الوقود المدعم في مصر يملأ "محطات الرصيف" المخالفة

أنشطة غير قانونية لتداول البنزين والسولار في القرى والمناطق النائية خارج المنافذ الرسمية والرقابة غائبة

لا يكترث الرجل الستيني محمد جمعة (اسم مستعار) لكونه يزاول عملاً غير قانوني يتمثل في توفير المواد البترولية من خلال إنشاء ما يعرف بـ'محطة رصيف' في إحدى المناطق النائية بمحافظة الشرقية، إذ يوفر السولار والبنزين في محيط قريته بأسعار تزيد بضعة جنيهات عن السعر الرسمي، مستنداً إلى بعد محطات الوقود المرخصة عن القرية التي يغلب على سكانها الاشتغال بالزراعة.

يعدد جمعة الأسباب التي دفعته إلى العمل بطرق غير قانونية، ولجوئه إلى أساليب ملتوية للحصول على المواد البترولية التي يمنع خروجها من المحطات المرخصة، مبرراً نشاطه المخالف بالقول 'التراخيص والموافقات معقدة، والمحطة المرخصة تتطلب شروطاً ومواصفات تدفعنا إلى هذه الأنشطة المحظورة. اضطررت إلى إنشاء (ترومبة) و(تانك)، ولجأت إلى محطات مرخصة أشتري منها بالسعر الرسمي المدعم، وأدفع جنيهاً على كل صفيحة، ثم أضيف هامش ربح قدره خمسة جنيهات على الصفيحة الواحدة لزبائني. وأحرص على بناء علاقات حتى لا أُرصد من قبل التموين أو الضرائب، أو تحرير محاضر ضدي أو مصادرة الكميات'.

محطات الرصيف

حول المعدات التي يتطلبها منه هذا النشاط، يقول جمعة لـ'اندبندنت عربية'، 'كل ما نحتاج إليه في محطات الرصيف هو أرضية و(ترومبة) وخزان، ومحل يحوي عداد كهرباء لتفادي ملاحقة مباحث الكهرباء. وفي حال ثبوت النشاط وتحرير محضر ضدي، سأضطر إلى دفع ثمن الكمية المصادرة بالسعر الأصلي غير المدعوم في المحكمة'.

ما يقوله جمعة رصدته 'اندبندنت عربية' من خلال البحث في أكوام المحاضر المثبتة والضبطيات التي جرت داخل عدد من المحافظات، والتي تتعلق بعمليات بيع الوقود بطرق غير شرعية داخل أماكن غير مرخص لها بتداول المنتجات البترولية. وأكدت مصادر بوزارة التموين أنهم يرصدون عدداً من هذه المخالفات داخل القرى، خصوصاً في المناطق الزراعية.

وتصاعد النقاش داخل أروقة البرلمان المصري حول التجاوزات في محطات الوقود، إثر ثبوت غش البنزين ووجود عينات غير مطابقة للمواصفات. وخلال الـ20 من مايو (أيار) 2025، قدم عضو مجلس النواب سيد شمس الدين طلب إحاطة في شأن ظاهرة سرقة كميات كبيرة من البنزين داخل المحطات وبيعها في السوق السوداء.

وتساءل شمس الدين 'بعد ثبوت الغش، كيف تتم الرقابة على المحطات؟ ومن المستفيد من البنزين المسروق في السوق السوداء؟ وما هي استخداماته؟ وهل تهرب كميات منه إلى الخارج؟'، مطالباً بتشديد الرقابة على محطات الوقود، وتنفيذ حملات مكثفة ومفاجئة للتأكد من عدم غش البنزين أو سرقته وبيعه خارج القنوات الرسمية، ومحذراً من التقاعس في أداء الدور الرقابي المنوط بالجهات المتخصصة.

خلال ديسمبر (كانون الأول) من العام الماضي، دعا النائب إيهاب رمزي الحكومة إلى تعزيز الرقابة على محطات الوقود في المحافظات والمراكز والأحياء والقرى كافة على مستوى الجمهورية، بهدف منع التلاعب بالمواد البترولية مثل البنزين والسولار، والتي تُسرق من المحطات وتُباع في السوق السوداء. وأشار رمزي ضمن طلب الإحاطة الذي قدمه إلى خطورة تفشي ظاهرة بيع المنتجات البترولية في السوق السوداء.

يشير جمعة الذي لا يزال يمارس نشاطه المخالف إلى أن عدداً من المحطات في المناطق المجاورة تعتمد على نظام 'محطات الرصيف' غير المرخصة، لا سيما في القرى الزراعية، مضيفاً 'نحصل على المنتج من محطة معتمدة ولا نلجأ إلى أساليب ملتوية، بخلاف آخرين يضيفون مواد مشتعلة لزيادة الأرباح، بينما نلتزم نحن باستخدام المواد البترولية من المحطات المرخصة فقط'.

يبرر جمعة قراره بتحويل قطعة الأرض التي كان يجهزها لإنشاء محطة وقود مرخصة إلى مصدر لتوريد المواد البترولية عبر شبكة تهريب داخلية، بقوله إنه أقام محطة على مساحة 1000 متر، وحصل على موافقة هيئة البترول منذ قرابة خمسة أعوام، ومع ذلك لم يتمكن من إنهاء إجراءات الترخيص، على رغم إجراء المعاينات وأعمال التشطيب بسبب نزاع على حيازة جزء من الأرض، ولا يزال يحاول استكمال الموافقات اللازمة، وفق حديثه.

'عملية الترخيص مكلفة للغاية. في السابق كانت اشتراطات الدفاع المدني تكلف نحو 100 ألف جنيه، أما الآن فقد تضاعفت كثيراً، إذ تتطلب توفير طفايات وخط حريق ومتطلبات أخرى. لذا لجأت إلى العمل بصورة غير شرعية نتيجة صعوبة استكمال إجراءات الترخيص. وما زلت أعمل من خلال (ترومبة) واحدة مزودة بمسدسين، أحدهما للسولار والآخر للبنزين'، وفق جمعة.

ولا يخفي صاحب 'محطة الرصيف' المخالفة تحسره على الخسائر التي تكبدها بسبب تعثر حصوله على التراخيص، قائلاً 'لو كنت حصلت على ترخيص لتمكنت من الحصول على المواد البترولية مباشرة من الهيئة التي تمنح عمولة تصل إلى 100 جنيه عن كل ألف ليتر سولار أو بنزين، لكنني، كمحطة رصيف مخالفة، لا أستفيد من هذه العمولة وأعوض ذلك بإضافة زيادة على السعر المدعوم للبنزين أو السولار'.

يقول رئيس شعبة المواد البترولية باتحاد الغرف التجارية حسن نصر إن 11 جهة منوط بها الموافقة على طلب إنشاء محطة وقود من أجل الترخيص، ويترك الأمر للهيئة العامة للبترول للنظر في مدى احتياج المنطقة من عدمه، وتستغرق الإجراءات من عام إلى عام ونصف العام، ولا تقبل الأراضي الزراعية أو التي عليها محاضر.

وبمواجهته وسؤاله عن عمليات بيع الوقود بطرق غير شرعية، رد قائلاً 'لا توجد أية مخالفات تتعلق بخروج البنزين من محطات الوقود إلى أماكن غير معترف بها، لا تحدث هذه الأمور إطلاقاً، وأتحدى وجود أي محضر حيال هذه الوقائع'.

ما يقوله رئيس شعبة المواد البترولية يتنافى مع الواقع على الأرض، إذ رصدنا تحرير محاضر في مناطق متعددة داخل قرى مصرية، ومنها ضبط 1200 ليتر سولار داخل محطة غير مرخصة في مركز منوف بمحافظة المنوفية، وبيعه بسعر أعلى من السعر الرسمي، وتحرير محضر بالواقعة يحمل رقم 12655 جنح مركز منوف، مع التحفظ على الطلمبات والسولار.

ومن بين هذه الوقائع الأخرى، تحرير محاضر عدة ضد أصحاب محطات وطلمبات بالشرقية وإدارتها من دون ترخيص، وتحرير المحاضر رقم 5475 و5476 و5478 و5479 و5480 و5481، وجميعها بمركز الحسينية. ومن حين إلى آخر تعلن الأجهزة المتخصصة عن ضبط سيارات محملة بالسولار والبنزين قبل بيعها في السوق السوداء وتحقيق أرباح غير مشروعة.

شبكة من المتورطين

وعن أسباب قبول بعض المحطات المرخصة ببيع الوقود له، يوضح صاحب محطة الرصيف غير المرخصة محمد جمعة 'المحطة المرخصة توفر لي المنتج، لكنها تضيف جنيهاً واحداً على كل صفيحة، كما أتحمل أجرة السائق، التي تختلف بحسب المسافة التي تقطعها العربة (الجامبو). وأحياناً أضطر إلى الاتفاق مع محطات تقع في مناطق بعيدة مثل القنطرة، وأدفع لها ألف جنيه لتحميل نحو ثمانية أطنان. وأُحمل كل هذه الكلف إضافة إلى فاتورة الكهرباء على الزبائن، فضلاً عن راتب العامل الذي يدير محطة الرصيف، لذا أبيع الوقود بزيادة تقارب خمسة جنيهات على كل صفيحة مقارنة بالمحطات المرخصة'.

وعن الجدوى التي يجدها الزبائن في التردد على محطته، يوضح جمعة أن 'وجود محطات الرصيف بات ضرورياً في الريف، فالمناطق الريفية غالباً تفتقر إلى محطات الوقود القريبة، ويضطر الأهالي إلى قطع مسافات طويلة مما يكلفهم مبالغ إضافية. ولا يعقل أن يدفع أحدهم 40 جنيهاً للوصول إلى محطة مرخصة. لذلك، فإن محطة الرصيف توفر له الخدمة بسعر أعلى قليلاً، لكنها تلبي الحاجة وتقلل من الخسائر، وهي الطريقة التي نعتمد عليها لتحقيق هامش ربح'.

الرئيس السابق للشعبة العامة للمواد البترولية بالاتحاد العام للغرف التجارية حسام عرفات، يعد أن تجارة المواد البترولية عبر 'التانكات' لا تزال قائمة داخل عدد من القرى المصرية، خصوصاً في المناطق البعيدة من محطات الوقود، إذ يلجأ بعض المخالفين إلى تخزين الوقود ثم بيعه لاستخدامات متعددة تشمل تشغيل ماكينات الري والجرارات الزراعية.

وحول مدى شرعية هذه الممارسات، أوضح عرفات لـ'اندبندنت عربية' أن ما يحدث يعد تجارة في المواد البترولية، ولا يجوز إطلاق وصف 'محطة بنزين' على هذه المواقع، لأن هذا المصطلح يقتصر فقط على المنشآت المرخصة من الهيئة العامة المصرية للبترول.

وأضاف أن عملية النقل تتم عبر عربات تعمل بصورة غير قانونية على تحميل الوقود من محطات مرخصة، ثم توزيعه على 'تانكات' غير مرخصة داخل القرى، وإعادة بيعه بصورة غير رسمية.

ظهرت هذه الأنشطة والممارسات غير القانونية بصورة واسعة خلال الفترة بين عامي 2012 و2013، وفق ما ذكر عرفات، حين انتشرت ما عرفت آنذاك بـ'محطات الرصيف' أو 'كوبانية الرصيف'، وهي مواقع أنشأها أفراد داخل مناطق نائية تحوي 'تانكات' ومضخات (ترومبات)، وتحصل على الوقود من محطات قريبة بالمدن.

ولفت إلى أنه خلال تلك الفترة وجد في مصر نحو 8 آلاف محطة رصيف، ومع فتح باب توفيق الأوضاع لم يقبل سوى نحو 2000 محطة فحسب، نظراً إلى صعوبة الاشتراطات المطلوبة. وأضاف أن من بين هذه الاشتراطات ألا تقل مساحة المحطة عن 200 متر مربع ولا تزيد على 500 متر، بينما كانت غالب هذه المحطات لا تتجاوز 40 متراً، وهي مساحة بالكاد تكفي لـ'تانك وترومبة'، لذلك لم تتمكن الغالبية من توفيق أوضاعها.

وقال عرفات 'عدد المحطات التي نجحت في تقنين أوضاعها لا يغطي الحاجات الفعلية، وهو ما فتح المجال لاستمرار التجارة غير الرسمية'، داعياً إلى تعديل بعض القوانين المرتبطة بهذا الملف وعلى رأسها قرار وزير الزراعة رقم 615، الذي يمنع إقامة منشآت على الأراضي الزراعية والذي يستثني 11 نشاطاً فقط من بينها محطات الوقود، بشرط أن تكون المسافة بين المنشأة والأخرى 20 كيلومتراً، وهو ما عده شرطاً تعجيزياً لا يتناسب مع طبيعة التوزيع الجغرافي للقرى.

ويلفت إلى أن المحطات التي لم توفق أوضاعها تعد غير مرخصة في نظر الدولة، مشدداً على أهمية إعادة فتح باب تقنين أوضاع محطات الرصيف، مع مراجعة الاشتراطات الحالية بالتنسيق مع وزارة الزراعة لتيسير إدخال هذه الخدمة إلى المناطق التي تفتقر إلى البنية التحتية الرسمية.

أنشطة غير قانونية

يقول مصدر مسؤول بوزارة التموين لـ'اندبندنت عربية'، إن أية منشأة حكومية يجب أن تمتلك رخصة وبطاقة ضريبية، في ظل انتشار ما يعرف بمحطات الرصيف التي تتكون غالباً من 'ترومبة' واحدة، وتوجد داخل مناطق عدة وغير مرخصة.

ويضيف المصدر أن هذه الأماكن تحصل على بنزين أو سولار من محطة مرخصة، وتنشئ خزاناً من دون موافقات، لهذا تُحرر لها محاضر وتُحتجز الكميات باعتبارها مسروقة كونها مدعومة.

ويتابع أنه يُرصد عددٌ من هذه الوقائع داخل أماكن متعددة ويجري إخطار المحافظة التي تصدر قراراً بغلق أو تشميع المحطة، وهذه المحطات غالباً ما تكون قريبة من مزارع سمكية أو أراض زراعية، أو داخل مناطق لا تتوافر فيها محطات مرخصة. وتُضبط عربات نقل الوقود إذا لم تكن صادرة من الشركة المالكة وتمتلك فاتورة رسمية.

ويؤكد مصدر آخر في الرقابة التجارية بوزارة التموين لـ'اندبندنت عربية'، أن غالبية المخالفات تتعلق بأماكن لا تنتظر إجراءات الترخيص، ويواجه ذلك بتحرير محاضر ضد المخالفين ونقل الكميات المضبوطة من المحطات المرخصة بصورة غير قانونية. ويُحتجز الوقود المضبوط وينتظر حكم المحكمة، بينما تقوم الوزارة بإخطار المحافظة بقطع المرافق عن هذه المحطات مثل المياه والكهرباء.

تظل إجراءات الترخيص النهائي معقدة ومرهقة، بحسب ما يوضح محمد جمعة الذي يسعى إلى توفيق أوضاعه، وتتطلب موافقة جهات تشمل الدفاع المدني ومجلس المدينة إضافة إلى هيئة الاستثمار. ويذكر جمعة أنه أعد الموقع بصورة كاملة وأنشأ مغسلة سيارات بمواصفات مطابقة، وجهز مبنى إدارياً وخزانات وقود، لكن 'الحديد الذي ثبتت عليه (الترومبات) تعرض للصدأ مع مرور الوقت'، مختتماً حديثه قائلاً 'رغبتي أن أسير في المسار الرسمي، وسبق أن فتحوا باب التراخيص لمحطات الرصيف لفترة قصيرة بعد أحداث يناير (كانون الثاني) 2011، ثم أُغلق مجدداً'.