زواج دفع العقوبة يتلاشى.. ما أحكام جرائم الاغتصاب بدول الخليج؟

سلمى حداد - الخليج أونلاين

رغم العقوبات المشددة ضد مرتكبي جريمة الاغتصاب بالدول العربية والخليجية فإن بعض الدول قد تمنح الجاني وسيلة للإفلات من العقاب بالزواج من المجني عليها

جريمة الاغتصاب تصنف ضمن الجرائم البشعة في الدول العربية والإسلامية، وضمنها دول الخليج العربي ذات المجتمعات المحافظة، لذلك ينال مرتكبوها عقوبات قاسية تصل إلى السجن المؤبد والإعدام في بعض الحالات.

ورغم هذه العقوبات المشددة فإن بعض الدول العربية والخليجية يتخلل قوانينها ثغرات ربما تضمن للجاني بجرائم الاغتصاب الإفلات من العقاب.

ومن أبرز هذه الثغرات إعفاء الجاني من العقوبة في حال تزوج من المجني عليها بعد موافقة وليها، وهي قوانين ورثتها الدول العربية من الاستعمار الفرنسي وفترة الحكم العثماني، وبقيت حتى يومنا هذا.

ولكن هذه الثغرة بدأت تتداركها غالبية الدول العربية والخليجية إثر مطالبات حقوقية محلية ودولية بوضع حد لها وحذفها من القوانين، وهو ما حصل مؤخراً في مملكة البحرين.

البحرين

وفي 26 يونيو 2023، صدّق ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة على تعديل قانوني ألغى بموجبه نصاً مثيراً للجدل يُعفي مرتكب جريمة الاغتصاب من العقوبة في حال زواجه من الضحية.

وبحسب وكالة الأنباء البحرينية (بنا)، أصدر ملك البحرين القانون رقم 7 لسنة 2023 بإلغاء المادة رقم 353 من قانون العقوبات الصادر في سنة 1976، والتي كان مجلس النواب قد وافق، في مايو الماضي، على إلغائها أيضاً.

وتنص المادة التي أُلغيت على أنه 'لا يحكم بعقوبة ما على من ارتكب إحدى الجرائم المنصوص عليها في المواد السابقة (جرائم هتك العرض والاغتصاب) إذا عقد زواج صحيح بينه وبين المجني عليها، فإذا كان قد صدر عليه حكم نهائي قبل عقد الزواج يوقف تنفيذه وتنتهي آثاره الجنائية'.

وفي البحرين عقوبة جرائم هتك العرض والاغتصاب تتضمن السجن المؤقت (مدة يحددها القاضي حسب حيثيات الجريمة)، أو السجن المؤبد إذا واقع الجاني المجني عليها وهي دون الـ16 من عمرها.

وحسب إحصائية نشرها موقع 'World Population Review' في العام 2020، فإنه من بين كل 100 ألف نسمة تحصل 4.6 حالات اغتصاب سنوياً في البحرين.

لكن في 9 مايو 2023، أكد وزير العدل والشؤون الإسلامية والأوقاف البحريني، نواف المعاودة، أنه حسب إحصائيات النيابة العامة لم ترصد أي جريمة اغتصاب في العام 2022.

ولكن ماذا عن بقية دول الخليج، وهل يطبق أي منها قوانين تسمح للجاني في جرائم الاغتصاب بالزواج من المجني عليها والإفلات من العقاب؟

السعودية

في السعودية تختلف عقوبة الاغتصاب حسب حيثيات الجريمة، وتتمثل بدفع غرامة مالية قدرها 300 ألف ريال (نحو 80 ألف دولار)، والسجن مع الأشغال الشاقة مدة 5 سنوات في حالات معينة.

وفي حالات أخرى يعاقب المغتصب بالجلد 80 جلدة على الأقل -إذا كان غير متزوج- وتصل العقوبة إلى الإعدام في حال كان متزوجاً.

وبالمملكة لا يجيز القانون زواج المغتصب من الضحية، لكن في بعض الظروف يتم التصالح بين الأطراف تحت إشراف القضاء.

ووفق تقرير نشرته صحيفة 'عكاظ' السعودية، في العام 2019، فإن جرائم الاغتصاب تتراجع بشكل كبير في المملكة.

أوضحت الصحيفة أن المحاكم سجلت 579 قضية تحرش خلال العام 2019، بينما تجاوز عدد قضايا التحرش في العام السابق له 708 قضايا.

الإمارات

القانون الاتحادي للإمارات يعاقب مرتكب جريمة الاغتصاب بالإعدام إذا ارتكبها باستخدام الإكراه، كما يعتبر الإكراه قائماً إذا كان عمر المجني عليه أقل من 14 عاماً.

وفي بعض الحالات تكون عقوبة الاغتصاب السجن من 6 أشهر إلى مدى الحياة، أو دفع غرامة قدرها 10 آلاف درهم (نحو 2.7 ألف دولار).

ولا يوجد أي بند في القانون الإماراتي يتحدث عن إمكانية إفلات الجاني من العقاب حال تزوج من المجني عليها.

ولا توجد بيانات حديثة حول إحصائيات حالات وقضايا الاغتصاب في الإمارات، لكنها سجلت 86 قضية في العام 2015، وفق البيانات الرسمية.

قطر

تختلف عقوبات جرائم الاغتصاب في القانون القطري حسب حيثيات القضية، فإذا كانت الجريمة ارتكبت ضد أنثى تحت سن الـ16 من عمرها فإن الجاني يحاكم بالسجن 14 عاماً، وإذا كان المجرم وصياً عليها أو أي شخص عهد إليه تعليمها أو رعايتها فيعاقب بالسجن المؤبد.

وفي بعض الحالات تكون عقوبة جريمة الاغتصاب السجن 10 سنوات، ولا يتضمن القانون القطري أي نصوص تعفي المهتم من العقوبة في حال تزوج من ضحيته.

وتعد قطر من أقل الدول العربية التي تسجل فيها حالات اغتصاب، حسب إحصائيات موقع 'World Population Review' في العام 2020، فإنه يسجل في قطر 1.8 حالة اغتصاب سنوياً لكل 100 ألف نسمة، ولكن لا توجد بيانات رسمية تؤكد أو تنفي ذلك.

الكويت

تشدد الكويت العقوبات ضد مرتكب جريمة الاغتصاب، فيعاقب بالإعدام أو السجن المؤبد كل من واقع أنثى رغماً عنها، سواء بالتهديد أم بالإكراه أم بالحيلة.

وإذا كان الجاني من أصول الضحية أو الأوصياء عليها، أو له سلطة عليها وعلى رعايتها، أو كان يعمل خادماً أو سائقاً عندها، تصل العقوبة إلى الإعدام.

وفي حالات أخرى نص القانون الكويتي على أنه يُعاقب بالسجن المؤبد كل من واقع امرأة أو فتاة، دون أن يستخدم العنف أو الحيلة، أو كانت تعاني العته أو الجنون، أو سنها تحت 15 عاماً (أو مريضة عقلياً أو غير مدركة لطبيعة الفعل).

ولكن القانون الكويتي يتضمن بنداً شبيها بالقانون الذي ألغاه ملك البحرين، مؤخراً، حيث تنص المادة 182 من قانون الجزاء على أنه 'يُسمح لولي المرأة المخطوفة تزويجها من خاطفها وتعطيه حق طلب عدم عقاب الخاطف'.

وحسب بيانات موقع 'World Population Review' للعام 2020، فإنه تسجل بالكويت 4.5 حالة اغتصاب سنوياً لكل 100 ألف نسمة، ولا يوجد بيانات رسمية تؤكد أو تنفي ذلك.

سلطنة عمان

لجرائم الاغتصاب في القانون العماني حيثيات متعددة، فيعاقب الشروع في هذه الجريمة بغير رضا بالسجن مدة لا تقل عن 3 سنوات ولا تزيد عن 7 سنوات.

ويعاقب القانون العماني مرتكب جريمة المواقعة بغير رضا مدة لا تقل عن 10 سنوات ولا تزيد عن 15 سنة.

وفي عقوبة مشددة يعاقب القانون العماني مرتكب جريمة المواقعة بغير رضا بالسجن المطلق إذا توفرت حالة من حالات تشديد العقوبة.

ومن أبرز هذه الحالات إذا كان المجني عليه دون سن (15) من عمره، وإذا كان مصاباً بعاهة بدنية أو عقلية تجعله عاجزاً عن المقاومة، أو إذا أدى الفعل إلى مرض تناسلي مزمن بالمجني عليه، أو أدى ذلك الفعل إلى موته.

كما تتضمن هذه الحالات الموجبة لتشديد العقوبة أن يكون الجاني من المتولين تربية المجني عليه أو ملاحظته أو رعايته، أو ممن لهم سلطة عليه، أو كان عاملاً لديه بالأجرة، أو لدى أحد ممن تقدم ذكرهم.

وفي السلطنة تسجل 6.6 حالات اغتصاب سنوياً لكل 100 ألف نسمة حسب إحصائيات موقع 'World Population Review' في العام 2020، ولا توجد أيضاً بيانات رسمية تؤكد أو تنفي ذلك.

الدول العربية

قوانين الاغتصاب في الدول العربية تختلف من بلد إلى آخر، ولكن بعض الدول كانت قوانينها تضم بنوداً تسمح للجاني بالإفلات من العقاب حال تزوج من المجني عليها، وهو ما تضاءل بشكل كبير في السنوات القليلة الماضية.

ذكر تقرير للأمم المتحدة عام 2017 أن من بين البلدان العربية التي تسمح للمغتصب بالزواج من المجني عليها والإفلات من العقاب: العراق والبحرين وليبيا والكويت وفلسطين وتونس والأردن ولبنان.

ولكن ذلك تغير حالياً، فالبحرين أعلنت، في 26 يونيو الجاري، إلغاء هذا القانون، كما اتخذت دول مثل تونس والأردن ولبنان وفلسطين خطوات مشابهة خلال السنوات الماضية.

إلا أن القانون يبقى مطبقاً في بعض الدول حول العالم، ومنها الكويت وليبيا والعراق على المستوى العربي، إضافة للفلبين وطاجيكستان وعدة بلدان في أمريكا اللاتينية على الصعيد العالمي، حسب منظمة 'هيومن رايتس ووتش'.

وحول هذا الموضوع تقول الباحثة الأولى في قسم حقوق المرأة بمنظمة 'هيومن رايتس ووتش'، روثنا بيغم، بمقال نشرته على موقع المنظمة مؤخراً، إن الإصلاحات في هذا القانون جاءت بفعل الحملات المكثفة التي نفذتها المنظمات الحقوقية في هذه الدول.

وأشارت بيغم إلى أن معظم الناس لا يدركون الأصول الاستعمارية لهذه القوانين في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

وأوضحت أن هذه القانونين مستنبطة إلى حد كبير من 'قانون نابليون لعام 1810' أو مستوحاة منه، مما سمح للرجل الذي يختطف فتاة بتجنب الملاحقة القضائية إذا تزوجها، وهو قانون لم تلغه فرنسا إلا عام 1994.

وأضافت الباحثة الحقوقية أن المستعمرات الفرنسية سابقاً، لا سيما في شمال أفريقيا وأجزاء من الشرق الأوسط، أبقت أحكاماً تتعلق بالإعفاء من الملاحقة بسبب الاغتصاب في قوانينها بعد الاستقلال، أو استلهمت أحكاماً من القانون الفرنسي عند صياغة قوانينها الجنائية'.

كما طبقت الدول التي كانت تحت الانتداب البريطاني القانون العثماني الذي يعفي أيضاً من الملاحقة بسبب الاغتصاب لما كانت تحت الحكم البريطاني، وأبقت عليه بعد الاستقلال، حسب الحقوقية بيغم.