اخبار العراق
موقع كل يوم -المسلة
نشر بتاريخ: ٣٠ تشرين الأول ٢٠٢٥
31 أكتوبر، 2025
بغداد/المسلة – ناجي الغزي: صناعة الوهم وتزييف الوعي.. إلى أولئك الذين يفترشون الشاشات ويبحثون عن 'الطشّة الإعلامية' ويظنون أن الظهور اليومي على الشاشات يصنع منهم محللين أو أصحاب رؤية سياسية، هؤلاء جعلوا من الظهور الإعلامي سلّماً نحو الوهم والتضليل. التحليل السياسي لا يُقاس بعدد الظهور على الشاشات، ولا بعلوّ الصوت أو سرعة إطلاق الأحكام ورسم الاوهام، بل يُقاس بعمق الفهم وقدرة المحلل على قراءة المتغيرات من داخل بنية القرار لا من سطح الحدث. السياسة ليست عرضاً إعلامياً، بل عملية إدراكٍ مركّبة تتطلب فهماً للمصالح المتضاربة وموازين القوى وأبعاد الزمن السياسي.
هؤلاء اعتادوا تسويق أنفسهم كخبراء في نيات واشنطن، يتحدثون باسم البيت الأبيض وهم أبعد ما يكونون عن قراءة السياسة الأمريكية أو فهم معادلاتها، وهم لا يملكون سوى بضعة عبارات مكرّرة ومواقف مشحونة بالتحامل على التجربة السياسية ونظامها السياسي، وهم لا يرون في العراق سوى مادة للاتهام والتقليل من شأنه، متجاوزين على سيادته وكرامة شعبه تحت لافتة 'التحليل السياسي'.
إليكم ما يفنّد ادعاءاتكم ودعاياتكم اليومية، لا من خصم ولا من جهة محايدة، بل من أحد أركان الحزب الجمهوري الأمريكي نفسه. فالردّ جاء واضحاً من داخل الدائرة المقربة من الرئيس دونالد ترامب: عضو الحزب الجمهوري توم حرب الذي حسم الجدل بقوله: إنّ الرئيس دونالد ترامب لا يفرض أسماءً لرئاسة الحكومة العراقية المقبلة، وإنّ المهم بالنسبة لواشنطن هو احترام إرادة الشعب العراقي وإجراء انتخابات دورية شفافة.
جاء هذا التصريح في مقابلة مع إرم نيوز، حيث أوضح حرب أن تعيين مبعوث خاص للعراق ' مارك سافايا' من قبل ترامب يعبّر عن رغبة في معالجة الملفات العراقية مباشرة، لا عن مشروع وصاية أو هيمنة. وأضاف أن الولايات المتحدة لا تسعى إلى احتلال جديد، بل إلى شراكة تقوم على المصالح المتبادلة، مؤكداً: 'الشعب العراقي هو من يقرر'، وترامب يقول دائماً: نحن هنا للمساعدة لا للهيمنة، القرار بيدكم.
حدود الدور الأمريكي ومفهوم الشراكة
الرسالة الأمريكية الجديدة جاءت واضحة: العراق ليس ساحة وصاية، ولا منصة لتعيين الحكومات بأوامر خارجية. فترامب، بحسب ما أكده أحد أبرز الجمهوريين، لا يفرض أسماء ولا يرسم خرائط سياسية في بغداد، بل يؤمن بأنّ إرادة الشعب العراقي هي مصدر الشرعية، وأن الانتخابات الدورية الشفافة هي الطريق الوحيد لضمان الاستقرار.
وقد سبق أن تناولتُ في مقالين سابقين، يتحدثان حول مهمة المبعوث الأمريكي 'مارك سافايا' إلى العراق، مبيّناً أن واشنطن رغم كل ما يُثار حولها، تتحرك ضمن حدود سياسية واضحة، وأنّ مبعوثها ليس أداة وصاية بل أداة تنسيق مباشر لمعالجة الملفات العالقة وفق قاعدة المصالح المتبادلة. وقلتُ حينها إنّ الولايات المتحدة، لا سيما في عهد ترامب، لا تبحث عن “نفوذ مطلق” بل عن “شراكة تجارية” تراعي مصالحها من دون أن تتحمل أعباء الهيمنة. اليوم، يأتي هذا التصريح الجمهوري ليؤكد ما ذهبت إليه تلك المقالات: أن القرار في النهاية عراقي، وأن حدود الدور الأمريكي مرسومة بوعيٍ سياسيٍّ تجاري جديد.
ولعلّ ما يُميز الخطاب الأمريكي الجديد أنه ينقل الاهتمام من “من يحكم” إلى “كيف يُبنى الاستقرار”. فقد أشار القيادي الجمهوري إلى أنّ واشنطن لا ترغب بإبقاء جيوشها في الخارج، لكنها تدرك أن وجودها في بعض المناطق يشكّل ضمانة استراتيجية تفتح الطريق أمام التنمية والاستثمار، كما حدث في اليابان وكوريا الجنوبية. الرسالة هنا أنّ الأمن لا يعني الاحتلال، بل بناء بيئة مستقرة للنهوض الاقتصادي والسياسي، وأنّ العراق قادر على أن يحوّل حضوره الدولي إلى رافعة تنموية بدل أن يبقى رهينة الاصطفافات.
العراق أولاً… فوق الأشخاص والتيارات
أما في الشأن السياسي الداخلي، فالموقف الأمريكي بات أكثر وضوحاً:، لا شخص فوق الدولة، ولا تيار فوق العراق. سواء كان السوداني أو غيره، فالمعيار هو الاتجاه الوطني وليس الانتماء الفئوي. فواشنطن اليوم تراهن على نخب سياسية تؤمن بالدولة الجامعة لا بالطائفة أو الولاء الخارجي.
وهكذا تتهاوى الدعايات التي يروّجها بعض المتسلقين ممن يتاجرون بالتحريض ويتحدثون عن 'قرارات سرية' و'إملاءات أمريكية' لا وجود لها. فواشنطن نفسها عبر أركان الحزب الجمهوري، أكدت أن القرار بيد العراقيين، وأنّ التجديد في الحياة السياسية ضرورة لا وصاية.
التحوّل الأمريكي اليوم ليس مجرد تصريح، إنه إعادة تموضع استراتيجي. فإدارة ترامب تعيد رسم مقاربتها للعراق من إدارة النفوذ إلى إدارة الشراكة، والعراق أمام فرصة لإعادة صياغة موقعه في التوازنات الإقليمية والدولية كفاعل سياديّ يمتلك قراره ويستثمر علاقاته.
الفرق بين من يقرأ هذه التحولات بعين استراتيجية ومن يتلهّى بضجيج الإعلام، هو الفرق بين الوعي والانفعال، بين من يصنع السياسة ومن يعيش على فتات الخطاب الدعائي. فالأمم تُبنى بالعقل لا بالصوت، وبالتحليل لا بالادعاء، وبالقرار الوطني لا بالوصاية المستوردة.
About Post Author
moh moh
See author's posts





 
 

 
  
  
  
  
  
  
  
  
  
 




































 
  
  
  
  
  
  
  
  
  
  
  
  
  
  
  
  
 