اخبار الكويت
موقع كل يوم -جريدة الجريدة الكويتية
نشر بتاريخ: ٦ تشرين الثاني ٢٠٢٥
غلاف الرواية
• كيف وُلدت فكرة استعادة سيرة عائشة المرطة تحديداً؟ هل الدافع إحياء حقبة كاملة عبر صوتها؟
- لم يكن الأمر مصادفة، فقد احتفظتُ بمشروعي هذا في ذهني منذ عام 2011، ودوّنت تفاصيله في ملف ورقي وإلكتروني يضم القصاصات والمراجع والمخطط العام، ثم تركته مؤقتاً، إدراكاً لحجمه وجهده، وعاهدت نفسي و»عائشة» أن يكون مشروع التقاعد - وقد كان. بدأت التنفيذ الفعلي عام 2021، وتخللت العمل فترات توقف حتى اكتمل النص السردي بعنوان «اسمها الثاني حنجرة»، المسقط الروحي لحكاية عائشة المرطة.
أما الدافع، فهو إيماني بأن عائشة - الفنانة والإنسانة - تستحق هذا التوثيق، فهي صوت نسائي كافح ليجد مكانه في مجتمع لم يكن طريقه ممهداً للمرأة. حاولتُ أن أقدّمها كما تستحق، لا كسيرة تسجيلية، بل عبر «ملامسة سردية» تُحيي أسئلتها ومشاعرها العالقة، وتكشف لنا - نحن القرّاء - أوهامنا عنها وعن زمنها. لقد رافقني طيفها في كل مراحل البحث، وكانت دليلي حين تضيق السبل، حتى اكتشفتُها من جديد كامرأة فريدة تمثّل حقبة كاملة من تاريخ الكويت الثقافي والاجتماعي.
• ما التحديات التي واجهتك في استحضار فترة زمنية بعيدة وتفاصيلها؟
- الاستعداد لعملٍ يتتبع سيرة إنسان ليس أمراً سهلاً، وربما لذلك تحوّلتُ من مُحبةٍ لعائشة المرطة إلى باحثةٍ منشغلة بكل ما يخصها ويتقاطع مع حياتها. غصتُ في مصادر نادرة، ونقّبت في قصاصاتٍ وأرشيفات قديمة لأعيد بناء صورتها كما كانت وكما غابت، وسط تناقض الروايات وقلّة الدقة فيما كُتب عنها. كان الجهد مضاعفاً، لكن كل اكتشاف منحني قشعريرة وصلٍ مع حضورها الدائم في رحلة البحث.
اليوم، لم أعد أستمع لأغنيات عائشة بالبساطة ذاتها، وأثق بأن القارئ سيخرج بعد قراءة هذا العمل بتجربة مماثلة، أكثر عمقاً وامتناناً لتلك المرأة الاستثنائية.
• هل تعتبرين هذه الرواية استمراراً لمشروعك الروائي السابق، أم منعطفاً جديداً في تجربتك؟
- السرد عالم يتجاوز الرواية، مفتوح على كل أشكال التجربة المعروفة وغير المعروفة. لا أحب أن أربط طريقي بدرب ضيق أو تقليدي، فكل تجربة سردية جديدة هي محاولة لاكتشاف المختلف والجديد، وإلّا فلن أجازف بنشرها. الكتابة ليست مسابقة، بل قفز في عوالم معقّدة لإعادة اختبار الإنسان فينا، ومواجهة عميقة مع الذات تُترجم لاحقًا إلى نصّ يلتقي بالقارئ، فيُلهمه أو يُبكيه. تحسس العمق ليس سهلًا على القارئ ولا على الكاتب، فالكتابة تحدٍّ مرهق واستنطاق للظل الذي يطاردنا لنواجهه بصدق عبر القصص والسرد. أعمالي السردية تنوعت في أشكالها، خارج التصنيفات المألوفة، إلى جانب تجربتي في الرواية.
• كيف تختارين موضوعات رواياتكِ؟ وهل هناك خيط مشترك يجمع بينها؟
- لعله الفضول الذي خُلق معنا، ممزوجا بجنون الكاتب الذي يمكن أن ينقله لعوالم ملآى بالخيالات والصور والأسئلة.. هو الشك والسؤال، الذي يبتدئ من الممكن ب «ماذا لو؟»، ونبدأ عادة بتوصيف ما يترتب بعدها أو ما يأتي عادة بعد «لماذا»، والإنسان «أينما كان ومهما كان» هو العقدة وهو القلق، وهو منبع الأفكار للبدء بأي مشروع يحمل همّا، ليتحول لشكل إبداعي يخفف من حريق التساؤلات التي تحمل علامة الاستفهام كل الوقت، بانتظار ما لا يشبعها/ يشبعنا بعد الانتهاء منه ليصير بأيادٍ وعقول أخرى.
• لغتكِ الأدبية تحمل بصمة خاصة، كيف طورتِ هذه الخصوصية الأسلوبية؟
- اللغة تنمو معنا.. ونكبر بها ونتغير عبرها وبسببها! وبالضرورة من خلال القراءة في كل الاتجاهات الممكنة، مخطئ من يظن بأن الكاتب يقرأ في مجاله فقط، السارد هو باحث في الأصل بحاجة إلى إجابات عن أسئلته اللامنتهية، وللحصول على بعض أطراف الاحتمالات علينا أن نظل في بحث دائم عما نتساءل عنه (وما نتساءل عنه ليس بالقراءة في الأدب فقط)، كل ذلك يقودنا إلى مسالك ربما ليست في الحسبان، لكنها تغذي الطريق الذي نُذرنا لأجله، اللغة لعبتنا القدرية، وهي مفاتيح الوصول لما نبحث عنه وما ننتجه لاحقا وما يحبه القراء لدينا، فكيف يمكنها ألا تكبر وتتميز معنا؟
• هل تعتبرين نفسك شاهدة على زمنك، أم صانعة لعوالم تتجاوز حدود الزمان والمكان؟
- دائما أتخيّل أن من سيقرأ ما سنتركه من ميراث مكتوب هو جيلٌ سيأتي بعد ألف عام، إذ أومن بأنني أكتب لعصر غير هذا، ويلاعبني شوق ساخر أحيانا لمعرفة كيف سيقرؤنا ذلك الجيل الذي لا ندري كيف سينظر إلى زمننا هذا على كل الأحوال!
• كيف تتعاملين مع النقد، سواء الإيجابي أو السلبي؟
- يهمني رأي القارئ الذي لا أعرفهُ، قارئ لا يحاكم شخصيتي، ببساطة لأنه لا يعرفني، لكنه يُسحَب لحكاياتي في كتبي لدرجةٍ التماهي، إنسان ربما يعيش على الضفة البعيدة جدا منّي، يعيد ترتيب مشاعره مع ما يتلقاه من كتاباتي، يحب لغتي أو يكرهها، تدهشه حكاياتي أو يستسخف ما جاء بها، يعيد القراءة لمرات أو يقف صامتا عند عبارة محددة ليبكي، وقد يضحك بصوت مسموع في لحظة صدق لعبارة تدغدغه، ربما يقتني نسخة أخرى من كتاب لي ليهديه لمن يحب! أو حتى يقلب شفتيه حين ينتهي من الصفحات الأخيرة، لأنها خيّبت توقعاته، أو لحظة يخبرني بطرق متنوعة بأنه أحب كتابا معيّنا ولم يعجبه آخر، لا يهم! لأن القارئ الذي لست أعرفه هو ناقدي الأهم، وهو من أكتب له. أما الناقد فيمارس مهنته وهذا يخصه وأمر طيّب، لكننا لا نكتب لأجله.
• لو لم تكوني روائية، أي مهنة كنتِ ستختارين؟
- أن تكون روائيا أو مبدعا هذي ليست مهنة.. الإبداع عطيّة إلهية غامرة، تُهدى كنعمة لمن يستحقها لأسباب، ولمن يتخذها طريقا ووسيلة للفعل الحسن الواعي، فإن عطّلها وتجاهلها سيُصاب بذهنه وخياله وربما أصابعه ولغته، وإن فعّلها بأحسن ما يستطيع نمت وتوسعت وتأصلت.. الإبداع كتابة (في حالتنا) رحمة عظمى، نذر مقدّس وليست منافسة ولا تسابقا إلا مع الذات، ولا هي احتراق في الضوء مبالغ فيه.
• هل تكتبين وفي ذهنك قارئ محدد، أم أن القارئ يأتي لاحقاً ليعيد تشكيل النص؟
- للقارئ أن يعيد فتق النص وإعادة رتقه وتشكيله، في ذهنه وعقله كما يريد ويشتهي، نحن نكتب ما نظنه مهما، وما يشغلنا وقتها، وما ينتج عن الحوارات اللامنتهية مثل أزيز لا يتوقف في الجمجمة، الكاتب مخلوق حِشري/ فضولي ومتلصص وينبش في زوايا معتمة جدا أو مضيئة لدرجة مقلقة.. وبين هذين النقيضين يشتبك ويكون جديدا لنفسه ولغيره بطبيعة الأمر. الكاتب منشغل كل الوقت حتى لو لم يكن بالكتابة، لأنها الخطوة شبه الأخيرة من استحلاب السؤال/الفكرة/ هدم الأحكام/إعادة النظر وتغيير الزوايا.. مخاض يطول ثم تُكتب خلاصاته ويُقدّم لآخر غريب.. لنعاود البدء بانشغال جديد!


































