اخبار الكويت
موقع كل يوم -جريدة القبس الإلكتروني
نشر بتاريخ: ١٨ أيلول ٢٠٢٥
الانتقال من الابتدائي إلى المتوسط، أو من المتوسط إلى الثانوي، أو حتى من مدرسة إلى أخرى، ليس مجرد تبديل في الكتب أو تغيير في الفصول. إنه انتقال في الهوية، في المكانة، وفي العلاقات. تجربة معقدة يعيشها أبناؤنا بصمت، بينما نختزلها نحن الكبار في جملة بسيطة: «كبروا وانتقلوا».
الحقيقة أن الطالب في هذه اللحظات يواجه صراعًا داخليًا خفيًا: فجأة يجد نفسه أمام معلمين جدد لا يعرفون تاريخه السابق، وأصدقاء آخرين قد لا يمنحونه نفس القبول، ومناهج أكثر صعوبة تحتاج إلى جهد مضاعف. يشعر كأنه خرج من منطقة الأمان التي اعتادها، ليدخل عالمًا غريبًا لا يعرف قوانينه بعد. ولعلنا نسمع كثيرًا عن طلاب كانوا متفوقين في مرحلة معينة، ثم تراجع مستواهم فجأة بعد الانتقال، أو عن مراهق أصبح أكثر عصبية وانعزالًا بعد تغيير مدرسته. هذه ليست مصادفات، بل انعكاسات طبيعية لاضطراب داخلي لم يُلتفت إليه.
المعضلة أن أبناءنا غالبًا لا يعبّرون عن هذه المشاعر بوضوح، بل يُظهرونها في شكل سلوكيات: صمت، تراجع في الدرجات، أو حتى تحدٍّ وصدام مع الأسرة والمعلمين. وهنا تكمن مسؤولية الأهل: أن يقرأوا هذه الإشارات بوعي، بدلًا من الاكتفاء باللوم أو التوبيخ.
الانتقال ليس سهلًا حتى على الكبار، فكيف نطلب من أبنائنا تجاوزه من دون دعم أو تهيئة؟ إننا بحاجة إلى أن نُشعرهم بأن ما يمرون به طبيعي، وأن القلق من الجديد لا يعني ضعفًا. الحوار اليومي، الإصغاء لتفاصيلهم الصغيرة، وتشجيعهم على بناء صداقات جديدة تدريجيًا؛ كلها خطوات تخفف من وطأة الصدمة.
ولا يمكن إغفال دور المدرسة هنا، فالمؤسسات التعليمية التي تُنظّم برامج استقبال للطلاب الجدد وتُوفر لهم بيئة مرحبة، تُسهم بشكل مباشر في تقليل شعور الغربة وتعزيز الانتماء. لكن دور المدرسة وحده لا يكفي إذا لم يكن هناك جسر تواصل حقيقي بين البيت والمؤسسة.
وهنا يظهر الدور الحيوي للمستشارين التربويين، الذين يمتلكون الأدوات لفهم هذه المرحلة الانتقالية، ويساعدون الأسرة والطالب على التعامل معها. فهم يوفّرون جلسات إرشاد فردية أو جماعية، ويُدرّبون الأبناء على مهارات التكيف وبناء العلاقات، ويضعون خططًا عملية للتغلب على القلق والارتباك.
إن نجاح أبنائنا لا يُقاس فقط بدرجاتهم، بل بقدرتهم على مواجهة التغيير بثبات. والانتقال بين المراحل الدراسية هو اختبار مبكر لهذه القدرة. فإذا أحسنا توجيههم، وتقبّلنا صراعاتهم الداخلية، وزوّدناهم بالدعم النفسي والمعنوي، سنجد أنهم خرجوا من هذه التجربة أكثر قوة ونضجًا.
فالتربية ليست مجرد مرافقة في الحاضر، بل إعداد لمستقبل مليء بالتحولات. ومن علّم أبناءه كيف يواجه الانتقال، علّمهم كيف يواجه الحياة.
ندى مهلهل المضف