حمية الألياف.. علاج للاضطرابات المزاجية

يعد الاكتئاب والاضطرابات المزاجية النفسية من الحالات الشائعة في المجتمع الحديث، وقد صنفتها منظمة الصحة العالمية ضمن المسببات الشائعة للإعاقة. ويعالج الاكتئاب حالياً عبر الجلسات النفسية والعقاقير الدوائية والعلاج السلوكي، ولكن بعض المرضى يخشون بل ويرفضون تناول مضادات الاكتئاب وبخاصة من يعانون من شكل منخفض أو متوسط من الاكتئاب، حيث يفضلون توفير بديل علاجي طبيعي يساهم في تعزيز صحتهم ومناعتهم النفسية. ومن هذا المنطلق تبحث عدة مراكز بحثية عن بديل طبيعي يعتمد على استخدام ميكروبيوم الأمعاء للمساعدة في تخفيف أعراض الاكتئاب أو القلق. وقد توصلت أبحاث Atlantia Clinical Trials Ltd ومعهد APC Microbiome في كلية جامعة كورك إلى توفير دلائل على فائدة ميكروبيوم الأمعاء كعلاج فعال لتحسين الصحة العقلية وتخفيف أعراض الاكتئاب والقلق. ومن الأهداف التي يحاول الخبراء تحقيقها خلال السنوات المقبلة، تطوير «البيولوجيا النفسية» التي تثبت فعالية البروبيوتك في علاج الأنواع المعتدلة من القلق والاكتئاب. فظهور «البيولوجيا النفسية» سيكون له أثر إيجابي مفيد، سيساهم في علاج الأنواع الخفيفة والمتوسطة من الاكتئاب من دون آثار جانبية ضارة.

ما هي الميكروبيوم؟

ما لا يعرفه البعض أنه يعيش على سطح الجسم وفي داخله فصائل متنوعة من الميكروبات، وان اتزان معدل هذه الميكروبات مع بعضها البعض عامل مهم جداً يؤثر بشكل مباشر في عمل وصحة الأعضاء والعمليات الحيوية. وحول هذا الموضوع، يشرح د. يونس سالمين، الحاصل على الدكتوراه في التغذية الإكلينيكية والصحة العامة، قائلاً: «تسمى البيئة الميكروبية التي تعيش في (وعلى) جسم الانسان بـ«الميكروبيوم». ولاتزان الميكروبيوم تأثير كبير على عملية الهضم والوزن وصحة الأعضاء وقوة جهاز المناعة. واختلال الاتزان البكتيري في بيئة معينة سيسبب نمو البكتريا الضارة أو غياب فصائل البكتيريا النافعة مما سيؤدي بدوره إلى ظهور أعراض واضطرابات مختلفة».

الدماغ الثاني

بخصوص ما تشير له الدراسات من تأثير الميكروبيوم على الصحة النفسية، أوضح د. يونس قائلاً: «لكي نفهم العلاقة المهمة التي تجمع الصحة النفسية بميكروبيوم الأمعاء، يجب تسليط الضوء أولاً على بعض الأمور مثل علاقة الدماغ الوثيقة بالجهاز الهضمي. فقد بتنا نعلم أن الجهاز الهضمي يمكن أن يطلق عليه «الدماغ الآخر أو الثاني»، وذلك بسبب كمية الخلايا العصبية المتفرعة والمتصلة به والتي يفوق عددها 500 مليون خلية عصبية، مما يؤكد أهمية الجهاز الهضمي كالدماغ تماماً. فهذه الأعصاب تتناقل الرسائل المختلفة ما بين الجهاز الهضمي والدماغ طوال الوقت. ومن جانب آخر، تعيش كميات كبيرة من البكتيريا في الجهاز الهضمي وتفرز أحماضاً ومواد كيميائية ومواد شبه هرمونية ومواد نشطة تتحكم في الأحاسيس والشهية والمشاعر المختلفة. وتتصل هذه الإفرازات البكتيرية بالخلايا العصبية الواصلة للأعصاب الرئيسية في كافة مناطق الدماغ، مما يبرر إثبات الدراسات أهمية اتزان بيئة الأمعاء البكتيرية الصديقة على المناعة البدنية والنفسية».

بكتيريا تتحكم في الشهية والمشاعر

المشاعر والأحاسيس هي ترجمة لمعدلات المركبات الكيميائية والهرمونية أو شبه الهرمونية الموجودة في الدماغ. لذا، يؤمن كثير من الخبراء بأن الاكتئاب واضطرابات المزاج وفرط التوتر هي نتاج لخلل كيميائي- هرموني- دماغي وأن كل ما يمكن أن يسبب هذا الخلل هو مصدر للمرض النفسي. وبما أن البكتيريا التعايشية تفرز مركبات نشطة وأحماضاً (كحمض البيوتريت والتايرمين) التي تحفز بدورها إفراز هرمون السيروتونين المعروف باسم هرمون السعادة والمشاعر الإيجابي. لذا، فلا شك أن المركبات النشطة التي تفرزها هذه البكتيريا لها تأثير مباشر في الأحاسيس والمشاعر المختلفة، سواء عن طريق اتصالها المباشر بأعصاب الدماغ أو عن طريق إفرازها لمواد كيميائية تجري في الدم لتصل إلى الشبكة العصبية للدماغ. وقد أوضحت عدة دراسات مبدئية أن ادخال تعديلات على تركيبة البكتيريا التعايشية يؤدي إلى تغير السلوكيات والمشاعر، مما يؤكد النظرية التي تشير إلى علاقة الميكروبيوم بالصحة النفسية.

تأثير التغذية في الصحة النفسية

يحتاج الجسم لمكونات أساسية حتى يصنع المركبات الكيميائية والنواقل العصبية، وهو ما يؤكد ضرورة التغذية السليمة للحفاظ على الصحة البدنية والنفسية. وعليه، فمن المهم تناول حمية غنية بالفواكه والخضار والألياف. فقد أكدت الدراسات أن تعديل النمط الغذائي عبر إضافة الفاكهة الكاملة، وزيادة الخضار ومصادر الألياف يساهم في تحسن المزاج والصحة النفسية.

هل يمكنه علاج ألزهايمر وباركنسون مستقبلاً؟

تستمر الأبحاث في استهداف ميكروبيوتا الأمعاء كعلاج للأمراض الذهنية والعقلية مثل أمراض الخرف والزهايمر والباركنسون. ويأمل العلم بأن تتوصل ابحاث ميكروبيوتا الأمعاء مستقبلا الى وضع خطط أو طرق يمكنها تقليل عوامل خطر الإصابة بهذه الأمراض. ومن الطرق التي يعتقد الخبراء أنها قد تساهم في تقليل خطر الاصابة هي دور الميكروبيوتا في خفض مستويات الكوليسترول والجلوكوز وتقوية المناعة، مما سيساعد بدوره في تقليل فرصة الإصابة بأمراض الخرف والتنكس العصبي.

تأثير مضادات الاكتئاب في ميكروبيوتا الأمعاء

تشير التقديرات إلى أن ما بين %70 و%80 من الأدوية الموصوفة بشكل شائع تؤثر سلباً في ميكروبيوتا الأمعاء بطريقة ما. وفي حالة حاجة المريض لتناول مضادات الاكتئاب لتحسين الحالة المزاجية وعلاج الاكتئاب، فغالباً ما يكون لها تأثير سلبي في ميكروبيوتا الأمعاء. لذا، ينصح المصاب بالاكتئاب بالحرص على اتباع حمية صحية غنية بالألياف وأطعمة تحتوي على البروبيوتك. وذلك حتى يقلل ويمنع تأثيرها السلبي في صحته ومشاعره.

3 نصائح للحفاظ على اتزان الميكروبيوتا:

1- الحرص على تناول الأغذية الغنية بالألياف مثل الفواكه والخضار والحبوب الكاملة.

2- تناول مكملات غذائية تحتوي على البروبيوتك (ألياف نباتية تحفز نمو البكتيريا في الأمعاء)، حيث يمكن إضافتها إلى العصير أو الشاي أو بذاتها.

3- تناول الأطعمة الغنية بالخلايا البكتيرية الحية. فتعرض الاغذية الحديثة لعمليات التصنيع مثل العلاج الحراري أو الكيميائي يقتل كل ما تحتويه من بكتريا نافعة. لذا، ينصح بتناول الأغذية الطازجة والمضاف لها البروبيوتك مثل الروب والكفير والكيمجي وغيرها.