تحت مظلة الوزارة التي تتبعها وأعتقد جازماً أن بقاء أكثر من هيئة حكومية اليوم لا أهمية له.. فيا سمو الرئيس اعقلها وتوكل بقرار جريء ينهي دور أكثر من هيئة وإذا كان هناك إحراج فدحرج قرار الحل على مجلس الأمة و«اطلع سالما» وكما يقال «حطها براس عالم واطلع يا ابا خالد سالم»، خصوصاً أن هذه الهيئات كان ظهورها في غير عهد حكومتك هي خطوة ذات فوائد عديدة ويكفي أنها توفر لكم من الأموال ما أنتم في حاجة إليه اليوم وسامحونا على ما جاء في سطورنا هذه وبلاش هو اقتراح من مواطن يعوره قلبه على الديرة وعلى الهدر المباح من أموالها.

نغزة

مع كل التقدير لموقف - السمي - النائب يوسف الفضالة ورأيه بالوضع الذي دفعه للاستقالة فإن واقع الحال يفرض عليه البقاء مع المخلصين من النواب وهم قلة وللأسف لكنه حين يضع يده معهم سيحققون ولو بعض الإصلاح ثم إن الذين صوتوا له اختاروه لأمانته وثقتهم به وهذه كبيرة يجب أخذها بالاعتبار وأتمنى من العزيز - السمي - أن يعيد النظر في الاستقالة باعتبار أن وجوده مثل الماء في الصيف. وآمل أن نراه مع النواب الذين ننتظر منهم الإصلاح بدلاً من الذين ينحاشون عن الواجهة. طال عمرك.

يوسف الشهاب