اخبار العراق
موقع كل يوم -اندبندنت عربية
نشر بتاريخ: ٢٣ تشرين الأول ٢٠٢٥
الدعاية تحتل الأرصفة وتحجب إشارات المرور والسلطات تطاردها بالعقوبات بعد تسببها في حوادث وإصابات
بعد مرور نحو أسبوعين على انطلاق الحملة الانتخابية، تشعر مودة أحمد (33 سنة) أن المدينة امتلأت وضجّت بصور المرشحين البالغ عددهم 7768 مرشحاً، الوجوه على الجدران والجزر الوسطية والأرصفة، تتكاثر ملصقاتهم الانتخابية كأعمدة موقتة، محوَّلة الأحياء إلى ممرات ضيقة أخفت حتى علامات المرور ودلالاتها بصور المرشحين.
هذا الأمر دفع بشكاوى بين السكان حول انتقال الإزعاج البصري المتجاوز على الممتلكات العامة، إلى الخطر المباشر، إشارات محجوبة، وممرات مشاة مسدودة، وحوامل معدنية مغروسة في قلب الرصيف تُجبر العابر على النزول إلى الطريق وتربك السائق عند الاستدارة، فيما تتهاوى قطع دعائية مع أول ريح.
لا توجد أرقام دقيقة حتى الآن، كانت قد سجلتها الجهات المختصة، حول عدد الإصابات الموثقة بسبب عشوائية الملصقات الانتخابية، لكن في كركوك، انتهى تثبيت ملصق انتخابي عند مبنى المحكمة الجديدة بكارثة، عاملان فارقا الحياة دهساً أثناء عملهما، وفق تصريح المتحدث باسم دائرة صحة كركوك سامان يابا الذي أكد نقل الجثتين إلى الطب العدلي بانتظار الاستلام من ذويهما.
في الهندية بمحافظة كربلاء، تُوفي عامل أثناء نصب لوحة دعائية لإحدى المرشحات وهي ماجدة العرداوي التي أوضحت أن التعاقد تم مع مطبعة تولّت جلب العمّال، بينما خلا الخبر المنشور من تحديد السبب الفني للوفاة، ما يستدعي تثبيته عبر إفادة صحية أو محضر شرطة.
بين الحادثتين تتضح فجوة السلامة، مواقع تثبيت ملاصقة للشارع، واقتراب خطِر من أعمدة الكهرباء وشبكات الإنارة، ومنظومة تعهد تُلقي بالعمل الميداني على فرقٍ بلا اشتراطات أمان كافية، والنتيجة خسائر بشرية تنقل الدعاية من الفضاء البصري إلى سجل الوفيات.
وسجّلت محافظات عراقية عدّة خلال الأيام الماضية حوادث سير وسقوط لوحات دعائية منذ انطلاق الحملات الانتخابية رسمياً، ففي الموصل أُصيبت طفلة (9 سنوات) بجروح بليغة في الرأس بعد ارتطامها بشاشة إعلانات إلكترونية مخالِفة في شارع الدركزلية شرق المدينة، وفي بابل سقطت دعايةٌ مؤطَّرة بالحديد على طفل فأصابته، وفي ذي قار وقع تصادم بين ستّ مركبات نُسب إلى صورة مرشّح، فيما أطلقت بلدية كركوك حملةً موسّعة لرفع الدعايات وتنظيمها بعد تسبّبها بحجب الرؤية للسائقين والمشاة واصطدامِ عجلةٍ بإحدى اللوحات.
وتبين مودة أحمد في حديثها مع 'اندبندنت عربية' أنها تدفع عربة صغيرها على الأسفلت لأن الرصيف محجوز للمرشحين، مضيفة 'كل متر صار ساحة نزاع، كل صباح نرى رجالاً يتصارعون على قطعة بمساحة متر ليزرعوا عموداً جديداً، كيف أصدق مرشّحاً يبدأ حملته من الاستيلاء على حقي البسيط في المرور؟ كيف أثق بمن يشوّه المدينة ثم يخاطبنا عن النظام والقانون؟ أمس علِقَت عجلات العربة في سلك ممدود، وكدتُ أنزلق بسيارة مسرعة لأن الممر مسدود بلوحات من حديد، الناس تتأذى فعلاً، أطفال يتعثرون وكبار سنّ ينعطفون إلى الشارع لأن الممرات اختفت'.
إذا كانت الحملات تُصرف عليها ملايين، فليُخصَّص جزء واضح من الموازنات لمواقع تثبيتٍ آمنة بعيدة من الأرصفة والجزر الوسطية وعلامات المرور، وتوضح أحمد أن المواطن يريد أحواضاً محددة وخرائط وإشرافاً من بلديات المدن، لا فوضى تُعلَّق فوق رؤوس المواطنين.
وتضيف المتحدثة 'نحن لا نطلب المستحيل، نطلب طريقاً سالكاً إلى المدرسة والصيدلية، صرنا نعدّ الأيام حتى تنتهي الانتخابات لترجع الشوارع إلى ما كانت عليه، كل شيء تحوّل نقمة، الجميع هنا يحاول معرفة موازنة المرشحين، لم لا يخصصون جزءاً منها لتثبيت صورهم بطرق أكثر نظامية من هذه الفوضى؟'.
تحدِّد المفوضية سقف إنفاق المرشّح وفق معادلة (عدد الناخبين في دائرته × 250 ديناراً)، وفي بغداد الرصافة يبلغ عدد الناخبين نحو 2.3 مليون، ما يعني سقفاً يقارب 575 مليون دينار، يوازي قرابة 435 ألف دولار، بينما في الكرخ يبلغ العدد نحو 1.9 مليون، والسقف يقارب 475 مليون دينار، ما يعادل قرابة 360 ألف دولار، هذه الأرقام تشمل الطباعة والإعلانات والفعاليات والتنقل وأجور الفرق وتأجير المكاتب، وتراقب المفوضية الالتزام بالسقف وتغرّم المخالفين.
تقول الناشطة رؤى خلف لـ'اندبندنت عربية' إنه على رغم أن الضوابط واضحة، إلا أن الواقع في بغداد والمحافظات يُظهر العكس، الفرق المدنية والبلدية ترصد يومياً وترفع المخالفات إلى المفوضية، لكن الإنفاذ انتقائي، تُزال صور مرشحين في مواقع محددة، وتبقى صور مرشحين متنفذين من دون إجراء، وتشدد على أن هذا يضرب الثقة العامة ويُشعر الناس بعدم المساواة أمام القانون واليأس أمام عملية الانتخاب الحرة.
وتتابع خلف قولها 'الدعاية تحوّلت إلى استعراض قوة، واجهات لوجوه متنفذة بأحجام كبيرة على تقاطعات رئيسة، والقوائم الصغيرة تُزاح إلى الهوامش بصورة يتيمة في أطراف الأحياء، ما يصنع انطباعاً لدى الناخب بأن الهيمنة محسومة مسبقاً لمصلحة من يسيطر على الفضاء العام'.
وأضافت المتحدثة 'حجم الإنفاق في الشارع يبين تجاوز ما يُعلن عنه، هناك كثافة الحوامل، ونوع المواد، والإضاءة الليلية، ومواقع التثبيت المميزة، كلها مؤشرات مباشرة على نفوذ المال السياسي، وأن الوجوه المسيطرة على العملية السياسية هي التي تستحوذ بجداريات على الأرصفة، لكن الشباب والوجوه الجديدة فقد ترى لافتة واحدة لهم، من حي لآخر'.
'خصصت المفوضية الملايين للانتخابات، فلمَ لا تخصص مواقع معينة وثابتة للدعاية خارج الأرصفة والجزر وعلامات المرور؟ أو حتى إشراف بلدي مُعلن على التوزيع؟ ولمَ لا تقوم بنشر أسبوعي لأرقام المخالفات والغرامات مع أسماء المرشحين وتعويض لكل متضرر؟ تطبيق القانون بالتساوي هو الاختبار الحقيقي لأي حديث عن نزاهة المشهد الانتخابي'، بحسب قول رؤى خلف.
تقول المفوضية العليا المستقلة للانتخابات إن الكلفة الإجمالية للعملية الانتخابية لعام 2025 بلغت 398 مليار دينار (0.3 مليار دولار) ضمن موازنتها، بحسب رئيس فريقها الإعلامي عماد جميل، وتشمل هذه الكلفة مكافآت موظفي الاقتراع بما قد يصل إلى 60 مليار دينار (46 مليون دولار)، إلى جانب بنود البرمجيات وصيانة الأجهزة والمواد اللوجستية، ويتقاطع هذا الرقم مع قرارات حكومية سابقة بتخصيصات تقارب 400 مليار دينار (0.31 مليار دولار) لدعم الاستحقاق، ويُشار إلى أن هذا رقم تخصيص/كلفة مقدّرة تعلنه المفوضية للإطار العام، ولا يعبّر وحده عن المصروف الفعلي المنفّذ بنداً بنداً حتى تاريخ النشر.
وتلفت خلف إلى استخدام صور النساء كاستعراض بصري أكثر منه تمثيلاً سياسياً جدياً، وأن حضور الوجوه النسوية في الواجهة لا يرافقه برنامج واضح أو مواقف تشريعية ملموسة، مؤكدة أن هذا الاستخدام يُسيء لفكرة المشاركة ويعيد إنتاج المرأة كعنصر تجميلي في الحملة.
في وقت سابق، أكدت أمانة بغداد، عبر المتحدث عُدي الجنديل، رصد مئات المخالفات للدعاية الانتخابية في العاصمة، مع تنفيذ حملات إزالة وإحالة للمخالفات إلى المفوضية واستقطاع الغرامات من الودائع.
وشدّد الجنديل على منع اللصق بالغراء على الجدران، وحظر التثبيت على قطع الدلالة المرورية، وعدم استخدام الحدائق والجزر الوسطية والأرصفة بالتثبيت الأسمنتي.
وأعلنت الأمانة التوجّه إلى فرض غرامات مالية بحق المخالفين مع توثيقٍ يومي للتجاوزات بالتنسيق مع المفوضية، في مسعى لضبط استغلال الممتلكات العامة وتنظيم المشهد الدعائي داخل المدينة.
يقول الناشط جابر عبادي 'قبل سنة رسمنا جدارية نستعيد بها روح الرسام حافظ الدروبي، مساحة 35 متراً مربعاً في قلب قلعة سكر شمال محافظة ذي قار جنوب العراق، 20 يوماً من العمل المتواصل، بتمويل ذاتي من جيوبنا، وبتطوّع أصدقاء وفنانين حلموا أن يروا مدينتهم تتزيّن بفنّها وتراثها، لكننا صدمنا بتعليق ملصق انتخابي لإحدى المرشحات، غطى بالفعل على كل العمل الفني'.
اليوم يقف جابر وزملاؤه أمام الجدار نفسه ويشعرون بالخسارة والخيبة، اختفت تفاصيل اللوحة التي تعبوا عليها، كما يقول، ويكمل 'ما حصل إهانة لحق العامة في جمال مدينتهم، نحن فنانون ومواطنون قبل أي شيء، نريد مساحة للمشهد الثقافي لا تتحول إلى ساحة صراع انتخابي على الأمتار، يستهين المرشحون بنا ولا يحترمون جهودنا ولا يقدرون تطوعنا، لكنهم يريدون أصواتنا فقط'.
وبعيداً من الأرصفة والجدران الفنية، يوضح عبادي، أن الجدارية ليست ملكهم الشخصي، لكنها جزء من ذاكرة المكان، وتغطيتها بوجه مرشحة لا يعني سوى المساهمة بطمس جهود المتطوعين بحماية ونظافة مدينتهم، مضيفاً 'نطالب بحماية قانونية للفن في الفضاء العام، وإزالة المخلفات فوراً، والتزام علني يحفظ ما تبقى من ملامحنا في الشارع، لكن من يستمع إلينا؟'.
وحتى الـ 14 من أكتوبر (تشرين الأول) 2025، أعلنَت المفوضيةُ العليا المستقلة للانتخابات صدور 400 غرامة على مرشحين وكيانات وأفراد خالفوا ضوابط الحملة، من بينها 60 غرامة قبل انطلاق الحملة رسمياً، مع توزيع بياني ذكَر 291 على الرجال و49 على النساء.
خلال الأيام نفسها، أكدت تصريحاتٌ وإحاطات إعلامية أن عدد المخالفات المرصودة والمتجهة للغرامات تحرّك من قرابة 292 وصولاً إلى 350 ثم 400، مع تحذير واضح من مضاعفة الغرامة أو استبعاد المتكرر.
وتُحَصَّل الغرامات باستقطاعها من الودائع المالية للمرشحين أو القوائم لدى المفوضية، وفق توضيح رسمي، في المقابل، تذكر تقارير تلفزيونية محلية أن قيمة العقوبة قد تصل إلى 10 ملايين دينار (7600 دولار) بحسب نوع المخالفة وسوابقها.






































