اخبار الكويت
موقع كل يوم -جريدة الجريدة الكويتية
نشر بتاريخ: ٢٥ أب ٢٠٢٥
عندما سئل الرئيس الأميركي دونالد ترامب، لدى زيارته مقر الاحتياطي الفدرالي الأميركي، لتفقد أعمال تجديد مباني البنك في العاصمة واشنطن، من إحدى المراسلات الصحافيات، حول ما يمكن أن يفعله، كمطور عقاري لا رئيس للولايات المتحدة، مع مدير مشروع يتجاوز الميزانية، أجاب المطور العقاري ترامب: «سأطرده».
وعندما سئل رئيس الولايات المتحدة من أحد الصحافيين الحاضرين خلال اللقاء، عما يمكن أن يفعله رئيس الاحتياطي الفدرالي جيروم باول حتى يتراجع ترامب عن انتقاداته اللاذعة له، أجاب: «تخفيض نسبة الفائدة».ولأن دونالد ترامب الرئيس هو نفسه دونالد ترامب المطور العقاري، فلا يمكن نزع الإجابتين عن السياق الذي قصده «الرئيس المطور»، والرسالة التي كان يجب أن يفهمها جيروم باول: خفض الفائدة وإلا فسأطردك.
إذن، وفي نفس السياق، يجب ألا نعتبر أن الإشارات الأولية التي أطلقها باول بشأن احتمالية خفض أسعار الفائدة مستقبلاً أو حتى انتباهه إلى وجود مستوى عالٍ من عدم اليقين ومخاطر تزايد التضخم وهبوط سوق العمل، آتية من أروقة ندوة السياسة الاقتصادية التي عقدت في جاكسون هول، بقدر ما هي آتية من أروقة «الفدرالي» التي تفقدها ترامب تحديداً في يوم الجمعة 24 يوليو الماضي.
صحيح أن هناك بعض العوامل الأساسية التي دفعت بتحقيق هدف صناع السياسة الداعين إلى خفض أسعار الفائدة، بعدما فتح جيروم باول الباب يوم الجمعة الماضي أمام خفض محتمل في سبتمبر، أهمها ضعف سوق العمل مع ارتفاع نسبة البطالة إلى 4.2% وانخفاض ملحوظ في عدد الوظائف المضافة، وانخفاض نسبة التضخم إلى 2.7% عند مستوى أقل من التوقعات البالغة 2.8%، وهو ما عكس حالة التفاؤل بشأن استمرار المفاوضات التجارية مع الشركاء الرئيسيين، وعدم رصد أثر كبير للرسوم التي فرضها الرئيس الأميركي على معدلات التضخم.
إلا أن الانقسام الواضح داخل مجلس الاحتياطي الفدرالي يضع الطرح السابق بشأن التدخل السياسي في قرارات السياسة النقدية في سياقه، ويعزز احتماليته، إذ أبدى فريق آخر تشككه في جدوى خفض تكاليف الاقتراض من الأساس، فمع بقاء التضخم فوق هدف «الفدرالي» البالغ 2%، ظل هؤلاء حذرين من خطر أن يؤدي انخفاض الفائدة إلى تفاقم ضغوط الأسعار ورفع توقعات التضخم، وهو ما قد يسهم بحد ذاته في دفع الأسعار والأجور إلى مزيد من الارتفاع، بينما أبدى فريق ثالث دعمه لنهج خفض وحيد لأسعار الفائدة يتبعه توقف مؤقت بهدف مراقبة كيفية استجابة الاقتصاد قبل الإقدام على أي خطوة إضافية.أيضاً، وفيما يخص تأثير الرسوم الجمركية على التضخم، فبعد صدور بيانات الوظائف المخيبة في يوليو، حذر عدد من صنّاع السياسة من أن الوقت قد لا يسعفهم لانتظار وضوح تأثير الرسوم الجمركية على الاقتصاد قبل أن يتعرض سوق العمل لمرحلة ركود.
حتى باول، لم يحدد إطاراً زمنياً في تصريحاته التي لم تحمل ضماناً قاطعاً، إذ وصف سوق العمل بأنه في «توازن غريب» نتيجة تباطؤ ملحوظ في كل من العرض والطلب على العمالة.
كما أوضح أن تأثير الرسوم الجمركية على التضخم لم يُحسم بعد، وحرص على التحذير من استمرار مخاطر التضخم، مبيناً أن آثار الرسوم الجمركية على الأسعار «أصبحت واضحة الآن»، وأن «الضغوط الصعودية على الأسعار نتيجة تلك الرسوم قد تحفز ديناميكية تضخمية أكثر استدامة»، لكنه ألمح إلى أن صناع السياسة قد يحتاجون إلى تعديل أسعار الفائدة قبل اتضاح الصورة الكاملة بشأن هذه المسألة. وبرر، ومن «جاكسون هول»، التغيير «المفاجئ» في السياسة النقدية قائلاً: «إن تغير موازين المخاطر قد يستدعي تعديل موقفنا من السياسة النقدية».
ويخوض ترامب إحدى حروبه التي تعود أن يشنها في كل اتجاه، ضد استقلالية «الفدرالي» منذ أشهر، فبعد أن شن هجوماً على رئيس مجلس الاحتياطي الفدرالي جيروم باول، واصفاً إياه بـ«باول المتأخر جداً»، ومحملاً إياه مسؤولية «إلحاق الضرر بصناعة الإسكان»، لأن «الناس لا يستطيعون الحصول على الرهن العقاري بسببه»، وأضاف أنه «لا يوجد تضخم، وكل المؤشرات تشير إلى خفض كبير في أسعار الفائدة»، شن معركة أخرى ضد عضوة مجلس الاحتياطي الفدرالي، ليزا كوك، التي هدد بعزلها إذا لم تقدم استقالتها. وقال ترامب، للصحافيين خلال زيارة لمتحف في واشنطن مخصص للبيت الأبيض، «سأقيلها إذا لم تستقل». ورفضت ليزا كوك الاستسلام للتهديدات وأكدت أنها «لا تنوي الاستقالة تحت الضغط»، وذلك بعد أن طلب ترامب استقالتها مستنداً إلى مزاعم تتعلق بقروض عقارية تمتلكها في ولاية ميشيغان.
أما باول فيخوض أشهره الأخيرة على رأس مجلس الاحتياطي الفدرالي، إذ تنتهي ولايته في مايو المقبل، وسط تحدٍ دقيق يتمثل في تحقيق توافق بين صنّاع السياسات المنقسمين بشأن المسار المناسب للسياسة النقدية وبين التدخل السياسي في قرار «الاحتياطي الفدرالي»، فهل عدّل باول موقفه من السياسة النقدية بناء على بيانات اقتصادية، أم انتصر ترامب في حربه ضد استقلالية «الفدرالي»؟ وهل وضع باول سمعته ومستقبله على المحك، وراهن على منصبه بمستقبل الاقتصاد الأميركي، أم سيتمكن من تحقيق «توازن غريب» بين ضرورات السياسة النقدية و«انتقادات ترامب اللاذعة» عن طريق خفض وحيد لأسعار الفائدة يتبعه توقف مؤقت بهدف مراقبة كيفية استجابة الاقتصاد قبل الإقدام على أي خطوة إضافية؟ ويبقى السؤال الأهم، هل فقد «الفدرالي» الأميركي استقلاليته، بعدما نجح ترامب في فرض خطوة خفض الفائدة، أم لا يزال منصب رئيس «الفدرالي» راسخاً؟