اخبار العراق
موقع كل يوم -اندبندنت عربية
نشر بتاريخ: ٢٠ حزيران ٢٠٢٥
قلق سياسي وشعبي متزايد إذ يجد نفسه وسط شبكة معقدة من التجاذبات والصراعات الدولية في خضم التوترات المحيطة
في خضم التوترات المتصاعدة في الإقليم يجد العراق نفسه مجدداً وسط شبكة معقدة من التجاذبات والصراعات الدولية، ليطرح السؤال القديم الجديد: هل سيكون العراق وسيطاً للحل أم ساحة لتصفية الحسابات؟
فمنذ أعوام يتعرض المشهد السياسي العراقي لتأثيرات إقليمية ودولية مستمرة تضعف قراره السيادي وتفرض تحديات على استقراره الداخلي، لا سيما مع كل تصعيد يقع بين أطراف إقليمية كإيران وإسرائيل أو إيران والولايات المتحدة. وفي وقت يسعى فيه العراق إلى استعادة دوره كفاعل دبلوماسي محايد لا تزال المخاوف قائمة من استغلال الانقسام الطائفي والتعدد المذهبي والاجتماعي داخلياً كأداة لفرض أجندات خارجية. ومع أن الحكومة العراقية تبنت نهج 'الحياد الإيجابي'، فإن تسارع وتيرة الاستهدافات والضغوط الإقليمية يضع البلاد أمام خيارات صعبة.
ومن هذه المخاوف احتمال تصعيد عسكري على الأراضي العراقية بين فصائل مسلحة مدعومة من الخارج أو استهداف مواقع عسكرية ودبلوماسية عراقية نتيجة لتشابك العراق مع الأزمات الإقليمية.
فسر رئيس مؤسسة 'فيض' للصحافة والإعلام الكاتب والمحلل السياسي علي السباهي أن هذه المخاوف وإن كانت مفهومة، إلا أن الواقع العراقي يشير إلى أن الدولة العراقية قد عبرت مراراً عن موقفها الرافض لأي استغلال لأراضيها في صراعات خارجية. ويقول السباهي 'إيران نفسها، ومن خلال تصريحات واضحة للمرشد الأعلى علي خامنئي أكدت أن العراق قادر على الرد بنفسه ولا يحتاج إلى أي تدخل أو دعم من جهات خارجية، حتى تلك التي يصفها البعض بأنها أذرع إيران داخل العراق'.
وأضاف أن 'استراتيجية المقاومة داخل العراق قد تغيرت في الفترة الأخيرة، وأن من المهم التفريق بين التحليل الواعي والقراءات المزدوجة التي تسعى بعض الجهات إلى تسويقها. هناك محاولات عبر بعض القنوات الفضائية لتضليل الرأي العام وبث الفتنة عبر تصوير العراق وكأنه مجرد ساحة لتبادل الضربات، في حين أن الواقع يؤكد أن العراق أعلن بصورة رسمية، وعلى لسان أكثر من مسؤول حكومي، رفضه القاطع لاستخدام أراضيه لضرب أي جهة خارجية'.
وأشار السباهي إلى أن 'بعض الحوادث التي استهدفت فصائل المقاومة في العراق، قابلتها ردود خارج الحدود، سواء في تل أبيب أو على قواعد أميركية في المنطقة، مما يعكس تغيراً في قواعد الاشتباك'، ويؤكد أن 'الردود لم تعد تُدار من داخل الأراضي العراقية'.
وحذر من محاولات البعض 'اللعب في ملعب الفتنة الخطر، عبر دس السم في العسل'، في إشارة إلى الإعلام الموجه الذي يضخ معلومات مضللة بهدف زعزعة الاستقرار الداخلي.
ورقة تفاوض
في هذا السياق يرى رئيس مركز العراق للشؤون الاستراتيجية صلاح بوشي أن 'العراق غالباً ما يستخدم كورقة تفاوض في صراعات إقليمية مثل الصراع الإيراني - الأميركي أو الإيراني - الإسرائيلي، مما يضعف قدرة الدولة على بناء مؤسسات وطنية مستقلة ويؤخر مسارات التنمية والإصلاح السياسي'.
وحذر بوشي من خطورة فرض حكومات موالية لمحاور خارجية، مما يؤدي إلى فقدان العراق قدرته على اتخاذ قراراته بحرية، ويجعل السياسات الحكومية انعكاساً لمصالح تلك القوى بدلاً من تلبية تطلعات الشعب. هذا الواقع، بحسب رأيه، يحد من فاعلية الحكومات المتعاقبة، ويكرس حالاً من انعدام الثقة بين المواطن والمؤسسات السياسية.
وأكد أن الحل يكمن في تعزيز القرار الوطني وترسيخ السيادة السياسية إلى جانب تحصين الجبهة الداخلية من الانقسامات والانفلات السياسي عبر تبني سياسة متوازنة تقدم مصلحة العراق أولاً. كما يشدد على أهمية بناء جسور تعاون إيجابي مع الإقليم والمجتمع الدولي بما يخدم المصالح الوطنية ويضمن استقرار البلاد. واختتم بالقول إن 'كل خطوة يبتعد فيها العراق عن التورط في الصراعات الإقليمية، تقربه أكثر من محطات النهوض والتقدم، وإن التحدي الحقيقي يكمن اليوم في بناء حكومات مستقلة تعبر عن إرادة الشعب وتعمل على استعادة ثقة المواطن بوطنه ومؤسساته'.
الحل عبر بوابة الوساطة العراقية
في ظل التصعيد الأخير برزت مخاوف شعبية من أن يتحول العراق مجدداً إلى ساحة صراع أو ورقة تفاوض في نزاعات إقليمية، يرى الكاتب والمحلل السياسي علي الجبوري أن 'من حق المواطن العراقي أن يشعر بقلق جراء الحرب الإسرائيلية على إيران، لاقتناعه بأن إسرائيل تنظر إلى العراق وإيران ضمن خانة واحدة في صراعاتها الإقليمية'. إلا أن الجبوري يخفف من هذه المخاوف، مؤكداً أن إسرائيل تدرك أن أي تصعيد واسع النطاق قد يواجه رفضاً داخلياً من حلفائها، سواء داخل الحزب الحاكم أو من المعارضة، وكذلك من عائلات الجنود الإسرائيليين. كما أن الانتقادات الحادة التي وجهت أخيراً للسياسة الإسرائيلية من قبل فرنسا وبريطانيا وحتى الولايات المتحدة، تشكل عامل ردع إضافياً ضد أي خطوات توسعية متهورة.
أما عن احتمال إسقاط الحكومة العراقية أو إفشالها بفعل ضغوط إقليمية، يرى الجبوري أن ذلك غير وارد في الوقت الراهن، فالحكومة تنطلق من قاعدة ائتلافية متينة تعمل على احتواء الأزمات وتفادي التصعيد السياسي، مما يبعد شبح التغيير القسري أو الانهيار السياسي. وأكد الجبوري أن العراق، بحكم علاقاته المتوازنة مع كل من إيران والولايات المتحدة، يستطيع أن يلعب دوراً مهماً في تخفيف حدة التوتر بين الأطراف المتصارعة في المنطقة، مشيراً إلى أن 'الأزمة الحالية على رغم حساسيتها قد لا تطول، وأن حلها قد يكون عبر بوابة الوساطة العراقية، بالتعاون مع دول الإقليم والدول التي تحتفظ بعلاقات مع كل من إسرائيل وإيران'.
طبيعة العراق الجيوسياسية
في هذا الإطار أكد المتخصص في العلاقات الدولية سلمان الأعرجي أن العراق بات منذ عام 2022 لاعباً فاعلاً في ملفات إقليمية مهمة، وأصبح محط اهتمام دولي نتيجة موقعه الجغرافي وأهميته الاستراتيجية، وأن طبيعة العراق الجيوسياسية تجعله عرضة لتأثيرات متفاوتة حسب حجم الصراع وقربه من أراضيه.
وأضاف الأعرجي أن الحكومة العراقية أعلنت مراراً رفضها القاطع لتحويل العراق إلى ساحة تصفية حسابات، وهي رغبة تتقاطع مع تطلعات الشعب العراقي بالابتعاد عن سياسة المحاور والصراعات الإقليمية والدولية التي لا تخدم مصالحه، ولا تتماشى مع رؤى بناء عراق مستقر وقوي.
وعلى رغم تعدد الطوائف والمكونات في المجتمع العراقي، يرى الأعرجي أن هذا التنوع يمثل عنصر قوة، فإن بعض القوى الإقليمية والدولية تسعى إلى استغلال هذا التنوع من خلال إذكاء الخلافات وتأجيج النعرات الطائفية والمذهبية خدمة لأجنداتها التوسعية. وشدد على ضرورة حماية النسيج المجتمعي من هذه المحاولات والحفاظ على الهوية الوطنية الجامعة لكل العراقيين بعيداً من الانقسامات والانتماءات الفرعية.
دبلوماسية الحياد الإيجابي
وعن فرص العراق في أن يكون وسيطاً لحل الصراعات، لا ضحية لها، أوضح الأعرجي أن العراق تبنى بعد عام 2021 نهجاً دبلوماسياً جديداً عرف بـ'الحياد الإيجابي'، وهو يقوم على التقريب بين الفرقاء من دون الانحياز لأي طرف.
وأضاف أن هذا التوجه المتوازن تمثل في سياسة الحكومة الحالية التي تسعى إلى جعل المصلحة الوطنية والأمن القومي على رأس الأولويات، وتعمل على تحييد العراق عن أي استقطاب سياسي أو عسكري في المنطقة. ويؤكد أن العراق بعد ما مر به من حروب وحصار وعدم استقرار، لا يمكنه أن يتحمل الدخول في أزمات جديدة، بل هو يسعى إلى أن يكون مركز توازن إقليمياً وداعماً لحلول سلمية تعود بالنفع على الشعب العراقي والمنطقة بأكملها.
كيف تنظر الأحزاب الكردية؟ وما هي استراتيجيتها للحفاظ على استقرار الإقليم ومنع انجراره إلى هذه الصراعات؟
عبرت الباحثة السياسية في الشأن الكردي والملف الإيزيدي لمى لازكين باراني عن مخاوفها قائلة 'هناك وعي متزايد داخل معظم الأحزاب الكردية بأن الاستقطاب بين القوى الإقليمية مثل إيران وتركيا من جهة، والولايات المتحدة وبعض الدول الغربية من جهة أخرى يجعل من العراق أرضاً رخوة وقابلة للاختراق، بما في ذلك إقليم كردستان، فضلاً عن أن إقليم كردستان يقع عند تقاطع المصالح والنفوذ، وله حدود مع كل من إيران وتركيا، مما يجعله عرضة لضغوط مباشرة من هاتين الدولتين، سواء عبر القصف الحدودي أو الضغط السياسي والاقتصادي. وتستحضر الأحزاب الكردية باستمرار دروس ما بعد 2003، وما تبعها من تدخلات متداخلة، وتعلمت أن الحياد الإيجابي وعدم الانحياز الصريح لأي محور إقليمي، هما الخياران الأكثر واقعية'.
وبررت باراني قائلة إن الإقليم الكردي يسير في حقل ألغام إقليمي، ويدرك أن الحفاظ على استقراره يتطلب مزيجاً من التوازن الإقليمي والتحصين الداخلي والتنسيق مع بغداد والدعم الدولي. والاستراتيجية الكردية الراهنة ليست الخروج من الصراع فحسب، بل منع أي محاولة لجره إليه عبر أدوات دبلوماسية وأمنية وعقلانية في اتخاذ المواقف.
أما عن المخاوف من تحول العراق إلى ساحة تصفية حسابات إقليمية، ردت باراني 'نعم، يمكن للعراق في ظل الظروف الراهنة أن يتحول فعلياً إلى ساحة لتصفية الحسابات الإقليمية والدولية، بل إن هذا التحول بدأ فعلاً منذ أعوام ويتفاقم تدريجاً. فالدولة العراقية ما زالت تعاني ضعفاً مؤسساتياً وسيادياً، بخاصة فيما يتعلق بالسيطرة على الحدود والمجال الجوي، وفي ظل وجود جماعات مسلحة خارج إطار الدولة لها ارتباطات إقليمية، وهذا الضعف يجعل العراق مساحة مفتوحة لتدخلات القوى الإقليمية الكبرى مثل إيران وتركيا والولايات المتحدة وغيرها'.
وأضافت 'نعلم أن إيران تمتلك نفوذاً عسكرياً وسياسياً كبيراً في العراق عبر فصائل مسلحة وحلفاء سياسيين، والولايات المتحدة تحتفظ بقواعد عسكرية ونفوذ استخباراتي وهي تواجه إيران بصورة غير مباشرة في العراق. كما تنفذ تركيا عمليات عسكرية دورية في شمال العراق (بخاصة ضد حزب العمال الكردستاني)، وتعتبر المنطقة الشمالية ذات أهمية استراتيجية لأمنها القومي'.
كذلك الانقسام السياسي والمجتمعي العميق بين المكونات الشيعية والسنية والكردية، وأحياناً داخل كل مكون نفسه، يضعف قدرة العراق على تقديم موقف موحد تجاه أي تدخل خارجي. بعض الفصائل ترى في نفسها 'أذرعاً إقليمية أكثر من كونها جزءاً من الدولة العراقية، مما يجعل البلاد عرضة لمعارك الوكالة'.
وخلصت باراني 'لن يتمكن العراق من تعزيز سيادة الدولة ما لم يحصر السلاح بيد الدولة وينأى بنفسه عن محاور الصراع الإقليمي ويعمل على تحقيق توافق داخلي بين القوى السياسية والمكونات، وإلا سيبقى عرضة، بل وسيزداد انتظاماً كساحة لتصفية الحسابات الإقليمية والدولية، والذي يحمل أخطاراً كبيرة على وحدة البلد واستقرار المنطقة ككل'.
إن كانت المخاوف من تحول العراق إلى ساحة لتصفية حسابات إقليمية ودولية مبررة، كيف يتعامل الإعلام الكردي المستقل مع هذه الهواجس مقارنة بالإعلام الحزبي أو الرسمي؟
أجاب الصحافي الكردي المستقل دلوفان برواري قائلاً إن ما يحدث من صِدَام بين إسرائيل وإيران حدث غير مسبوق، بخاصة بعد تحولها لحرب مفتوحة على كافة الاحتمالات، بالتالي من الصعب توقع السيناريوهات لتعددها واختلافها مع أي تطور لهذه الحرب، لا سيما أن قواعد الاشتباك التي كان متفقاً عليها بين إيران وإسرائيل انتهكت، ولم يبقَ أي التزام بها.
ولم يستبعد برواري 'انتقال الصراع إلى العراق مع أي تحرك متهور من الفصائل المسلحة، مما يمنح مبرراً لإسرائيل لاستهداف بغداد، لا سيما أن كثيراً من الفصائل ليست لديها استراتيجية المصلحة المتقدمة للبلد، أي العراق'.
وبحسب برواري 'يسود على الإعلام العراقي بصورة عامة، والكردستاني بضمنه، الطابع الحزبي الصريح، بالتالي من البديهي أن يتعامل هذا الإعلام مع الحدث بمقاربة عاطفية واضحة، لذا تلاحظ انقسام الإعلام العراقي بين مهلل لهذا الطرف أو ذاك من دون أي اعتبار لتأثير هذا الحدث وتطوراته على مصالح العراق والعراقيين، بل هو ينشر فقط ما يحب جمهوره سماعه من دون مراعاة لأي معايير مهنة أو حرفية عمل'.
وتبقى بعض المؤسسات الإعلامية الصغيرة المستقلة التي تكاد تضيع بين تلك الحزبية الكبيرة بموازناتها الضخمة من مال سياسي، بلا أي دور واضح.
رؤية الشعب: نريد وطناً
الشارع العراقي دائماً ما يعبر عن رفضه لتحول بلاده إلى ساحة صراع، ووفق الإعلامية والشاعرة علياء المالكي 'يشكل العراق بحكم موقعه الجغرافي الاستراتيجي أهمية بارزة في المنطقة، إذ يمثل معبراً لحضارات عدة بتاريخها وعقائدها وسياساتها وعلاقاتها المتشابكة. ونتيجة لذلك، بات العراق ميداناً مفتوحاً لتقاطع الأجندات الإقليمية والدولية، التي تسعى كل منها إلى تحقيق مصالحها ومشاريعها الخاصة، ولو على حساب استقراره'.
فعلى رغم البعد الجغرافي لا تزال القوى الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة، تضخ تأثيرها في المنطقة، مما ينعكس نزاعات وصراعات متكررة تزداد تعقيداً في ظل وجود قضية مركزية تلامس وجدان الشعوب كافة، وهي قضية فلسطين. العراق المحاط بجوار مضطرب يجد نفسه دائماً في قلب هذه التوترات، إما كطرف معني مباشرة أو كساحة لتصفية الحسابات.
من هنا، لم يعد مقبولاً أن يظل العراق متفرجاً على ما يدور حوله، وهو الذي كان وما زال هدفاً مشتركاً في حسابات عديد من القوى. لقد اعتاد أن يكون مسرحاً لمعارك تتجاوز حدوده الجغرافية، فيما تلوح في الأفق أخطار لتحول هذه المعارك إلى نزاعات إقليمية موسعة إن جرى استهدافه مجدداً.
ويعتبر العراقيون الذين يحلمون بالاستقرار كحق بديهي أسوة بباقي الشعوب أن الحل يكمن في تعزيز القرار الوطني وحصر السلاح بيد الدولة وتحقيق توافق داخلي يمنع الانزلاق في صراعات لا تخدم مصالح العراقيين.