بين واشنطن وبكين.. أستراليا توازن بين الاقتصاد والأمن في لعبة "المعادن النادرة"

في وقتٍ تتصاعد فيه المنافسة العالمية على المعادن النادرة — العمود الفقري للصناعات الحديثة — تبدو أستراليا في موقع استراتيجي فريد يمنحها فرصة لإعادة التموضع في المشهد الجيوسياسي، مستفيدة من التوتر المتزايد بين واشنطن وبكين، ومن التحول الملحوظ في سياسة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تجاه أمن الموارد.

ألبانيزي في واشنطن: مبادرة لتأمين بدائل للهيمنة الصينية

ذكرت نيويورك تايمز أن رئيس الوزراء الأسترالي أنتوني ألبانيزي يستعد لطرح مبادرة واسعة خلال لقائه المرتقب مع ترامب في البيت الأبيض، تقضي بتزويد الولايات المتحدة بإمدادات مستقرة من المعادن النادرة، مستفيدًا من ثروة بلاده المعدنية وخبرتها الطويلة في قطاع التعدين.

وتهدف الخطة إلى تقليص اعتماد الصناعات الأمريكية على الصين، وتعزيز مكانة أستراليا كحليف استراتيجي في مواجهة النفوذ الاقتصادي لبكين.

«فرصة ذهبية» لتعميق التحالف الأسترالي الأمريكي

يرى الخبير الأسترالي إيان ساتشويل أن توقيت التحرك «مثالي»، موضحًا أن التعاون في مجال المعادن يمكن أن يفتح آفاقًا جديدة في مجالات الدفاع والتجارة. وقال إن «المعادن الحرجة أصبحت وترًا جديدًا في قوس التحالف الأسترالي الأمريكي».

وترافق ألبانيزي في الزيارة وزيرة الموارد مادلين كينغ، فيما تلقت شركات التعدين الأسترالية تكليفات بإعداد تقارير فنية لدعم الوفد الحكومي.

أما وزير الخزانة جيم تشالمرز، فقال من واشنطن إن الطلب العالمي المتزايد على هذه المعادن يمثل «فرصة ذهبية حقيقية لأستراليا»، مؤكدًا أن الحكومة عازمة على استثمارها إلى أقصى حد.

المعادن النادرة.. سلعة استراتيجية في لعبة الأمم

تُعدّ المعادن النادرة عنصرًا أساسيًا في الصناعات المتقدمة — من أشباه الموصلات إلى الغواصات النووية — غير أن هيمنة الصين على أكثر من 70% من الإنتاج العالمي جعلت منها أداة ضغط جيوسياسي.

ويستحضر محللون واقعة عام 2010 حين أوقفت بكين صادراتها إلى اليابان على خلفية نزاع بحري، ما دفع طوكيو إلى الاستثمار في شركة تعدين أسترالية لتأمين بدائل مستقرة. ويُرجَّح اليوم أن يتكرر النموذج نفسه ولكن بين واشنطن وكانبيرا.

ملفات أخرى على الطاولة

إلى جانب ملف المعادن، تسعى أستراليا لطرح قضايا أخرى خلال زيارة ألبانيزي إلى واشنطن، منها إحياء اتفاق الغواصات النووية (AUKUS)، وإعفاء صادراتها من الصلب والألومنيوم من الرسوم الأمريكية، وتخفيف الضغوط لزيادة الإنفاق الدفاعي.

لكن ألبانيزي يواجه معضلة حساسة بين الالتزام بالتحالف الدفاعي مع واشنطن وبين اعتماد بلاده الاقتصادي الكبير على الصين التي تستوعب نحو ثلث صادراتها.

وفي السياق ذاته، حذّر وزير الخزانة الأمريكي سكوت بيسنت من احتمال «فك الارتباط الاقتصادي» مع الصين إذا مضت الأخيرة في تقييد صادراتها من المعادن الحرجة، في مؤشر على تصاعد نبرة المواجهة بين القوتين.

معادلة دقيقة بين السياسة والاقتصاد

تقول الباحثة هايلي تشانر من جامعة سيدني إن التحدي أمام ألبانيزي يتمثل في «صياغة اتفاق مغرٍ للولايات المتحدة ومربح لأستراليا في آن واحد»، مشيرة إلى أن الهدف ليس فقط جذب الاستثمار الأمريكي، بل أيضًا منع تسرب الخبرة الأسترالية دون مقابل.

وترى أن التعاون بين البلدين في هذا القطاع يجسد جوهر أهمية التحالفات في عالم متقلب، إذ يشكّل تأمين سلاسل الإمداد الغربية من المعادن النادرة خطوة أساسية لبناء توازن استراتيجي مع الصين.