اخبار الكويت
موقع كل يوم -جريدة القبس الإلكتروني
نشر بتاريخ: ١٨ تشرين الثاني ٢٠٢٥
حصة المطيري -
قال الخبير الاقتصادي، نجيب الصالح، إن القوة الاقتصادية للكويت تمتد إلى نحو 80 عاماً، لكنه أكد أن القيم قبل هذه المرحلة كانت مختلفة، إذ كانت المبادرات الفردية هي المحرك الأساسي للنشاط الاقتصادي، قبل أن نخسر الكثير منها مع وفرة الثروة.
وأوضح في حوار لبرنامج القبس الاقتصادي، الذي تقدمه الزميلة حوراء غالب، أن الفوائض المالية، إلى جانب قلة عدد السكان، والرغبة في التوسع السريع، خلقت نمواً كبيراً، لكنها جعلت الكويتيين «أقلية مدللة» داخل بلدهم.
وأشار الصالح إلى أن القطاع الخاص، الذي كان يمول الدولة قبل عصر النفط، فقد دوره تدريجياً، حتى بات لا يشغل سوى نحو %4 من المواطنين، بسبب منظومة عمل دفعت الجميع باتجاه الوظائف الحكومية.
وأفاد أن توظيف %90 من المواطنين في الحكومة، مقابل %10 فقط يحصلون على دعم العمالة، خلق شعوراً بالأمان الوظيفي المضمون «من الجامعة إلى الوظيفة»، من دون حاجة فعلية للبحث عن فرص في القطاع الخاص، مؤكداً أن هذه المعادلة أثرت في قدرات المواطن، وقلّصت اهتمامه بالتعليم وتطوير مهاراته، بعدما تلاشت الحاجة الفعلية لبناء كفاءة تنافسية في سوق العمل.
الراتب الوطني
طرح الصالح فكرة الراتب الوطني، وقال جاءت الفكرة من واقعٍ مالي لم يعد قابلاً للاستمرار، فميزانية الدعوم، التي تبلغ 5 مليارات دينار سنوياً، تشمل الكهرباء والماء والبنزين وغيرها، تحولت إلى مستوى من الإسراف غير المعقول.
وأكد الصالح أنه ليس المطلوب إلغاء هذه الدعوم مباشرة، لأن الناس اعتادوا عليها، ولأن أي إلغاء صريح سيواجه بالرفض، لكن عند احتساب نصيب كل مواطن من هذه الدعوم بنحو 200 دينار شهرياً، يصبح من المنطقي التفكير في استبدال مبلغ نقدي مباشر بها، بحيث يحصل المواطن على قيمتها، بينما تُسعر الخدمات بسعرها الحقيقي. وبهذا الشكل، تتحقق وفورات، لأن المال يصبح في يد المواطن، ومعه إحساس أكبر بالمسؤولية.
وأوضح أن الفكرة تقوم على أن الدولة أصلاً تصرف على المواطن عبر الدعوم، فلماذا لا تُمنح له بشكل راتب وطني مخصص للدعوم؟ خطوة من شأنها أن تغيّر سلوك الاستهلاك، وتدفع المواطنين وغيرهم إلى ترشيد استخدام الكهرباء والماء والوقود، باعتبار أن كلفة الهدر ستعود عليهم مباشرة، مبيناً أن هذا النهج يمثل بداية العلاج الحقيقي، لأنه يعيد ترتيب العلاقة بين الدعم والاستهلاك، ويرسخ ثقافة اقتصادية أكثر وعياً واستدامة.
البطالة المقنعة
وفي ما يتعلق بملف البطالة المقنعة، أوضح نجيب الصالح أن المشكلة الحقيقية ليست في الأعداد، بل في النتائج، التي ترتبت على توظيف الجميع دون حاجة حقيقية، فالأصل أن تكون الإنتاجية صحيحة، ومستوى الأداء عالياً، والمعاملات تُنجز بسرعة، لكن حين تحتاج الدولة إلى 150 ألف موظف، وتُعيّن 400 ألف، فلابد أن تتراجع الكفاءة ويتآكل الأداء، نتيجة ضعف التعليم وانعدام روح الإنتاجية.
ويرى الصالح أن أي خطة إصلاح اقتصادي لن تنجح ما لم يتم الفصل بوضوح بين فئتين: الأولى هي الكادر الحكومي المنتج، الذي تحتاجه الدولة فعلياً، والثانية هي البطالة المقنعة، التي تستنزف المال العام دون عائد حقيقي، مؤكداً أن عدم الفصل بينهما هو العقبة الأساسية أمام كل مشاريع الإصلاح.
ولحل المشكلة، يشدد الصالح على ضرورة خلق حاجة حقيقية للبطالة المقنعة خارج الجهاز الحكومي، لا أن يبقوا موظفين بلا مهام، ثم يُطلب منهم لاحقاً الانتقال إلى القطاع الخاص.
ويستدل على ذلك بفشل نظام دعم العمالة، الذي كان هدفه تشجيع المواطنين على العمل في القطاع الخاص، لكنه أدى إلى نتيجة عكسية، إذ زاد الإقبال على الوظائف الحكومية بدلاً من تقليصها.
القطاع الخاص
يقول الصالح إن ما نطلق عليه اليوم «القطاع الخاص» في الكويت، ليس قطاعاً خاصاً حقيقياً.
ويتساءل بحدة: «متى كانت آخر مرة أفلسَت فيها شركة كويتية؟»، فكيف يمكن الحديث عن قطاع خاص لا يخسر ولا يتجدد؟
ويرى أن القطاع الخاص لا يحتاج دعماً أو تشجيعاً حكومياً ليُخلق، بل يحتاج فقط لأن تتركه الدولة يعمل بحرية دون منافسة أو تقييد. فالمطلوب أن تراقبه الدولة، وتضمن نزاهة السوق، لا أن تزاحمه أو تتدخل في كل تفاصيله.
وأضاف: المطلوب إطلاق برنامج إصلاحي شامل، فإذا تم تطبيقه بالشكل الصحيح، سينعكس أثره تلقائياً على بقية الملفات، فـ«بعده» ستُصلح أوضاع العمالة المنزلية، وتنضبط العمالة الهامشية، ويتحسن المرور، وتتعدل التركيبة السكانية، ويرتفع أداء المواطن، وتستقر نفسية المجتمع بأكمله.
برنامج الأعمال الحرة
طالب نجيب الصالح بأن يكون احتياطي الأجيال القادمة الممول الرئيسي للبرنامج الإصلاحي المقترح «برنامج الأعمال الحرة»، موضحاً أن الهدف من ذلك هو إصلاح الأجيال الحالية، حتى تتمكن من تربية الأجيال المقبلة على أسس إنتاجية صحيحة.
وأشار إلى أنه لا يريد أن تُدرج أموال البرنامج ضمن ميزانية الدولة، لأن الجهاز الحكومي يحتاج أولاً إلى نظام رقابي وتقييمي واضح لأداء الموظفين، مؤكداً ضرورة الفصل بين راتب الكادر الفعال داخل الدولة، والراتب الذي يُمول من احتياطي الأجيال، والمخصص لفئة البطالة المقنعة، على أن يخضع هذا الأخير لنظام وبرنامج تأهيلي متكامل.
وبيّن أن الموظفين غير الفعالين يمكن نقلهم تدريجياً إلى هذا النظام، بحيث يتقاضون راتباً أساسياً فقط دون بدلات أو مكافآت، مقابل حصولهم على حرية العمل في القطاع الخاص أو إنشاء مشروعهم الخاص لتكوين مهنة حقيقية لهم. وأوضح الصالح أن كتلة الرواتب في الميزانية تتراوح بين 12 و14 مليار دينار، ومع تطبيق البرنامج يمكن خفضها إلى نحو 6 مليارات دينار، مع تعزيز الرقابة والكفاءة، مما يسهم في رفع مستوى الأداء الحكومي.
دعم العمالة والدعوم
يرى نجيب الصالح أن دعم العمالة أضرّ بالقطاع الخاص أكثر مما أفاده، موضحاً أن الشركات كانت توظف الكويتيين برواتب طبيعية، لكن بعد إدخال نظام الدعم، اختلت المعادلة، وضعفت الجدية والانضباط في العمل، لأن الموظف أصبح يعتمد على المزايا الحكومية بدلاً من الأداء.
ويؤكد الصالح ضرورة إلغاء دعم العمالة ومكافآت الطلبة وبرنامج التموين بصيغته الحالية، معتبراً أن التموين تحول إلى مصدر للهدر وسوء الاستهلاك، وأن البديل الأنسب هو نظام «الطوابع» الموجه للفئات المستحقة فعلاً، حتى تصل المساعدات لمستحقيها فقط. أما بالنسبة لطلبة الجامعة، فيقترح أن يعملوا بدوام جزئي Part-time، بدلاً من تلقي المكافأة الشهرية، ليكتسبوا خبرة عملية مبكرة، ويتعلموا إدارة الوقت والمال، ويتأهلوا للحياة الإنتاجية بعد التخرج.
لا حاجة للدين العام
قال الصالح انه لا حاجة فعلية للجوء إلى الدين العام، في ظل وفرة الموارد المالية للدولة، لكن إن اضطرت الحكومة إلى الاقتراض، فيجب أن يكون القرض موجهاً لمشاريع تنموية إنتاجية، تدر عائداً واضحاً، يمكن من خلاله سداد قيمة الدين، لا أن يُصرف على الرواتب أو المصروفات الجارية، التي لا تحقق أي مردود اقتصادي مستدام.
الشراكة بين القطاعين غير مجدية
يرى الصالح ان الشراكة بين القطاعين الخاص والعام غير مجدية، لأن أي شراكة بين طرف قوي وآخر ضعيف تنتهي بسيطرة الأقوى.
وأضاف أن دور الحكومة ليس الدخول في المشاريع كشريك ربحي أو خاسر، فهي عندما تشارك القطاع الخاص، وتقتطع نسبة من أرباحه، تتحول إلى طرف تجاري، بينما في حال الخسارة لا تتحمّل الجزء المقابل منها، وهو ما يجعل العلاقة مختلة وغير عادلة. وأكد أن المطلوب من الدولة أن تكون منظِّماً ومراقباً للسوق، لا شريكاً فيه.


































