اخبار الكويت
موقع كل يوم -جريدة القبس الإلكتروني
نشر بتاريخ: ١٠ كانون الأول ٢٠٢٥
كيف نصنع الموهبة في زمن تتسارع فيه التقنية وتتقدّم فيه العلوم بشكل غير مسبوق؟! وهل يكفي أن نكتشفها؟ أم علينا أن نثريها بالتجارب الحياتية والمهارية المختلفة؟ هذه الأسئلة كانت حاضرة في تفكيرنا وخلال مشاركتنا في مؤتمر «من الإثراء نصنع المستقبل» الذي نظّمه مركز صباح الأحمد للموهبة والإبداع، التابع لمؤسسة الكويت للتقدّم العلمي. لا شك أن شهادتنا مجروحة، لكن قد يبدو المؤتمر للعديد ومن خلال عناوين الأخبار، مجرّد فعالية أخرى ببرنامج عمل، وكلمات رئيسيّة، تتبعها مجموعة من الصور التذكارية. لكن الحقيقة أعمق، وبكثير، فما تمّ استعراضه يحكي واقع منظومة تُبنى بصمت منذ مدة، شغلُها الشاغل تمكين الإثراء العلمي وتحويله من مجرّد شعار إلى واقع يغيّر حياة الناس.
استمعنا لنخبة مميّزة من شباب الكويت، من الطلاب والمعلمين، وهم يروون لحظات تعب ونجاح، ورأينا كيف غيّرت البرامج مسارهم التعليمي والمهني، دون مجاملة. تحدّث المشاركون عن تجاربهم في الأولمبياد الدولية لمادتي الكيمياء والفيزياء، وعن برامج الإثراء العالمي التي وفّرت لهم فرص تدريب في جامعات مرموقة، وعن شراكات فتحت لهم أبواباً لم يتخيلوها قبل سنوات. وفي مداخلة لمدرّب أولمبياد الفيزياء، بصوت مبحوح بعد قضائه سبع ساعات في تدريب كوكبة من الطلاب، أشار إلى أنّ هؤلاء الشباب، وعلى الرغم من طول المدة، لم يكتفوا في استراحة الغداء بتناول وجبتهم، بل التفّوا حوله كفريق واحد، يتعاونون ويتناقشون ويسألونه عن المسائل والاختبارات وأفضل الحلول لها وكيف يستعدّون لها. هذه الصورة الصغيرة تختصر كثيراً من الكلام عن شغف حقيقي لا يُصنَع بتعليم تقليدي، بل بإثراء حقيقي. كم من طالب دخل مختبراً لأول مرة، وكم معلم اكتشف موهبة كانت تنتظر فرصة، وكم أسرة رأت في أبنائها مشروعاً علمياً لا مجرّد طالبٍ متفوّق.
لكن التحدي الحقيقي يبدأ الآن: كيف نطوّر هذه الجهود لتكون مستدامة وبطريقة مؤسسية، لا فعالية موسمية؟ كيف نضمن أن يصبح الإثراء العلمي التزاماً مستمراً، لا خياراً ثانوياً؟ إن تطوير البرامج العلمية، وتدريب المعلمين، وتوسيع قاعدة المستفيدين، وربط المدرسة بالجامعة وسوق العمل كلها، مجتمعة، لم تعد رفاهية، بل جزءاً من نجاحنا المعرفي وتقدّمنا الاستراتيجي. إذا أردنا للكويت أن تدخل سباق الابتكار بجدية، فعلينا أن نتعامل مع هذه البرامج كاستثمار استراتيجي، لا كهوامش جميلة على دفتر العام الدراسي.
ولا يفوتنا أن نشكر كل من آمن وساهم وسعى في إثراء مستقبل شبابنا وسلّحهم بالعلم والمهارات وقادهم لاستكشاف مواهبهم العلمية.
من الإثراء نصنع الموهبة.. والمستقبل، ليست بجملة شاعرية، بل معادلة استراتيجية واقتصادية وتعليمية في آن واحد.
د. ضاري عادل الحويل


































