دبلوماسيون وزوجات سفراء لـ القبس: حساباتنا في وسائل التواصل.. «أرشيف» لمشاعرنا

مي السكري -

لا تنفك الرؤى النقدية تذكر ما لوسائل التواصل الاجتماعي من فائدة عظمى على صعد متعددة ومتنوعة، فهي «الواحة» التي يستريح فيها المتعبون من رهق الحياة العصرية، وهي النافذة التي يطل منها المثقفون على المحتوى الثري الذي يشبع نهمهم، وهي الذاكرة التأريخية التي يلجأ إليها الراغبون في توثيق الأحداث، وهي المسجل للحظات العفوية التي يمر بها الكثيرون قبل أن تضيع في زحام الحياة، وذلك كله رغم ما فيها من مثالب أقلها سرقة الأوقات.

وفي ظل التنوع الكبير الذي تشهده منصات التواصل، أصبح لكل شخص وجهته المفضلة التي يجد فيها ما يناسب اهتماماته وطبيعة تواصله مع الآخرين، فالبعض ينجذب إلى منصة إكس لمتابعة الأخبار والآراء السريعة، وآخرون يفضلون إنستغرام لما يقدمه من محتوى بصري جذاب يعكس لحظات الحياة اليومية، بينما يختار آخرون فيسبوك كمساحة للتواصل مع الأصدقاء والعائلة ومتابعة المستجدات.

القبس طرقت باب دبلوماسيين، واستحثت زوجات سفراء لمعرفة المنصة الأكثر استحواذا على اهتماماتهن، والسبب الذي جعل منها جزءًا من نظامهن اليومي، فجاءت آراؤهن متباينة، كاشفة عن تنوع الأهداف بتنوع الثقافات، وهو ما يتضح مما يلي:

حرم السفير الفلسطيني: «إنستغرام» منبري لتوثيق هوية بلادي

وجدت حرم سفير دولة فلسطين في الكويت نائبة رئيسة مجموعة المرأة الدولية ريما الخالدي في المنصات الرقمية نافذة مفتوحة للعالم، تحمل من خلالها قصة وطنٍ وصوت ثقافة لا تموت، واختارت ان تجعل حضورها على وسائل التواصل منبرا دبلوماسيا وثقافيا يعكس هوية فلسطين وتاريخها العريق.

تؤمن الخالدي، بحسب حديثها لـ القبس بأن وسائل التواصل سلاح ذو حدين، فإيجابياتها وسلبياتها تعتمد على طريقة استخدام الأشخاص لها، مشيرة إلى أنها بدأت تجربتها مع فيسبوك كوسيلة للتواصل مع الأهل والأصدقاء، ثم تحوّلت خلال فترة الحجر الصحي بسبب جائحة كورونا إلى انستغرام، لتبدأ رحلة جديدة من نشر الثقافة الفلسطينية وتسليط الضوء على المطبخ الفلسطيني وتاريخه الثري.

وتوضح أن هذا الاهتمام جاء نتيجة ملاحظتها أن الكثيرين حول العالم يجهلون المطبخ الفلسطيني، رغم غناه وتنوعه، كما أن عدداً من وصفاته تمت سرقتها من قبل الاحتلال الصهيوني ونُسبت إليه، ما دفعها إلى الكتابة باللغة الإنكليزية لتصل رسالتها إلى جمهور عالمي، خصوصاً أن متابعيها من السفراء والسفيرات وزوجات السفراء المقيمين في الكويت ومن مختلف الدول.

ذاكرة تاريخية

ولا يقتصر نشاط الخالدي على المطبخ الفلسطيني، بل يمتد إلى نشر معلومات عن الأماكن الأثرية والمتاحف في فلسطين، ومشاركة صور قديمة لعائلتها التقطت قبل النكبة، في محاولة للحفاظ على الذاكرة الفلسطينية وتعريف العالم بتاريخها الأصيل.

كما تستخدم حساباتها على فيسبوك وإنستغرام في دعم فعاليات السفارة الفلسطينية، من عروض الأفلام وتنظيم معارض للأعمال اليدوية الفلسطينية وغيرها من الأنشطة التي تهدف إلى نشر الوعي حول فلسطين وقضيتها. وتشير إلى حرصها على مشاركة المتابعين بالفعاليات التي تشارك فيها من خلال مجموعة المرأة الدولية، التي تشغل فيها منصب نائبة الرئيسة.

أما عن المؤثرين الذين تتابعهم، فتقول إنهم صحافيون أجانب وفلسطينيون في الشتات يوظفون التاريخ والسياسة في دحض الرواية الصهيونية، إلى جانب متابعتها صنّاع محتوى المطبخ الفلسطيني، وعلى رأسهم جودي القلا، صاحبة أول كتاب للوصفات الفلسطينية بعنوان «Palestine on a Plate» الذي يعد أول كتاب يحمل اسم فلسطين باللغة الإنكليزية.

وتتابع الخالدي كذلك شخصيات عالمية مؤثرة مثل فرنشيسكا ألبانيز المحامية والأكاديمية الإيطالية الدولية، والناشطة السويدية جريتا تونبرغ، والصحافي البريطاني أوين جونز، والناشط الكويتي د.محمد الكندري... وغيرهم.

زوجة السفير اليوناني: ساعتان يومياً لمتابعة ثقافات الناس

لم تختلف وجهة نظر زوجة السفير اليوناني لدى البلاد ثيانو بلاتوس عن غيرها، حيث تعتبر وسائل التواصل الاجتماعي أكثر من مجرد وسيلة ترفيه، فهي جسر للتواصل الثقافي والدبلوماسي، يقرّب بين الشعوب، ويعكس صورة بلدانها بروح عصرية.

وفي حديثها لـ القبس تقول بلاتوس: «إنستغرام هو منصتي المفضلة، أتابع من خلاله محتوى متنوعًا من أشخاص حول العالم لا أعرفهم، لكنه يمنحني لمحة عن الثقافات المختلفة وحياة الناس اليومية».

وتبين بلاتوس أنها تقضي نحو ساعتين يوميًا بين تصفّح فيسبوك وإنستغرام، حيث تميل إلى متابعة أخبار الأصدقاء وأنشطة السفارة عبر فيسبوك، بينما يمنحها إنستغرام فرصة لاكتشاف الجديد في العالم. وتشير إلى أن السفارة اليونانية في الكويت تعتمد فيسبوك منصة رسمية لنشر فعالياتها وتعريف الزملاء في اليونان بعملها الدبلوماسي.

صور عائلية

وعن حسابها الشخصي، تشير إلى أنه مزيج من الصور العائلية، والذكريات الصيفية في اليونان، إلى جانب اقتباسات تلهمها من شخصيات ثقافية وسياسية. وتحرص دائمًا على نشر منشوراتها بثلاث لغات: اليونانية، والإنكليزية والفرنسية، حسب طبيعة الموضوع.

ورغم حضورها المستمر على المنصات، لا تتبع نظاما او جدولا محددًا للنشر، بل تترك الأمر للمناسبات السياسية والثقافية التي تبرز في عالم الدبلوماسية.

وتشير بلاتوس إلى أنها تتابع الرئيس الفنلندي ألكسندر ستوب الذي ترى في منشوراته توازنًا وعمقًا في الطرح، وفي وقت فراغها القليل، تستمتع بمشاهدة مقاطع «ريلز»، لكنها تتوقف باهتمام عند أي منشور يحمل فكرة مميزة أو لمسة إنسانية.

وتختتم زوجة السفير حديثها برسالة تعبّر عن روحها الدبلوماسية «في زمن التواصل السريع، أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي ليست فقط وسيلة ترفيه، بل جسر بين الثقافات وأداة دبلوماسية عصرية تجمع القلوب قبل العقول».

ملحق الدفاع البريطاني: «قهوة بوناشي».. منشوري الأكثر تفاعلاً

تحدث ملحق الدفاع البريطاني لدى البلاد العقيد ركن بحري نيل ماريوت عن تجربته الشخصية مع المنصات الرقمية وكيف أصبحت جزءًا من حياته اليومية والدبلوماسية.

وقال ماريوت لـ القبس إنه أصبح في الفترة الأخيرة يستمتع باستخدام «إنستغرام»، نظرًا لانتشاره الكبير في الكويت، ما يمنحه فرصة فريدة للتواصل مع أصدقائه الكويتيين والتعرف أكثر على ثقافة المجتمع الغنية، رغم أنه يحب منصة «فيسبوك» التي تربطه بعائلته وأصدقائه في المملكة المتحدة ومختلف أنحاء العالم، حتى أنه يشعر وكأنه منزله الرقمي الدافئ.

وفي شأن دور منصات التواصل الاجتماعي في العمل الدبلوماسي، أكد ماريوت أنها أصبحت أداة دبلوماسية حديثة تربط الشعوب وتتيح تبادل الأفكار والرؤى والقيم الإنسانية، وتسليط الضوء على علاقات الصداقة الوثيقة بين الكويت والمملكة المتحدة، مضيفاً: «إنها جسر يربط العقول والقلوب قبل أن تتصافح الأيدي».

تقاليد مشتركة

وعن تجربته في استخدام هذه المنصات لنقل صورة إيجابية عن بلده، ذكر ماريوت أنه استخدمها لإبراز أوجه التشابه بين الكويت والمملكة المتحدة، مثل التقاليد العريقة كمدفع الإفطار في رمضان في قصر نايف، والتشابه المدهش مع قلعة إدنبرة، ووصف التجربة بأنها «ثرية وملهمة» تُبرز عمق الروابط بين التاريخين والقيم المشتركة.

ويشير إلى طبيعة الصور التي يفضل مشاركتها، فهو ينجذب أكثر إلى اللقطات العفوية التي تكشف الجهود والعمل الجماعي خلف النجاح، معتبرًا أن: «الصور الرسمية تظهر الحدث، أما اللقطات العفوية خلف الكواليس فتحكي القصة»، كما أنه يفضل متابعة المحتوى الثقافي والإخباري، خصوصًا ما يعكس الإبداع والتقاليد والقيم المشتركة بين الشعوب.

واستذكر أكثر منشور بثه على حسابه وحقق تفاعلاً غير متوقع، خلال زيارته إلى قهوة بوناشي في عيد الفطر، التي نالت إعجاب المتابعين لما عكسته من تجربة كويتية أصيلة مليئة بعبق التاريخ والضيافة، معلقا على ذلك بالقول: «إن دفء وصدق اللحظة هو ما جعلها تلامس قلوب الجمهور».

وفي كلمة واحدة، وصف العقيد ماريوت تجربته مع السوشال ميديا بأنها «الترابط».