اخبار الكويت
موقع كل يوم -جريدة القبس الإلكتروني
نشر بتاريخ: ٧ تشرين الثاني ٢٠٢٥
في مكاتب هادئة تتوارى خلف واجهات زجاجية، جلس جيمس إي. هيوز جونيور يتأمل عقوداً من العمل مع بعض أكثر العائلات ثراءً في العالم.
خمسون عاماً قضاها بين قصور تملؤها الموروثات واللوحات القديمة، وبين اجتماعات مغلقة، تشهد على أفول ثروات، كانت يوماً تُعد رموزاً للنجاح والخلود.
ومع مرور السنين، توصّل هيوز إلى قناعة واحدة لا تتزحزح: «الثروة لا تُفقد بسبب سوء الاستثمار، بل بسبب ضعف البنية العائلية».
يقول هيوز، الذي يُنظر إليه، باعتباره الأب الروحي لإدارة الثروات العائلية، ومؤلف كتاب «الثروة العائلية: كيف تبقيها داخل العائلة»: «لطالما رفضت كلمة ثروة بمعناها المالي الضيق، ثم اكتشفت أن أصلها يرتبط بمفهوم الرفاهية، وعندها أدركت أن الثروة الحقيقية هي الرفاهية الإنسانية ذاتها».
كانت تلك اللحظة، كما يصفها التقرير المنشور على «بزنس إنسايدر»، نقطة التحول التي غيّرت فكر صناعة بأكملها. فمنذ ذلك الحين، لم يعد الحديث عن إدارة الثروة يدور حول محافظ الأسهم وصناديق الاستثمار، بل عن الإنسان والعلاقات والغاية والمعرفة.
5 رؤوس أموال
في عالم تتبدد فيه معظم الثروات بحلول الجيل الثالث - فيما يُعرف بمقولة «من القمصان إلى القمصان» - يرى هيوز أن التركيز على المال وحده يُقصّر عمر الثروة. الثروة، كما يقول، كائن حي يحتاج إلى توازن كي يعيش.
ويشرح فكرته عبر خمسة أنواع من رأس المال، لا يمكن لأي عائلة أن تصمد دونها:
1 - رأس المال الإرثي: وهو الغاية التي توحّد العائلة وتمنحها سبباً للبقاء.
2 - رأس المال الاجتماعي: قدرة أفرادها على اتخاذ القرارات المشتركة وحل النزاعات.
3 - رأس المال الفكري: ما تتعلمه العائلة وتنقله من معرفة ومهارات وقيم.
4 - رأس المال البشري: أي رفاهية كل فرد ونموه الشخصي.
5 ـ رأس المال المالي: الذي يجب ألا يكون سيد اللعبة، بل وسيلتها لدعم الأنواع الأربعة السابقة.
يقول هيوز في التقرير: «السبب في وجود العائلة هو تحسين حياة أفرادها، وعندما يزدهر كل فرد، يعمل النظام بأكمله بتناغم».
حين يفشل الجيل الثاني
ورغم أن الجيل الأول هو من يصنع الثروة، فإن الجيل الثاني، كما يقول هيوز، هو من يقرر مصيرها: «الجيل الأول يخلق الثروة، والجيل الثاني يصنع الإرث. والسؤال الكبير هو: هل يمكنهم بناء عائلة حقيقية؟ وهل يمكنهم إدامة الحلم؟».
في نظره، الكارثة تبدأ عندما يكتفي الأبناء بالوراثة دون رؤية، وعندما يغيب الشعور بالانتماء، الذي يجعلهم جزءًا من قصة العائلة، لا مجرد ورثة حساب مصرفي.
حكماء العائلة... الرابط المنسي
في عالم تتسارع فيه الإيقاعات، وتتبدل فيه القيم، يرى هيوز أن أحد أسرار استدامة الثروة اختفى بهدوء: دور الكبار في العائلة.
«للأسف، فقدنا في العصر الحديث الصلة بدور الشيوخ ومدى أهميتهم لازدهار المجتمع والعائلة»، يقول هيوز.
كان أولئك الكبار يروون القصص، ويحكون تاريخ العائلة، ويصلحون ما تكسره الخلافات، كانوا الغراء الخفي الذي يربط الأجيال بعضها ببعض. وعندما يغيبون، يتفكك البناء تدريجيًا، حتى لو ظل المال وفيرًا.
من المال إلى المعنى
بعد أكثر من نصف قرن من الجلوس على طاولات عائلات تتحكّم بمليارات الدولارات، وصل هيوز إلى خلاصة نادرة: الشجاعة هي أثمن أشكال رأس المال العائلي: «العائلة تحتاج إلى الشجاعة لتتخيل نفسها بعد مئة أو مئة وخمسين عاماً من الآن».
فالعائلات التي تملك الجرأة على التخطيط للمستقبل البعيد - لا للأرباح المقبلة - هي التي تنتقل من مجرد صانعي ثروات إلى صانعي إرث.
يختم هيوز حديثه، كما نقلت «بزنس إنسايدر»: «العائلات تفهم الجانب الكمي للمال، لكنها اليوم بدأت تطرح الأسئلة النوعية - عن الغاية، عن الازدهار الإنساني، عن معنى أن تكون عائلة مزدهرة. وهذه، في النهاية، هي الأسئلة الأهم».


































