اخبار الكويت
موقع كل يوم -جريدة القبس الإلكتروني
نشر بتاريخ: ٢ تموز ٢٠٢٥
وليد منصور -
رغم امتلاك صناديق الثروة السيادية والمكاتب العائلية في الشرق الأوسط تريليونات الدولارات، فإن الشركات الناشئة في المنطقة لا تزال تواجه صعوبات كبيرة في الحصول على التمويل اللازم للنمو والتوسع، وفقًا لتقرير نشرته وكالة بلومبيرغ. هذه المفارقة تسلّط الضوء على تحدٍّ جوهري يُهدّد تطور المنظومة الاستثمارية في المنطقة.
وبحسب الوكالة، يكمن الخلل الرئيسي في ضعف التمويل الاستثماري الموجه للمراحل المتقدمة من عمر الشركات، لا سيما في جولات التمويل من الفئة B وما بعدها، مما يعيق انتقال هذه الشركات إلى مرحلة الطرح العام الأولي IPO، رغم الزخم المتزايد في أسواق الاكتتاب خلال السنوات الأخيرة.
وتُظهر بيانات منصة Magnitt أن أقل من %6.5 فقط من الشركات الناشئة، التي حصلت على تمويل في الشرق الأوسط خلال العقد الماضي، تمكنت من الإدراج في البورصات، بينما لا تزال الاكتتابات تتركز في الشركات الحكومية أو المؤسسات الخاصة الكبرى.
فجوة في التمويل
قال فيليب بحوشي، الرئيس التنفيذي لمنصة Magnitt: «رغم وفرة رأس المال في المنطقة، فإن الطلب عليه مرتفع محليًا ودوليًا»، مشيرًا إلى أن استثمارات صناديق الثروة السيادية في القطاع لا تزال محدودة بالمقارنة مع المعايير العالمية.
وضرب التقرير مثالًا بشركة Property Finder، وهي من أبرز المنصات العقارية في المنطقة، حيث اضطرت للجوء إلى التمويل الخارجي في مراحلها المتقدمة، فجمعت 20 مليون دولار من شركة VNV Global السويدية خلال جولة الفئة B، ثم قادت General Atlantic جولة الفئة C، كما شاركت Francisco Partners الأمريكية في تمويل دَين بقيمة 90 مليون دولار.
خسائر تتجاوز التمويل
بدورها، أوضحت نجلاء المدفع، نائبة رئيس مجلس الإدارة والمديرة العامة لصندوق الإمارات للنمو، أن الاعتماد على التمويل الخارجي لا يعني فقط خسارة الفرص الاستثمارية، بل يحمل تبعات أوسع مثل انتقال الملكية الفكرية إلى الخارج، وفقدان الوظائف، وإدراج الشركات في بورصات أجنبية. وأضافت: «إذا أردنا اكتتابات نابعة من الداخل، فعلينا ترسيخ وجود شركات نمو متقدمة داخل المنطقة عبر رؤوس أموال مؤسسية محلية طويلة الأجل».
من جانبه، أكد مايكل لحیاني، المؤسس والمدير التنفيذي لشركة Property Finder، أن غياب التمويل المحلي في المراحل المتأخرة قد يمنع شركات واعدة من الوصول إلى مرحلة الجاهزية للطرح العام.
ورغم بعض النجاحات الاستثنائية لشركات، مثل Tabby وLean Technologies وEyewa، في جذب تمويل خارجي، تبقى هذه الحالات محدودة. وقد ألمحت شركة Tabby إلى نيتها الإدراج مستقبلاً، لكنها تظل من بين قلة قليلة استطاعت عبور هذا الحاجز.
ثقافة تجنّب المخاطر
ترى تالا الجابري، مؤسسة صندوق Wyld VC في السعودية وأحد ممولي Tabby، أن غياب سجل أداء استثماري واضح في المنطقة يعزز ثقافة تجنب المخاطر، مضيفة: «هناك تخوف من أن تُجمّد الأموال في شركات لا تحقق النمو المتوقع، مما يصعّب تحقيق عوائد أو فرص الخروج».
كما أن تراجع اهتمام المستثمرين الدوليين، الذين لعبوا دوراً رئيسياً خلال الطفرات التمويلية في عامي 2021 و2022، ألقى بظلاله على المشهد، حيث بات هؤلاء يركزون على أسواقهم المحلية وسط ضبابية اقتصادية متزايدة عالميا.
إشارات تغيير
رغم هذه التحديات، بدأت تظهر بعض المؤشرات الإيجابية. فصندوق Beco Capital، الذي دعم Property Finder في بداياتها، يعمل على إطلاق صندوق نمو بقيمة 250 مليون دولار. كما أطلق صندوق الإمارات للنمو، برأسمال يبلغ مليار درهم (نحو 272 مليون دولار)، مبادرات لدعم الشركات الصغيرة والمتوسطة في قطاعات الصحة، والصناعة، والأمن الغذائي، والتكنولوجيا.
وفي السعودية، تعمل شركات، مثل الرياض المالية، على توسيع حضورها في النظام البيئي للشركات الناشئة، حيث قادت مؤخرًا جولة تمويل لشركة Ninja المتخصصة في التجارة السريعة، والتي وصلت إلى تقييم «يونيكورن»، وتخطط للطرح العام في عام 2027، بحسب بلومبيرغ.
ويأمل مايكل لحیاني أن تخصص صناديق الثروة السيادية جزءًا أكبر من استثماراتها لدعم صناديق رأس المال المغامر المحلية، بصفتها «شركاء محدودين»، لسد فجوة التمويل في جولات الفئة B.
خطر التشتت والفرص الضائعة
تحذّر شركة Global Ventures من أن الشركات الناشئة ستواصل إهدار الوقت والجهد، في محاولة جمع التمويل من مصادر متفرقة، مما قد يضعف من فرصها في البقاء والنمو.
وفي ظل تحول اهتمام المستثمرين العالميين نحو وادي السيليكون، خصوصاً مع الطفرة الكبيرة في الذكاء الاصطناعي، تبدو الفجوة في التمويل أكثر اتساعًا.
ويختتم ألكسندر لازارو، مؤسس شركة Fluent Ventures، بالقول: «إذا كنت شركة ناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي، وتقع في وادي السيليكون، فإن جمع التمويل أمر سهل. أما إذا كنت خارج هذه الدائرة الجغرافية، فقد أصبح الأمر أصعب بكثير مما كان عليه قبل عامين، هذا هو المزاج السائد في عالم التكنولوجيا اليوم».