اخبار العراق
موقع كل يوم -المسلة
نشر بتاريخ: ١٨ تشرين الثاني ٢٠٢٥
18 نونبر، 2025
بغداد/المسلة: ناجي الغزي
منذ عام 2003 وحتى اليوم، يعاني العراق من أزمة قيادة واضحة، تتجدد مع كل دورة انتخابية وتتعاظم عند منعطفات الدولة الكبرى. فرغم وفرة رجالات الطبقة السياسية وتعدد القوى المؤثرة، بقيت أزمة 'الرجل القادر على إدارة الدولة' في كل دورة انتخابية، وهي واحدة من أعقد المشكلات البنيوية في النظام السياسي العراقي. إذ تتردد الأسماء، وتتبدل الشعارات، وتتصاعد الوعود، لكن النتيجة النهائية تبقى: غياب قيادة قادرة على اتخاذ القرار، تحمل مشروعاً واضحاً، وتمتلك القدرة على مواجهة الضغوط الداخلية والخارجية.
وفي ظل هذه الأزمة المزمنة، يبرز اسم السيد 'نوري المالكي' من جديد كمرشح يمتلك مواصفات 'رجل المرحلة'، استناداً إلى خبرة سياسية واسعة، وتجارب إدارة عملية في أكثر الفترات حساسية من تاريخ العراق الحديث.
فالكثير من المراقبين والمحللين السياسيين يرون ان السيد المالكي: هو الخيار السياسي الأكثر اتساقاً مع تعقيدات المرحلة العراقية، حيث تعيش الدولة العراقية اليوم لحظة تاريخية شديدة الحساسية، تتداخل فيها الضغوط الاقتصادية مع التحديات الأمنية، ويتقاطع فيها الصراع السياسي الداخلي مع ارتجاج النظام الإقليمي. وفي ظل هذا المشهد المركّب، تبرز معضلة القيادة بوصفها السؤال الأكثر إلحاحاً: من يمتلك القدرة على إعادة ضبط اتجاه الدولة، وترسيم خطّ استقرار طويل الأمد، وقيادة عراق يتقدّم نحو دولة مؤسسات لا مساحة فيها للمصادفات والارتجال؟
أولًا: طبيعة أزمة القيادة في العراق
تتجسد أزمة القيادة في العراق بثلاثة أبعاد رئيسية:
1. ضعف القرار السياسي
حكومات متعددة خلال الأعوام الأخيرة واجهت عجزاً في اتخاذ قرارات حاسمة تتعلق بالإصلاح الاقتصادي، ومكافحة الفساد، وضبط السلاح خارج اطار الدولة، وإدارة موارد الدولة، والتعامل مع الأزمات الإقليمية. وهذا الضعف ناتج عنه: الضغوطات الحزبية، والتدخلات الخارجية، وهشاشة التوافقات. وذلك بسبب غياب شخصية تمتلك القدرة على فرض إرادة الدولة.
2.غياب مشروع وطني مستقر
وجود برامج حكومية بلا رؤية بعيدة المدى جعل الدولة تتحرك في حلقة مفرغة. لا يوجد قائد يحمل 'مشروع دولة' متكامل يربط الأمن بالاقتصاد، والسيادة بالتنمية، والعلاقات الخارجية بالتوازن الاستراتيجي.
3.فقدان الثقة الشعبية
الشارع العراقي فقد ثقته بغالبية القادة الجدد بسبب: التردد، وغياب الإنجازات، وتراجع الخدمات، وتوسع الفساد، والشعور بغياب رجل دولة حقيقي. هذه العوامل مجتمعة جعلت العراق في حاجة ملحّة إلى شخصية تمتلك: حزم القيادة، و وضوح الرؤية، والقدرة على إدارة الدولة، والخبرة في التعامل مع ضغط الملفات المتشابكة.
ثانيًا: لماذا المالكي بوصفه البديل الأنسب؟
طرح اسم السيد نوري المالكي ليس نتيجة فراغ في الخيارات فحسب، بل لأنه يمتلك مجموعة من السمات التي تفتقدها القيادات الحالية.
1. تجربة عملية في الظروف الاستثنائية
قاد المالكي الدولة خلال واحدة من أصعب المراحل (2006–2014)، وواجه: الحرب الطائفية، والإرهاب المنظم خارجيا وداخلياً، واستطاع إعادة بناء مؤسسات الدولة، وتشكيل أجهزة أمنية، ومواجهة الميليشيات الخارجة عن الدولة. وصعود التحديات الإقليمية. هذه التجربة صنعت منه شخصية ذات 'خبرة واقعية' في إدارة الأزمات الكبرى، وهو أمر نادر اليوم.
2. قدرة على اتخاذ القرار
عُرف المالكي بأنه: صاحب قرار، والقادر على فرض إرادة الدولة، ولا يخضع لضغوط خارجية بسهولة، ويميل إلى الحسم بدل التردد. وهذه صفات افتقدتها حكومات ما بعد 2014، ما جعل كثيراً من الملفات مُرَحلة أو تُترك معلّقة أو تُدار بنصف حلول.
3. مشروع 'دولة القانون'
من بين القادة الذين قدموا رؤية واضحة لشكل الدولة، هو السيد المالكي، وهذا المشروع يقوم على: تقوية المركز، وفرض القانون وتقوية هيبة الدولة، وتعزيز المؤسسات، وتقييد السلاح المنفلت، وربط الأمن بالتنمية. وما زال هذا المشروع حتى اليوم يشكل قاعدة جدية في نظر أنصاره ومعارضيه على حد سواء.
4. قاعدة سياسية واجتماعية واسعة
يمتلك المالكي خبرة سياسية تنظيمية، وعلاقات اجتماعية وسياسية متشعبة داخل القوى السياسية، وامتداداً شعبياً داخل المحافظات، وله القدرة على بناء تحالفات مستمرة ومستقرة. وهذه العوامل تمنحه إمكانية إدارة حكومة متماسكة لا تعتمد على هشاشة التوافقات.
5. قراءة دقيقة للبيئة الإقليمية والدولية
العراق اليوم يقف وسط تنازع نفوذ واضح بين: الولايات المتحدة وإيران وتركيا ودول الخليج،
والفاعلين غير الدوليين. وان اغلب القوى السياسية داخل الإطار التنسيقي، مصنفة من قبل الولايات المتحدة الامريكية بأوصاف لا تنسجم مع المزاج الدولي، لذلك لا تسمح لها بقيادة الدولة العراقية، باعتبارها جزء من محور المقاومة. وهذا الاشتباك يحتاج إلى قائد مقبول دولياً واقليمياً من قلب الاطار التنسيقي ومتمرس وقدير يجيد: والتوازنات، وإدارة الضغط الخارجي والداخلي، والحفاظ على هامش مناورة، وحماية استقلال القرار العراقي. والمالكي هو القائد السياسي الوحيد الذي يمتلك هذه الخبرة المتراكمة في هذا المجال.
ثالثاً: المرحلة المقبلة تتطلب منطق الدولة لا منطق التسويات
التحديات التي يمر بها العراق: اقتصادية، خدمية، أمنية، سياسية، إدارية. لا يمكن إدارتها بمجرد حكومة توافق ضعيفة، أو رئيس وزراء تسوية لا يملك الحد الأدنى من صفات المالكي يصبح عرضة للابتزاز. البلاد تحتاج إلى رئيس وزراء يمتلك الإرادة قبل الأدوات، والخبرة قبل الشعارات، والقدرة على فرض مسار إصلاحي حقيقي. المالكي، في نظر الكثير من المراقبين، يمثل أحد الخيارات القليلة التي تجمع بين: الخبرة، والقوة، والرؤية، والقدرة على إدارة الدولة في لحظة حرجة.
الحديث عن نوري المالكي ليس مجرد نقاش حول شخصية سياسية، بل هو انعكاس لبحث أوسع عن 'رجل الدولة' الغائب في العراق خلال السنوات الأخيرة. أزمة القيادة ليست أزمة أسماء، بل أزمة قدرة على إدارة مشروع وطني شامل، واقتدار على مواجهة الضغوط المتداخلة. ومهما اختلفت المواقف تجاه المالكي، يبقى السؤال الجوهري اليوم: هل تحتاج المرحلة إلى قائد قوي يمتلك خبرة الدولة، أم إلى استمرار التجارب القصيرة التي أثبتت محدوديتها؟
وفي ضوء هذه المعادلات، يعتبر المالكي كأحد الخيارات الأكثر واقعية لقيادة العراق نحو مرحلة أكثر استقراراً، وأكثر قدرة على مواجهة التحديات وإعادة بناء ثقة الدولة بمواطنيها.
About Post Author
moh moh
See author's posts






































