اخبار العراق
موقع كل يوم -اندبندنت عربية
نشر بتاريخ: ١ تشرين الثاني ٢٠٢٥
تزداد ملوحة التربة بسبب الطقس الجاف والقاسي مما يلحق الضرر بالآثار التاريخية
يدق المسؤولون العراقيون ناقوس الخطر لإنقاذ آثار مهد الحضارات، حيث يواجه تاريخ يمتد لآلاف الأعوام خطر الاندثار بسبب التآكل الناتج من تغير المناخ الذي يهدد المدن القديمة في جنوب العراق.
وتزداد ملوحة التربة بسبب الطقس الجاف والقاسي مما يلحق الضرر بالآثار التاريخية في أطلال مدن مثل أور، مسقط رأس النبي إبراهيم، وبابل التي كانت في الماضي عاصمة لإمبراطوريات عظيمة.
وتنخر رواسب الملح الطوب اللبن الذي يشكل 'مقبرة أور الملكية' التي اكتشفها عالم الآثار البريطاني السير ليونارد وولي في عشرينيات القرن الماضي، وهي الآن معرضة لخطر الانهيار.
وقال المفتش في دائرة الآثار بذي قار الدكتور كاظم حسون إن 'هذه الأملاح ظهرت نتيجة الاحتباس الحراري، وتغير المناخ أدى إلى تدمير أجزاء مهمة من المقبرة، إضافة إلى أجزاء أخرى في مدينة أور الأثرية'، مضيفاً أن 'هذه التغيرات المناخية أو التطرف المناخي يعمل حالياً على إنهاء جميع المباني الموجودة في مدينة أور نتيجة ما تتعرض له من ملوحة ومياه جوفية، إضافة إلى حرارة شديدة وجفاف عام'.
وأوضح حسون أن 'هذه الأملاح ستتسبب في انهيارات تامة لجميع اللبن (الطوب اللبن) في هذه المقبرة، لأن اللبنة تتآكل مع مرور الزمن نتيجة الأملاح وتؤدي إلى وجود خسفات، وهذه الفتحات يمكن أن تؤدي إلى الانهيار المفاجئ للمبنى'.
وتسببت بالفعل الكثبان الرملية في تدهور الجانب الشمالي من زقورة أور، وهو معبد هرمي ضخم مدرج كرس قبل أكثر من 4 آلاف عام لإله القمر نانا، وقال عالم الآثار في دائرة الآثار بمحافظة ذي قار، حيث تقع مدينة أور، عبدالله نصرالله، إنه 'بدأ اختفاء أجزاء من الطبقة الثانية في زقورة أور وخصوصاً الارتفاع الأصلي للزقورة، وهي بحسب ما يذكر كانت 27 متراً وحالياً 17 متراً، حيث بدأ التآكل في الطبقة الثانية على رغم أن الطبقة الثالثة متآكلة بسبب عوامل جوية وتغيرات مناخية، لكن بدأ التآكل في الطبقة الثانية من الزقورة'، مضيفاً أن 'الرياح الشمالية هي العامل الأساس والأول في تآكل أجزاء البناء، خصوصاً أن هذا الشيء نشاهده في دبلة الماخ والمقبرة الملكية وزقورة، بخاصة الجزء الشمالي من الزقورة الذي يتآكل بسبب أن المناطق المطلة على الجهة الشمالية مناطق كثبان رملية، وهذه الكثبان الرملية والرياح تصير على شكل غبار ورياح وتسبب التآكل في الأجزاء الشمالية من البناء'.
ولا يزال هذا المعبد المهيب المدرج على قائمة 'منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة' (يونيسكو) للتراث العالمي أحد أفضل الأدلة المصانة للعمارة القديمة في بلاد ما بين النهرين، ويعرض لمحة عن الممارسات الدينية والطقوس المقدسة للإمبراطورية السومرية، حيث ازدهرت إحدى أوائل حضارات العالم.
ويواجه العراق ارتفاعاً في درجات الحرارة وموجات جفاف شديدة زادت مستويات الملوحة في جنوبه، حيث يلتقي نهرا دجلة والفرات العظيمين عند اقترابهما من الخليج، وفي أعالي نهر الفرات تتعرض المواقع الأثرية لبابل القديمة لخطر أيضاً، وصرح المدير العام لوزارة الثقافة والسياحة العراقية الدكتور منتصر الحسناوي بأن هذه المواقع في حاجة ماسة إلى الاهتمام والترميم، لكن نقص التمويل لا يزال يشكل تحدياً.
وتهدد مستويات الملوحة العالية في مدينة بابل التاريخية المواد الطينية المستخدمة في بناء الأبنية القديمة، والتي لا تزال الرسومات السومرية المتقنة واضحة عليها، وأشار الحسناوي إلى أن هذه المواد جرى استخراجها مباشرة من الأرض التي كانت معدلات الملوحة فيها قليلة ذلك الوقت، وهو ما كان من المفترض أن يجعلها أقل عرضة لتغير المناخ، لكن ممارسات الترميم غير الصحيحة خلال العقود السابقة جعلت الأبنية القديمة أكثر عرضة للخطر، وأدى ارتفاع معدلات الملوحة إلى الحاجة لإعادة ترميم ما جرى إفساده.
وصرح الحسناوي بأن 'الذي حدث هو المعالجات الخاطئة لها خلال العقود السابقة، ولا سيما ثمانينيات القرن الماضي، فباتت أكثر عرضة للتأثر بالتغييرات المناخية مما يستدعي إعادة الترميم الصحيح'.
وعانى العراق بالفعل عقوداً من الحروب التي هددت معالمه التاريخية، فمن الحرب مع إيران في الثمانينيات إلى حرب الخليج في أوائل التسعينيات والغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003 وما تلاه من موجات عنف، إضافة إلى صعود 'داعش' وسقوطه، لكن أحدث تحد يواجه العراق حالياً هو التغير المناخي الذي يبدل النظام البيئي بأكمله في البلاد ويعرض المستقبل الزراعي للخطر، ويهدد كذلك بصمة العراق التاريخية.
وقال الحسناوي إن 'المشكلة الآن أن التملح يزيد في المياه السطحية وبالتالي المياه الجوفية، وسيؤثر التملح الأرضي الذي سيزداد تركيزه، وبالنتيجة فقد يعمل على اندثار كثير من المدن التي لا تزال تحت التراب'، مضيفاً أن 'هذه الآثار بمجملها تستدعي دق ناقوس الخطر والانتباه لها، وأيضاً حل المشكلات المتعلقة بترميمها والتنقيب عنها، ولا سيما نقص التمويل الخاص بها، وأيضاً استثمار فسحة الأمان التي يتمتع بها العراق الآن لجذب مزيد من البعثات الأجنبية التي تحافظ على هذه الآثار'.






































