اخبار العراق
موقع كل يوم -اندبندنت عربية
نشر بتاريخ: ١٩ تشرين الثاني ٢٠٢٥
تجاذبات 'البيت الشيعي' قد تعطل حسم اسم رئيس الوزراء المقبل وطهران وواشنطن تتقاسمان حدود التأثير
مع إعلان نتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة في العراق، بدا المشهد السياسي وكأنه يعود إلى سيناريو ما بعد انسحاب التيار الصدري في عام 2021، مع تضخم تمثيل كتل 'الإطار التنسيقي للقوى الشيعية' وتراجع القوى المدنية غير المسبوق، وانحسار تأثيرها، وهو الأمر الذي أدى إلى إفراغ الساحة تقريباً أمام القوى الشيعية التقليدية، وفي مقدمتها 'الإطار التنسيقي' الذي نجح في توسيع حضوره عبر قوائم متعددة.
ولعل ما يسهل من مهمة 'الإطار التنسيقي' خلال هذه المرحلة هو عدم حصول قائمة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، على غالبية مريحة تتيح لها تشكيل تحالفات تبتعد من القوى التقليدية الموالية لإيران، الأمر الذي يفتح الباب أمام تساؤلات كبرى حول آليات تشكيل الحكومة المقبلة، وما إذا كانت واشنطن قادرة على ضبط إيقاع التأثير الإيراني في الداخل العراقي، أو التماهي معه.
ويولد الواقع الذي أفرزته نتائج الانتخابات الأخيرة عدة أسئلة مركزية، لعل أبرزها ما يتعلق بالأدوات التي تمتلكها واشنطن في محاولاتها كسر معادلة حكم حلفاء طهران، وما إذا كان التمثيل البرلماني لـ 'الإطار التنسيقي' يجعل المشهد أكثر تعقيداً أمامها.
ويبدو أن غياب التيار الصدري، الذي يعد القوة الشيعية الوحيدة التي كانت قادرة على خلق توازن داخل 'البيت الشيعي'، قد فتح الطريق، إلى حد ما، أمام الإطار لتعزيز موقعه المهيمن داخل أروقة السلطة في البلاد، إلا أن هذا الأمر، بحسب مراقبين، سيكون محفوفاً بكثير من الأخطار، خصوصاً مع تهديدات واشنطن المتزايدة وتصريحات مبعوثها الجديد مارك سفايا في أكثر من مناسبة بخصوص عدم قبول وصول المسلحين الموالين لإيران للسلطة في العراق.
وفي سياق التفاهمات الأولية الجارية داخل 'البيت الشيعي' حول تشكيل الحكومة المقبلة، كشفت مصادر سياسية رفيعة لـ'اندبندنت عربية' أن إيران 'لا تزال تميل إلى دعم ولاية ثانية للسوداني'، باعتباره خياراً يوفر مساراً أقل تصعيداً مع واشنطن، ويضمن لطهران الحفاظ على نفوذها من دون الدخول في مواجهة مباشرة. لكن المصادر أكدت أن هذا التوجه 'يواجه رفضاً واضحاً من بعض قادة الفصائل المسلحة' الذين تراكمت بينهم وبين السوداني خلافات حادة خلال العام الأخير، لا سيما في الملفات الأمنية والاقتصادية. وأشارت إلى وجود معارضة ملحوظة داخل الإطار وميل لاختيار شخصيات جديدة مع محاولات لفرض اشتراطات على المرشحين المحتملين بـ'عدم الدخول في الانتخابات المقبلة' لدرء تكرار سيناريو محمد شياع السوداني مرة أخرى.
ولعل أبرز الجهات المعترضة داخل 'الإطار التنسيقي' هو 'ائتلاف دولة القانون' وزعيمه نوري المالكي، الذي يبدو، بحسب وصف المصادر، 'الأكثر نشاطاً داخل الإطار لعرقلة تجديد الولاية'، سواء عبر الدفع بمرشح بديل، أو عبر المناورة في مسألة الكتلة الأكبر. ولفتت المصادر الانتباه إلى أن الأجواء داخل 'الإطار التنسيقي' تدرك حجم خطورة التصادم مع ما تريده واشنطن وهو الأمر الذي يدفعها إلى 'التفكير بمرشحين لا يتقاطعون مع الإرادة الدولية'. وقالت إن ملامح الاتفاق حول رئيس الوزراء المقبل 'لم تتبلور بعد'، وإن القوى الشيعية لا تزال في مرحلة جس النبض، من دون اتفاق نهائي على مرشح أو تحالف يقود الحكومة.
في المقابل، رأى السياسي العراقي ليث شبر، أن تضخم تمثيل 'الإطار التنسيقي' في انتخابات 2025، لا يعني بالضرورة 'تعزيز نفوذه داخل الدولة'، بل سيضعه أمام 'مسؤولية أكبر وهشاشة أعلى داخل بنيته'. وقال إن النظام السياسي في العراق 'لم يعد يدار بالغالبية العددية'، وإنما بـ'تقاطعات المصالح وموازين القوى داخل مؤسسات الدولة، والمعادلة الإقليمية – الدولية التي لا تزال تتحكم بالقرار السيادي العميق'. ولفت إلى أن الولايات المتحدة، مثل إيران، تدرك أن النفوذ الحقيقي لا يرتبط بعدد المقاعد، بل بـ'مدى القدرة على إعادة إنتاج شرعية إدارة الدولة'، مشيراً إلى أن 'الشرعية داخل الإطار تتعرض للتآكل، وأي خلل في الأداء سيتحول إلى عبء كامل على كتفه'. وعد أن المرحلة المقبلة لن تُحسم بـ'من يملك تمثيلاً أكبر'، بل بـ'من يستطيع الحكم من دون تفجر الأوضاع'.
وعن أدوات واشنطن بعد تراجع أثر العقوبات، أوضح شبر أن صانعي القرار داخل الإدارة الأميركية باتوا يعتمدون ثلاث مقاربات رئيسة، تتعلق الأولى بـ 'فرض معايير مالية وإدارية صارمة داخل مؤسسات الدولة، ما يجعل أي مؤسسة غير منضبطة عبئاً على النظام السياسي'.
أما المقاربة الثانية فتتعلق بصياغة معادلة أمنية وسياسية جديدة، عبر تفاهمات مع قوى داخل الإطار نفسه ومع شخصيات تريد الخروج من سطوة 'الميدان'، في حين تتمثل المقاربة الثالثة في 'استثمار الضغط الشعبي العراقي الذي يطالب بدولة طبيعية ومؤسسات لا تخضع للمصالح الفصائلية'، وهو ما يراه شبر 'الأداة التي لا يملكها إلا العراقيين ما يعقد الطريق أمام أي مشروع خارجي من دون غطاء داخلي'.
ونوه إلى أن الانقسامات داخل 'الإطار التنسيقي' باتت أعمق من الخلافات التكتيكية، مبيناً أن 'الإطار لم يعد مشروعاً واحداً بل عدة مشاريع متصارعة، ففي حين تسعى الأجنحة الميدانية إلى ضمانات للبقاء، تريد الأجنحة السياسية هامشاً أوسع للحركة، أما الأجنحة الاقتصادية فتبحث هي الأخرى عن وسائل لحماية مصالحها'. وفي ما يتعلق بقدرة واشنطن على مواجهة النفوذ الإيراني، رأى شبر أن طهران نفسها باتت تدرك أن 'فائض النفوذ الذي راكمته بعد 2014 تحول إلى عبء، وأن استدامة الصدام مع المجتمع العراقي لم تعد ممكنة'، في حين تدرك واشنطن أن 'القوة الخشنة لم تعد مجدية، وأن أي تغيير حقيقي يجب أن يأتي من الداخل العراقي'. وختم حديثه بالقول إن مرحلة 2025-2029 ستكون مقدمة لـ 'إعادة تعريف النفوذ'، معبراً عن اعتقاده بأن 'الطرف الذي يمتلك مشروع الدولة هو الذي سيحدد شكل السلطة في الأعوام المقبلة'.
وأشار مجمل القراءات إلى أن 'الإطار التنسيقي' على رغم كونه يتصدر المشهد البرلماني، لكنه يدخل مرحلة جديدة لا يُقاس فيها النفوذ بعدد المقاعد، بل بقدرته على الحكم تحت ضغط خارجي وداخلي متشابك.
ولا يبدو أن واشنطن تسعى لكسر نفوذ الإطار وإبعاده بالكامل، بقدر ما تسعى إلى إعادة تنظيمه ضمن معادلة أكثر توازناً، أما طهران فيبدو أنها لم تعد قادرة على تأمين غطاء يحصّن حلفاءها كما في السابق، وهو الأمر الذي بدا واضحاً في كل مناطق نفوذها في الشرق الأوسط خلال العامين الأخيرين.
وفي المسافة بين الطرفين، يبدو أن العراق بات يتحرك نحو مرحلة جديدة عنوانها إعادة تعريف النفوذ لا استبداله، وصياغة قواعد جديدة لإدارة الملفات السياسية والاقتصادية الحساسة.
وقال الكاتب والمحلل السياسي مصطفى ناصر إن المشهد السياسي العراقي دخل مرحلة جديدة تتقدم فيها عوامل الضغط الخارجي على حساب التوازنات الداخلية، مبيناً أن الحجم الذي ناله الإطار في البرلمان 'لا يعني امتلاكه زمام القرار'، لأن البيئة الإقليمية والدولية تغيرت على نحو يجعل أي كتلة سياسية في العراق رهينة اعتبارات أوسع من مجرد الأرقام. وذكر أن الإطار، على رغم حصده عدداً كبيراً من المقاعد، سيبقى 'خاضعاً للإرادة الدولية والتأثيرات الخارجية'، مضيفاً أن 'واشنطن ستفرض على الزعامات ما تريد إملاءه، وستعاقب كل من يخالف هذا الرأي'.
ويبدو أن فهم طبيعة المرحلة المقبلة في العراق يرتبط بشكل مباشر بـ 'تراجع الدور الإيراني'، كما عبّر ناصر، الذي يلفت إلى أن طهران 'تكتفي الآن بالتمويل المالي الذي تحصل عليه من الفصائل لإسناد اقتصاد يمر بانهيار واضح'.
وبحسب ناصر، فإن هذا الفراغ الذي تركه التراجع الإيراني 'يفتح الباب واسعاً أمام تأثير أميركي أعمق'، وهو تأثير لا يحتاج إلى وجود عسكري أو عمليات مباشرة، بل يعتمد في جوهره على 'التحكم بالعصب المالي للدولة العراقية'.
وتتلخص أدوات واشنطن خلال المرحلة المقبلة بـ 'المال والنفط والاقتصاد والعقوبات'، إذ أشار ناصر إلى أن صانعي القرار السياسي في العراق يدركون أنه 'بمجرد إيقاف تمويل الاقتصاد العراقي بالدولار سينهار الاقتصاد، وسيحفز ذلك موجة احتجاجات هائلة إذا لم تستطع الحكومة تمويل رواتب الموظفين، خصوصاً في ظل ارتفاع منسوب السخط الاجتماعي'.
ويبدو أن هذا الواقع يمنح الولايات المتحدة 'قدرة واسعة على إعادة تشكيل سلوك القوى السياسية في العراق'، بما فيها قوى الإطار ذاته، وهنا بيّن ناصر أن أمام الرئيس الأميركي دونالد ترمب فرصة لإذاقة 'الإطار التنسيقي ثلاثة أعوام من الجحيم في ظلّ انكفاء الدور الإيراني'.
وختم بالإشارة إلى أن الخريطة السياسية التي أفرزتها الانتخابات 'لا تزال غير واضحة'، وأن الأيام المقبلة ستشهد، على الأرجح، تغييرات كبيرة في مواقع القوى، سواء داخل الإطار أو داخله الحكومة المقبلة.
ويبدو أن الطريقة التي تعاطت بها واشنطن مع نتائج الانتخابات العراقية، على رغم فوز 'الإطار التنسيقي' وتوسع نفوذه داخل البرلمان، تعكس مقاربة مختلفة عما كان يُتوقع، إذ تتجه إلى التعامل مع الأدوات الموجودة ومحاولة ضبط مسارها ضمن حدود لا تتجاوز ما تعده المصالح الحيوية للولايات المتحدة في ملفات السياسة الخارجية والاقتصاد وأمن المنطقة.
وجاء تصريح وزارة الخارجية الأميركية ليقدم مؤشراً على ملامح التعاطي المقبل، إذ قالت في بيان إن 'الأحزاب الفائزة في الانتخابات البرلمانية العراقية تمتلك الوكالة السيادية لتشكيل الحكومة المقبلة'، مؤكدة في الوقت نفسه استمرار دعمها للعلاقة الثنائية مع بغداد على أساس المصالح المشتركة.
هذا البيان المقتضب على رغم عدم تطرقه لأي تفاصيل كبرى، يعطي تصوراً بأن الولايات المتحدة ستتعاطى مع ما تقرره الكتل البرلمانية شريطة عدم تجاوز الحكومة المقبلة الاشتراطات الأميركية، خصوصاً ما يتعلق بمنع الانخراط في أي محاور إقليمية يمكن أن تُمثل تهديداً لمصالح واشنطن، فضلاً عن ملفات أخرى ترتبط بالاقتصاد والاستثمارات وضبط المسار المالي للبلاد.
في السياق، قال الباحث في الشأن السياسي، حميد حبيب، إن نتائج الانتخابات لا تترك مجالاً للشك في أن 'الإطار التنسيقي' أصبح 'الرابح الأكبر'، ليس فقط من حيث عدد المقاعد، بل من حيث 'إمكانيته على تنظيم التحالفات وتوجيه مسار مفاوضات تشكيل الحكومة المقبلة'. وأوضح أن القائمة التي يتزعمها السوداني على رغم صعودها، إلا أنها 'لا تمتلك الغالبية الكافية لتحديد شكل الحكومة المقبلة'، وهو الأمر الذي سيدفعها إلى 'الائتلاف مع كتل متعددة'، ما يمنح الإطار نفوذاً مضاعفاً.
وعلى رغم أن فوز قوى 'الإطار التنسيقي' بتمثيل كبير داخل البرلمان، وهو أمر لا تفضله واشنطن، رجح حبيب أن حلفاء طهران 'لن يغامروا بالدفع بمرشحين يصطدمون مع الخارج'، ما يجعل كفة 'الشخصيات المعتدلة' تميل لتكليفها بإدارة المرحلة المقبلة. وأكد أن 'الهاجسين الاقتصادي والعسكري سيبقيان حاضرين بقوة في خطوات تشكيل الحكومة المقبلة، وما يمكن أن يتعرض له العراق في حال استعداء واشنطن في ظل إدارة ترمب'، خاتماً حديثه بقوله إن الأطراف المعنية بتشكيل الحكومة المقبلة ستكون 'أكثر واقعية'، وهو ما يرجح ذهابها نحو 'مرشح تسوية مقبول من قبل القوى الدولية'.






































