اخبار مصر
موقع كل يوم -صدى البلد
نشر بتاريخ: ٦ أيار ٢٠٢٥
في الوقت الذي يزداد فيه الاعتماد على المضادات الحيوية في علاج الأمراض، يتصاعد خطر مقاومة البكتيريا لها بشكل ينذر بعواقب صحية واقتصادية خطيرة. هذه القضية لم تعد مجرد شأن طبي، بل أصبحت أزمة صحية عامة تهدد العالم، بما في ذلك مصر، التي تسجل أحد أعلى معدلات استهلاك المضادات الحيوية في المنطقة.
خلال مؤتمر صحفي عقد مؤخرًا، أكد الدكتور علي الغمراوي، رئيس هيئة الدواء المصرية، أن مقاومة المضادات الحيوية تتسبب في ما يقرب من 5 ملايين وفاة سنويًا حول العالم، وهي مشكلة لا تخص الإنسان فقط، بل تمتد إلى الحيوان والبيئة، مما يجعلها أحد أبرز التحديات الصحية في العصر الحديث.
وأشار الغمراوي إلى أن سوق الدواء المصري يُعد من بين الأكبر في المنطقة، حيث تصل قيمته إلى 309 مليارات جنيه، ويضم أكثر من 12 ألف صنف دوائي بإجمالي مبيعات سنوي يتجاوز 407 مليون عبوة. ومن بين كل 100 عبوة دواء، تحتوي 11 عبوة على مضاد حيوي، وهو رقم يعكس الاستخدام الواسع – وأحيانًا المفرط – لهذا النوع من العلاج.
أوضح الغمراوي أن 55% من صرف الأدوية يتم دون إشراف طبي مباشر، ما يعكس خللاً كبيرًا في منظومة الاستخدام الآمن للأدوية.
وأضاف أن مصر تُسجل 31 جرعة مضاد حيوي يوميًا لكل ألف مواطن، وهو ما يعادل نصف إجمالي الاستخدام الدوائي، مما يضعها في قائمة الدول الأعلى استخدامًا لهذه الأدوية.
لمواجهة هذا التحدي، اتخذت هيئة الدواء إجراءات صارمة شملت منع صرف المضادات الحيوية دون وصفة طبية، وتشديد شروط تخزينها، وتقليص عدد العبوات المتاحة في السوق من 240 ألف إلى 33 ألف عبوة فقط خلال العام الجاري.
كما تم تنفيذ أكثر من 15 ألف حملة تفتيش على المصانع والصيدليات لضمان الالتزام بالتعليمات.
ولفت الغمراوي إلى خطر آخر يهدد الصحة العامة، يتمثل في استخدام المضادات الحيوية في قطاع الثروة الحيوانية، مشيرًا إلى أن هذه الأدوية تُباع أحيانًا في محلات عامة أو تُصرف من مزارع مباشرة دون إشراف بيطري، وهو ما وصفه بـ'الكارثة الصامتة'.
وتعمل الهيئة حاليًا بالتنسيق مع منظمة الصحة العالمية لضبط هذا الاستخدام العشوائي.
وفي مداخلة علمية خلال المؤتمر، حذر الدكتور فؤاد هراس، رئيس جامعة طنطا الأسبق وأستاذ أمراض الباطنة، من خطورة استخدام المضادات الحيوية لعلاج العدوى الفيروسية، مؤكدًا أن فعاليتها تقتصر على البكتيريا فقط.
وأشار إلى أن استخدامها في غير موضعها قد يؤدي إلى مقاومة البكتيريا، مما يعقّد علاجها لاحقًا.
كما شدد هراس على أن تناول المضادات الحيوية دون استشارة الطبيب قد يؤدي إلى آثار جانبية خطيرة، مثل اضطرابات في الجهاز الهضمي، أو تفاعلات تحسسية قد تكون مهددة للحياة.
وأضاف أن الاستخدام الخاطئ قد يؤدي أيضًا إلى بقاء البكتيريا حية وتطوير مناعة ضد العلاج، مما يزيد من مدة المرض وتكاليف العلاج.
من النصائح التي قدمها هراس لتفادي هذه المشكلة، ضرورة إتمام الجرعة العلاجية كاملة حتى لو شعر المريض بتحسن، لأن التوقف المبكر قد يؤدي إلى عودة العدوى.
كما نصح بعدم مطالبة الطبيب بوصف مضاد حيوي دون حاجة طبية واضحة، إذ أن بعض المضادات قد تؤثر على أعضاء حساسة مثل النخاع العظمي وعضلة القلب، بل وقد تسبب اضطرابات نفسية مثل الاكتئاب والقلق.
تُعد مقاومة المضادات الحيوية قضية تتطلب تكاتف الجهود بين المؤسسات الصحية والمواطنين، فالمعركة لم تعد مجرد تحدٍ طبي، بل باتت مسؤولية مجتمعية. الالتزام بالتعليمات الطبية، والتعامل بواعي مع المضادات الحيوية، هو السبيل الوحيد لتفادي سيناريو كارثي قد يُفقد الطب أحد أهم أسلحته.