اخبار الكويت
موقع كل يوم -جريدة القبس الإلكتروني
نشر بتاريخ: ١٣ تشرين الثاني ٢٠٢٥
أذكر عندما قررت تصميم غرفة ابنتي الصغيرة، أخذ مني وقتاً كثيراً، كي أختار اللون المناسب لها ولعمرها، والأثاث المناسب، وطريقة التصميم، وكذلك استشارة المصممين، الذين قد يزودونك بأكثر من فكرة ومقترح، فغرفة النوم بالتأكيد ستؤثر في نفسيتها وتعكس شخصيتها، فهي المكان الذي تلجأ إليه بعد يوم دراسي طويل أو للنوم والراحة، هذا فقط غرفة نوم، لم أتحدث عن أفكار أو مشاعر أو أي شيء أعمق.. فأخذت أتساءل مع نفسي: لماذا نظن أن التربية مختلفة؟ انها تُحل بكلمة، أو تتغيّر بسلوكٍ واحد، أو تنتهي بجلسةٍ واحدة ومقترح واحد؟
التربية مثل بناء البيت تماماً، وليست فقط غرفة: تحتاج إلى تفكيرٍ وتجريبٍ واستشارةٍ وصبرٍ على التعديلات، حتى تصبح بيئتنا الأسرية صالحة للنمو والسكينة.
في مقالي السابق «ليست نصيحة بل مهارة تُمارس»، تحدثت عن أن التربية ليست كلماتٍ نُلقّنها، بل هي مهارات تُتعلّم وتُجَرّب.
واليوم أؤكد أن هذه المهارات لا تُكتسب دفعة واحدة، بل تُبنى بالتكرار والممارسة والوعي التراكمي، الذي ينضج مع الوقت والخبرات.
كثير من الأُسر تتوقع أن جلسة استشارية واحدة ستغيّر السلوك، أو أن نصيحة واحدة ستبدّل طريقة التفكير، لكن الحقيقة أن التغيير التربوي يحتاج إلى التزام وصبر وتجريب مستمر.
فالسلوك لا يتبدّل بالتوجيه فقط، بل بالملاحظة والاحتواء والقدوة اليومية، والممارسة من أشخاص متخصصين.
التربية أشبه بتمرين عضلة الوعي، نمارسها كل يوم، نخطئ ونتعلم، نراجع أنفسنا، ثم نلاحظ أن أبناءنا بدأوا يعكسون ما مارسناه لا ما قلناه. فهم يتعلّمون من طريقة تعاملنا أكثر مما يتعلّمون من تعليماتنا.
ولهذا أقول دوماً: كل استشارة تربوية هي بداية طريق لا نهاية مشكلة.
فالمستشار لا يقدّم عصا سحرية، بل يفتح للأسرة باباً نحو وعيٍ جديدٍ، تحتاج أن تمشيه بخطواتها الخاصة.
التربية ليست حلاً سريعاً، بل رحلة وعيٍ تُبنى بالتكرار، وبمحاولاتٍ صادقة ومتدرجة، نكتشف فيها أنفسنا أولاً، ثم نفهم أبناءنا بعمقٍ أكبر. ومع كل مرة نختار فيها الهدوء بدل الغضب، والإصغاء بدل العتاب، نُضيف لبنة جديدة في جدار الثقة.
ندى مهلهل المضف


































