اخبار مصر
موقع كل يوم -الرئيس نيوز
نشر بتاريخ: ٣١ تشرين الأول ٢٠٢٥
شهدت الحرب السودانية تصعيدًا دمويًا غير مسبوق، وسط آلاف التقارير عن مجازر مروعة في مدينة الفاشر بدارفور، حيث قُتل أكثر من ٤٦٠ شخصًا داخل مستشفى للولادة على يد قوات الدعم السريع، وفقًا لما نقلته شبكة «إيه بي سي نيوز» الأسترالية. وبينما كانت الجثث تُترك في الشوارع، وتُحرق الأسواق، وتُقصف الأحياء المدنية، بدا أن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تتراجع تدريجيًا عن الانخراط في هذا الملف، رغم الدعوات المتزايدة من مشرعين أمريكيين للتدخل.
وكشفت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية أن مدينة الفاشر، التي كانت آخر معقل للجيش السوداني في غرب دارفور، خضعت لحصار قاسٍ دام ١٨ شهرًا من قبل قوات الدعم السريع، تخلله مجازر وجرائم مروعة، ومجاعة كاملة، وانقطاع تام للمساعدات الإنسانية، حيث اضطر السكان إلى تناول أعلاف الحيوانات والأعشاب وقشور الفول السوداني للبقاء على قيد الحياة، وسط تجاهل دولي شبه كامل.
إدارة ترامب تتجاهل نداءات الكونجرس
في تقرير نشرته شبكة «إيه بي سي نيوز»، عبّر أعضاء من الحزبين الجمهوري والديمقراطي عن قلقهم العميق من 'فظائع لا توصف' ترتكبها قوات الدعم السريع، مطالبين إدارة ترامب باتخاذ موقف حازم. لكن البيت الأبيض لم يصدر أي بيان رسمي، واكتفى بإحالات دبلوماسية عامة، ما اعتبره مراقبون 'تخليًا ضمنيًا عن الملف السوداني'. هذا التراجع يأتي رغم أن السودان يشهد واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم، حيث تجاوز عدد النازحين داخليًا ٧ ملايين شخص، بحسب تقديرات الأمم المتحدة.
مباركة الطرفين لترامب: دلالة على غياب الضغط الأمريكي
اللافت أن إعلان فوز ترامب في الانتخابات الرئاسية الأخيرة قوبل بترحيب علني من طرفي النزاع: الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي). ووفقًا لتحليل نشره مركز «ويلسون» الأمريكي، فإن هذا الترحيب يعكس إدراكًا لدى الطرفين بأن واشنطن لن تمارس ضغوطًا حقيقية لوقف الحرب، خاصة في ظل انشغال إدارة ترامب بملفات داخلية، مثل الإغلاق الحكومي، والصراع مع الكونغرس.
كما أشار التقرير إلى أن غياب الموقف الأمريكي الفاعل يفتح المجال أمام قوى إقليمية ودولية للتدخل، مثل مصر والإمارات اللتين تدعمان أطرافًا متباينة في النزاع، والصين وروسيا اللتين تسعيان لتعزيز نفوذهما في البحر الأحمر. هذا التداخل الدولي يعقّد فرص الحل، ويحوّل السودان إلى ساحة صراع بالوكالة، في ظل غياب مظلة دبلوماسية أمريكية فعالة.
فرصة ضائعة في قمة الخليج: ترامب يتجاهل السودان
في مايو ٢٠٢٥، وخلال قمة أمريكية-خليجية في الرياض، ناشدت منظمات حقوقية الرئيس ترامب استغلال حضوره للضغط على السعودية وقطر والإمارات من أجل وقف دعمها للأطراف المتحاربة في السودان. لكن، كما ورد في رسالة مفتوحة نشرتها مؤسسة «هيومينا» الحقوقية، لم يُطرح الملف السوداني في الجلسات الرسمية، ولم يصدر أي بيان مشترك بشأنه، ما اعتُبر تفويتًا لفرصة دبلوماسية نادرة.
الرسالة، التي وُجهت أيضًا إلى وزير الخارجية ماركو روبيو، شددت على أن 'الولايات المتحدة تمتلك نفوذًا حاسمًا في الخليج، لكنها اختارت الصمت'، في وقت كانت فيه قوات الدعم السريع تقصف الأسواق في دارفور، وتستهدف المدنيين في الخرطوم وأم درمان.
أزمة إنسانية تتفاقم: غياب القيادة الدولية
مع استمرار القتال، تتدهور الأوضاع الإنسانية بشكل كارثي. فبحسب تقارير الأمم المتحدة، هناك انهيار شبه كامل في النظام الصحي، وانتشار واسع للأوبئة، وانعدام للأمن الغذائي في معظم مناطق البلاد. ومع ذلك، لا تزال الاستجابة الدولية محدودة، وسط غياب قيادة أمريكية كانت تاريخيًا تلعب دورًا محوريًا في إدارة الأزمات الإفريقية.
ويرى محللون بمجلة «فورين أفيرز» الأمريكية أن تراجع واشنطن عن الملف السوداني لا يعكس فقط تغيرًا في أولويات السياسة الخارجية، بل أيضًا خللًا في فهم تداعيات الصراع على الأمن الإقليمي، خاصة في ظل قرب السودان من البحر الأحمر، وموقعه الاستراتيجي بين القرن الإفريقي وشمال إفريقيا.
السودان ينزف والعالم يراقب بصمت
في ظل هذا المشهد المروّع، تبدو الحرب السودانية وكأنها تُدار في فراغ دبلوماسي، حيث تتصارع القوى المحلية والإقليمية بلا رادع، وتُرتكب الفظائع دون محاسبة. وبينما يبتعد ترامب عن الملف، ويغيب الضغط الدولي، يبقى الشعب السوداني وحده في مواجهة آلة الحرب، في انتظار صحوة ضمير دولية قد تأتي متأخرة.


































