وداعاً انتصار الشراح.. درة الفن وبسمة الكوميديا الخليجية

مهما فعلنا وكتبنا، لن نستطيع إِيفاء حق أُناس صنعوا ذكرياتنا.. لنجد أنفسنا اليوم نكتب عنهم اليوم كذِكْرى.

كم سنعاني عند التحدث عن أولئك الذين كانوا سبب فرحنا، ومقبل يومنا، ونمو أرواحنا وبهجة أوقاتنا..

ها هي الدنيا، تأخذ منا من وقت إلى آخر صنّاع بهجتنا وأيامنا الجميلة.. بلمساتهم وأصواتهم وضحكاتهم التي تنسلّ عبر صفحات حياتنا..

ربما يضمّد الزمن الجراح.. لكن، المشكلة ليست بالجراح فقط، فالزمن أخذ منا جواهر الجيل الذهبي وسنجد صعوبة في لملمة روح الفنّ التي تشظّت بفقدانهم الواحد تلو الآخر.. وآخرهم رحيل الفنانة القديرة انتصار الشراح عن 59 عاما في العاصمة الإنكليزية لندن بعد صراع مع المرض، ولكن ستبقى سيرتها العطرة واعمالها المميزة نبراسا يضيء على اسمها بين الآلاف من صناع البهجة الذين مروا على الدنيا وتركوا أثرا لن يمحوه الزمان.

هكذا إذا، يرحل الفنان وتبقى اعماله تخلد ذكراه ابد الدهر، يفنى الجسد وتبقى السيرة والمسيرة راسخة في وجدان القاصي والداني، تبقى الابتسامة التي رسمها على محيا جمهوره والذكريات التي اقترنت بأعماله وكلماته، والبهجة التي نثرها على مدار سنوات، يتسامى المبدع فوق ظروفه وجراحه وآلامه، ويلقي بكل ذلك خلف ظهره ليحقق مكسبه الأكبر عندما يقف له جمهور المسرح مصفقا او يمطره محبوه في كل مكان بكلمات الشكر والعرفان.

انتصار الشراح درة الفن وبسمة الكوميديا وبهجة الطفولة المكتنزة خلف موهبة صقلتها بسنوات من العطاء، نضجت خلالها واكتسبت خبرات استقتها من الوقوف أمام العمالقة، حتى اصبحت حالة متفردة من الإبداع، لتعبر حدود الخليج العربي وتصل بفنه الى شتى اقطار الوطن الأكبر، لم تترك الشراح بحرا من بحور الفن إلا وخاضته، امتلكت ادواتها وعرفت كيف تتعاطى مع مختلف القوالب الدرامية، تملأ المسرح بأداء متزن وتخطف الكاميرا بتجسيد واقعي يلامس القلوب وتترك في كل عمل بصمة مختلفة.

وفي هذا الموقف الحزين.. يكون استرجاع اللحظات الحلوة، والمواقف الراسخة في وجداننا.. أمرا لا مفر منه..

«باي باي لندن»

طرقت الراحلة ابواب الساحة الفنية عن طريق الفرق الغنائية بنهاية سبعينيات القرن العشرين، وبدأت التمثيل عام 1980 للمرة الأولى في مسلسل «خرج ولم يعد»، بعد ذلك انضمت إلى المعهد العالي للفنون المسرحية وكان ثاني أعمالها مسرحية «باي باي لندن» عام 1981 بشخصية «سميرة»، حيث اشتهرت بجملة «أي أي أي»، وشاركت بعدها في عشرات الأعمال ما بين المسرح والتلفزيون والإذاعة والسينما لتتخطى اعمالها مجتمعة 200 منتج فني تقريبا، كان آخرها «مطر صيف» الذي عرض خلال شهر رمضان الماضي مع الفنان القدير سعد الفرج.

أما الفنان عبدالرحمن العقل فقال «أم سالم قطعة من حياتي الفنية، تربينا وعشنا مع بعض أفضل أعمالنا الفنية في المسرح والتلفزيون والاذاعة.. مثواك الجنة يالغالية آمين».

رحلة عطاء حافلة

نعت وزارة الإعلام إحدى رائدات الفن الكويتي في المسرح والدراما والبرامج التلفزيونية، الفنانة القديرة انتصار الشراح، التي انتقلت إلى جوار ربها أمس في العاصمة البريطانية لندن، عن عمر ناهز 59 عاماً، بعد رحلة عطاء حافلة في مجال الفن استمرت على مدى 4 عقود من الزمن.

وقالت «الإعلام» في بيان صحافي إن الراحلة وضعت بصمة واضحة في الدراما التلفزيونية، إذ قدمت العديد من الاعمال المميزة التي ظلت عالقة في ذاكرة المشاهدين، ومنها «خرج ولم يعد» و«خذ وخل» و«قاصد خير» إضافة الى العشرات من الأعمال الفنية. وأشارت الإعلام الى أن الشراح شكلت علامة فارقة في البرامج التلفزيونية والمنوعة والكوميدية التي كانت تعرض خلال شهر رمضان من كل عام.

ولاء للمسرح

ورغم تميزها في مختلف القوالب الفنية، فإن الشراح كانت تكن مشاعر خاصة للمسرح، ولديها ولاء مطلق لأبي الفنون، مشاعر ترجمتها في العديد من اللقاءات الصحافية والتلفزيونية، فكانت تؤكد أن بينها وبين المسرح علاقة خاصة لا تستطيع أن تعبر عنها بالكلمات، لافتة الى أنها تعتبر المسرح رافداً أساسياً في تكوينها الفني وأحد أهم أعمدة الثقافة العربية، لذلك لم تنقطع الشراح عن الخشبة على مدار سنوات من مسيرتها الفنية، منذ أن واجهت الجمهور للمرة الأولى في «باي باي لندن» حتى مشاركتها الأخيرة بمسرحية «خطوات الشيطان» مع الفنان عبدالعزيز المسلم عام 2019 وما بينهما من مسرحيات مميزة مثل «بشت المدير» و«صباح الخير يا كويت» و«انتخبوا أم علي» و«لولاكي» و«دكتور صنهات» وغيرها من المسرحيات.

ثنائي ناجح

شكلت الفنانة الراحلة انتصار الشراح ثنائياً ناجحاً مع الفنان داود حسين في البرامج الكوميدية، حيث قدما معاً العديد من البرامج التي حققت نجاحاً كبيراً مثل «خذ وخل»، «فضائيات»، وغيرهما. وقد عزت الشراح حالة النجاح غير المسبوقة لهذا الثنائي إلى ما وصفته بـ«الكيمياء» التي تجمعهما معاً والتي قد يكون سببها مولدهما في اليوم نفسه وانطلاقهما في المجال نفسه «تقليد الفنانين» الذي تراه «فناً» قائماً بذاته، ويحتاج الى فنان متعدد المواهب ويمتلك أدواته.