اخبار الكويت
موقع كل يوم -جريدة القبس الإلكتروني
نشر بتاريخ: ١٩ تشرين الثاني ٢٠٢٥
لا شك أن الحماية القانونية للحريات لا تتحقق بمجرد إصدار القوانين، وإنما لا بد من التعرف على مبادئها وتطبيقها، وهو ما لا يتحقق إلا بسلطة تكون أحكامُها واجبة الاحترام من الجميع حكامًا ومحكومين، وهي السلطة القضائية، فالقضاء هو الحارس الأمين للشرعية والضامن للمشروعية، والحامي للحريات، فالقاضي لا يخضع في استخلاص حكم القانون وتطبيقه لغير ضميره واقتناعه، ولهذا فإن القاضي لا يرتفع قدره برفعة وظيفته ولا تكتمل عدالته إلا إذا تمثلت في نفسه فضائلها.
والقاضي والأديب بينهما أوجه شبه عديدة تتمثل في الإحساس بمشاعر الناس، فالقاضي بداخله أديب بارع، لو ترك القلم على سجيته لكتب عشرات القصص والروايات الحافلة بالمشاعر والأحاسيس، فهو المتأمل الأكبر في حياة الناس، والمستمع دائما إلى شكاواهم، وهو في هذا يتساوى مع الأديب الذي يحترف الكتابة، فكلنا نعرف أن الأدب هو أحد أشكال التعبير الإنساني عن عواطف الإنسان وأفكاره وخواطره وهواجسه بأرقى الأساليب الكتابية التي تتنوع من النثر إلى الشعر، لتفتح للإنسان أبواب القدرة للتعبير عما لا يمكن أن يعبر عنه بأسلوب آخر.
ويرتبط الأدب ارتباطًا وثيقًا باللغة، فالنتاج الحقيقي للغة المدونة والثقافة المدونة يكون محفوظًا ضمن أشكال الأدب وتجلياته التي تتنوع باختلاف المناطق، وتشهد دومًا تنوعاً وتطوراً مع مر العصور والأزمنة، وهناك العديد من الأقوال التي تناولت الأدب، فقد قيل «إن أدب أي أمة هو الصورة الصادقة التي تنعكس عليها أفكارها»، وهناك من جمع بالفعل بين المهنتين فصار القاضي الأديب، وتاريخ الأدب يعرف كثيرًا من الأعمال الخالدة أنتجها قضاة كبار، كما أن أدباء مرموقين عملوا لفترة في السلك القضائي، منهم توفيق الحكيم ويحيى حقي ومحمد التابعي، واذا كان البعض يرى أنه غالبا ما تكون اللغة القانونية لغة جامدة محافظة، ولكن ذلك يجب ألا يمنع الإفادة من الوقائع المنظورة وما يرافقها من أحداث ومعانٍ لصياغة لغة قانونية مؤثرة وجذابة للمتلقي حتى تكون مقنعة، لأن هدف القاضي من اصدار احكامه - إضافة إلى تحقيق العدالة - هو إقناع المتلقي بصحة ومنطقية ما انتهى إليه حكمه.
والواقع أن البلاغة والجمل الرشيقة في مثل هذا الخطاب القانوني بشكل عام تستهدف العاطفة والوجدان في ذات المتلقي وإحداث تأثير حسي لدى القارئ بصحة الحكم الذي أصدرته المحكمة أو صحة ومنطقية الدفع الذي قدمه المحامي، حتى إننا نجد أن الكثير من أحكام القضاء ومذكرات المحامين تكتب بطريقة بلاغية أدبية جميلة من أجل أن تزيد قدرتها الإقناعية، لا سيما أنه لا يطلع عليها فقط أطراف الدعوى وذوو الاختصاص وإنما يطلع عليها أيضاً عامة الناس ممن يهمهم تحقيق العدالة والوصول إلى الحقيقة.
ولهذا فإن لغة الإقناع تتجسد في تسبيب الحكم، فإذا كان تسبيب الحكم يحرص على بيان الواقعة وظروفها والأدلة المتحصلة فيها وما تستند إليه المحكمة في إصدار قرارها، فإن إيراد هذه الأسباب يعد وسيلة من وسائل الإقناع التي تتوجه بها المحكمة إلى المحكمة الأعلى وإلى أطراف الدعوى لإقناعهم بأن الحكم يستند إلى أسباب منطقية وقانونية.
واذا كانت اللغة القانونية تبدو لغة جامدة محافظة، إلا أن ذلك يجب ألا يمنع الإفادة من الوقائع المنظورة وما يرافقها من أحداث ومعانٍ لصياغة لغة قانونية تكون مؤثرة وجذابة للمتلقي حتى تكون مقنعة، لان هدف القاضي من كتابة قراراته - اضافة الى تحقيق العدالة - هو إقناع المتلقي بصحة ومنطقية ما انتهت اليه المحكمة من حكم. وهدف المحامي من تقديم أوجه الدفاع والدفوع هو إقناع المحكمة والحضور ببراءة المتهم الذي يدافع عنه.
وهذا الخطاب القانوني يستهدف العاطفة والوجدان في ذات المتلقي لإحداث تأثير حسي لديه يقنعه بصحة الحكم الذي أصدرته المحكمة او صحة ومنطقية الدفع الذي قدمه المحامي، حتى اننا نجد ان الكثير من القرارات القضائية ومرافعات المحامين تكتب بطريقة بلاغية أدبية جميلة من اجل ان تزيد قدرتها في الاقناع لاسيما وانها لا تكتب فقط لأطراف الدعوى وذوي الاختصاص وإنما تكتب أيضاً لعامة الناس ممن يهمهم تحقيق العدالة والوصول الى الحقيقة في الأحكام القضائية.
وتظهر لغة الإقناع في تسبيب الحكم، فإذا كان تسبيب الحكم يعني بيان الواقعة وظروفها والأدلة المتحصلة فيها وما تستند اليه المحكمة في إصدار قرارها، فان إيراد هذه الأسباب هو وسيلة من وسائل الاقناع التي تتوجه بها المحكمة الى المحكمة الأعلى وأطراف الدعوى لإقناعهم بان الحكم يستند الى اسباب منطقية وقانونية، كذلك تتجسد لغة الاقناع في الاستدلال القانوني للمحكمة، والاستدلال القانوني يعني فهم المحكمة للواقعة المنظورة وأدلتها فهما صحيحا، ومن ثم بناء الحكم بالاستناد الى هذه الأدلة والوقائع ولا ادل على ذلك مما يرد في قرارات الإدانة او الإفراج التي تصدر من محاكم الجزاء، حيث تكتب القرارات بطريقة تستعرض من خلالها المحكمة الواقعة التي تشكل الجرم، وظروف ارتكابها وما ورد من اقوال على لسان الشاكين والشهود والمتهمين ومن ثم تخلص الى بيان ان كانت الأدلة المتوافرة تكفي لتوليد القناعة على سبيل الجزم واليقين بأن المتهم ارتكب الجريمة المسندة إليه فتتجه لإدانته أو انه لم يرتكبها فيتم الافراج عنه، وكلما كان تسبيب الحكم والاستدلالات التي اتبعتها المحكمة صحيحة، كان القرار مقنعا ومقبولا، والواقع أنه للقضاء باع طويل في تقديم اروع صور البلاغة الاقناعية عند صياغة القرارات القضائية.
ومثل هذه التعابير والصياغات البلاغية والأدبية تمثل سبيلا ولغة للإقناع عند كتابة اللوائح القانونية او الأحكام القضائية ووسيلة لكسر قيود الرتابة والجمود اللذين يعتريان لغة القانون ومن ثم الانطلاق في فضاءات البلاغة والأدب بطريقة تجعل هذه الأحكام مشوقة للقراء والباحثين يسعون لقراءتها والإفادة من مبادئها كلما أمكنهم ذلك..!
عادل بطرس


































