اخبار الكويت
موقع كل يوم -جريدة القبس الإلكتروني
نشر بتاريخ: ٢٦ أذار ٢٠٢٥
فيصل مطر
مع حلول شهر رمضان المبارك، تتحول الكويت إلى خيمة واسعة للعطاء، حيث تتكاتف جهود الخيرين لتوفير وجبات الإفطار للصائمين من مختلف الجنسيات، في مشهد يعكس قيم التكافل الاجتماعي المتجذرة في المجتمع الكويتي.
آلاف الوجبات تُوزَّع يوميًا، إما في أطباق جماعية أو داخل علب، وتصل إلى المستفيدين قرب المساجد أو في أماكن يتم الاتفاق عليها مسبقًا بالتنسيق مع وزارة الشؤون الاجتماعية، وأحيانًا من خلال الديوانيات الخاصة التي يفتحها المواطنون لهذا الغرض.
قبل موعد الإفطار تتجمع أعداد كبيرة من العمال الوافدين، وهم الفئة الأكثر استفادة من هذه المبادرات، حول موائد الإفطار التي تنتشر في مختلف مناطق البلاد. تتنوع الوجبات بين الأرز واللحم أو الدجاج، مصحوبة بالماء والتمر والفاكهة، وفقًا لاشتراطات وضوابط تفرضها وزارة الشؤون الاجتماعية لضمان جودة الأطعمة المقدمة وسلامتها.
الأجر والثواب
يقول أحد المتبرعين، الذي يتكفل يوميًا قرب منزله بتقديم 400 وجبة: أسأل الله تعالى من ذلك الأجر طبقاً لحديث النبي صلى الله عليه وسلم «مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ، غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْئًا».
ويقول عبدالله وهو مندوب لجمعية خيرية تقيم موائد إفطار: «هذه المبادرات ليست مجرد إطعام وإفطار صائم للفوز بالأجر عند الله تعالى، بل هي أيضاً رسالة إنسانية نشعر من خلالها بقيمة التكافل، فشهر رمضان فرصة لزرع الخير، وهذه الوجبات تذهب إلى أناس بعيدين عن أوطانهم وأسرهم، فنحاول أن نمنحهم ولو جزءًا بسيطًا من الدفء العائلي».
ويؤكد متبرع آخر، يوزع ما بين 200 إلى 250 وجبة يوميًا، أن هذا العمل ينعكس إيجابيًا على المجتمع ككل، وقد «لمستُ مدى تأثير هذه الوجبات على المستفيدين، فهم يعتمدون عليها يوميًا، وكثيرون يعملون بأجور زهيدة، ولا يستطيعون تأمين إفطار صحي متكامل يومياً في رمضان، لذا أشعر بأنني أقوم بواجب ديني وإنساني واجتماعي في آنٍ واحد».
طعام متنوع
في الجانب الآخر عبّر عدد من المستفيدين من ولائم الخير من جنسيات آسيوية وعربية وأفريقية، عن امتنانهم الكبير لهذه المبادرات. وقال أحد العمال الآسيويين: «أعمل في البناء، وهذه الوجبات تعني لي الكثير، لأنها توفر عليّ مصاريف الطعام وتمنحني فرصة للإفطار على وجبات لذيذة ومتكاملة».
بينما يشير عامل من جنسية عربية إلى أن هذه الموائد تعيد إليه أجواء رمضان في بلده قائلا: «كنا ننتظر رمضان بفارغ الصبر، لأننا نعلم أن أهل الخير لن ينسونا ونشعر هنا بأننا بين أهلنا».
ويضيف سائق صهريج ماء من جنسية عربية: هذه الموائد تجعلنا نشعر بروح رمضان الحقيقية، حيث يجتمع الجميع لتناول الإفطار في أجواء مليئة بالمودة، التنظيم رائع، والطعام متنوع ويلبي احتياجات الصائمين ونشكر كل من يساهم في توفير هذه الوجبات.
رقابة «الشؤون»
وتكثّف وزارة الشؤون الاجتماعية جهودها لتنظيم تبرعات وجبات الإفطار، حيث تعقد لقاءات تعريفية مع الجهات الخيرية والمتبرعين من الأفراد قبل رمضان، بهدف توعيتهم بالاشتراطات الصحية والضوابط المعتمدة لضمان تقديم وجبات آمنة ومتوافقة مع المعايير المطلوبة. كما يتم خلال هذه اللقاءات التنسيق حول مواقع التوزيع وآلية منح التصاريح، لضمان وصول الوجبات إلى المستفيدين بطريقة منظمة وسلسة.
ويقول مدير إدارة الجمعيات الخيرية والمبرات عبدالعزيز العجمي إن الوزارة تولي اهتمامًا كبيرًا بمراقبة وتنظيم مشاريع ولائم الإفطار داخل الكويت، حيث تفرض مجموعة من الضوابط التي تضمن سلامة الوجبات وجودتها.
ويضيف العجمي أن الوزارة وضعت العديد من الشروط الخاصة بنوعية الوجبات بأن تتكون الوجبة الفردية من الأرز مع اللحم أو الدجاج، إلى جانب الماء والتمر والفاكهة، مع ضرورة فصل الأصناف الباردة داخل حافظات مبردة للحفاظ على جودتها.
منتجات كويتية
وبحسب العجمي فإن هناك معايير للمواد الغذائية المستخدمة، من ضمنها أن الأولوية تكون للمنتجات الكويتية والخليجية المعتمدة، مع ضمان أن تكون اللحوم والدواجن مذبوحة وفق الشريعة الإسلامية.
ويؤكد العجمي أن الرقابة لا تقتصر على أماكن الإعداد فحسب، بل تشمل أيضًا مواقع التوزيع، إذ يجب على الجهات المنظمة الحصول على تصاريح رسمية تحدد أماكن توزيع الوجبات، مع توفير مستلزمات تجهيز المكان، مثل الطاولات وأكياس القمامة، لضمان تنظيم العملية بشكل لائق يحافظ على النظافة والسلامة العامة. وسنوات بعد سنوات، تظل هذه المبادرات شاهدًا حيًا على أن الخير باقٍ في نفوس أهل الكويت، وأن روح التكافل تتجلى في أجمل صورها عندما تمتد الأيادي لتسد جوع الصائمين وتبعث في قلوبهم الطمأنينة والفرح مع كل أذان مغرب.
تكلفة وجبات الإفطار
تتراوح تكلفة الوجبة الفردية داخل الكويت من دينار إلى دينار ونصف الدينار، حسب مكوناتها.
أما ولائم الإفطار الجماعية، التي يتم التبرع بها عبر الجمعيات أو الأفراد، فتتراوح تكلفتها بين 750 فلسًا إلى دينار ونصف الدينار للفرد الواحد.
وتختلف أسعار ولائم الإفطار التي يتم التبرع بها في خارج الكويت وفقًا للدولة المستهدفة، لكنها تبدأ من 750 فلسًا إلى دينار ونصف الدينار للوجبة الواحدة، حسب تكلفة المكونات وظروف التوزيع.
وجبة من القلب
في بادرة تعكس روح الكرم، يحرص أحد فاعلي الخير المتبرعين على تقديم وجبة السمك مع الأرز بين الحين والآخر، رغم تكلفتها العالية، قائلاً: «لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون».