اخبار البحرين
موقع كل يوم -وكالة أنباء البحرين
نشر بتاريخ: ١ كانون الأول ٢٠٢٥
خاص- (بنا)
المنامة في 01 ديسمبر/ بنا /يشكل تعزيز الروابط بين الشعوب وتوطيد التواصل بين مواطني دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية هدفًا أساسيًا في مسيرة عمل المجلس منذ تأسيسه في مايو عام 1981م، والذي تجسّد من خلال ميثاق تأسيس المجلس، والذي أكد على أن فكرة إنشاء المجلس جاءت إدراكًا من الدول الخليجية لما يربط بينها من علاقات خاصة وسمات مشتركة، أساسها العقيدة الإسلامية، وإيمانًا منها بالمصير المشترك ووحدة الهدف التي تجمع بين شعوبها، ورغبتها في تحقيق التنسيق والتكامل والترابط في مختلف المجالات السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والأمنية، والعسكرية، وغيرها.
ومنذ التأسيس وحتى اليوم، لعب مجلس التعاون لدول الخليج العربية دورًا مؤثرًا ومحوريًا في قيادة مسار تقارب الشعوب الخليجية، وجسّد ما تتميز به دول مجلس التعاون من ترابط ثقافي، وديني، واجتماعي، استنادًا إلى ما يجمع بين مواطني دول المجلس من سمات مشتركة، إضافة إلى ما يجمع بينها من وشائج القربى والنسب، الأمر الذي مكنها من تحقيق أهدافها المنشودة، وعزز من مكانة المجلس على الساحة الإقليمية والدولية.
وأثمر هذا الإدراك والفكر الاستراتيجي عن تحقيق مجلس التعاون لدول الخليج العربية العديد من النجاحات والإنجازات، واتخاذ خطوات رائدة وقرارات بناءة عززت وتيرة التنسيق والتقارب بين دوله وشعوبه، حيث ركزت القرارات التي اتخذها المجلس الأعلى في دوراته المختلفة على تحقيق طموح 'المواطنة الخليجية' على أرض الواقع بآليات وسياسات وخطط وإجراءات تنفيذية، واستطاع المجلس أن يحقق طموح التكامل والوحدة والترابط بين الدول الأعضاء في مختلف المجالات، عبر وضع أنظمة موحدة في القطاعات الاقتصادية، والمالية، والتجارية، والتعليمية، والثقافية، والاجتماعية، والصحية، والإعلامية، والسياحية، وغيرها.
وفي هذا الإطار، فقد حظي العمل الاجتماعي باهتمام كبير من مجلس التعاون، حيث وجه المجلس الأعلى في دورته الثالثة والعشرين الهيئة الاستشارية بتقديم مرئياتها حول وسائل تطوير واقع المرأة في دول المجلس، وتأكيد دورها الاقتصادي والاجتماعي والأسري، وأهمية مساعدتها على الاندماج في الحياة الاجتماعية، وحمايتها من العنف بجميع أشكاله، والسعي إلى القضاء على الأمية بين الفتيات والنساء، وتطوير القوانين والأنظمة ذات الصلة بالمرأة بما يتفق مع أحكام الشريعة الإسلامية.
كذلك حرص مجلس التعاون على الاهتمام بالطفولة والنهوض بها، حيث أوصى الاجتماع الذي دعت إليه الأمانة العامة بالتنسيق مع منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) بإنشاء لجنة تنسيقية متخصصة في مجال الطفولة، تتكون من أعضاء يمثلون الجهات الرسمية والجهات الأهلية ذات العلاقة بتقديم خدمات الطفولة، كما تعمل دول المجلس على التنسيق فيما بينها لتعزيز جهود التعاون التي تبذلها مع المؤسسات والهيئات العاملة في مجال الطفولة على مستوى دول المجلس والمستويين العربي والدولي.
وفي المجال الثقافي، تبنى مجلس التعاون 'خطة التنمية الثقافية' التي أقرها المجلس الأعلى في دورته الثامنة، و'الاستراتيجية الثقافية' التي اعتمدها المجلس الأعلى في دورته التاسعة والعشرين، والتي تضمنت عددًا من الأهداف، منها: إغناء شخصية المواطن وبناء وعيه وقدراته على مواكبة التطور الإنساني، وتطوير البنى الفكرية بوصف الثقافة أساسًا لتماسك الأمة وحضارتها، وتنمية العطاء الحضاري، وتعزيز الوحدة الثقافية بين دول المجلس، وتعزيز دور المرأة الثقافي ومؤسسات المجتمع المدني.
ونجح المجلس في تطبيق المساواة في المعاملة بين مواطني دول المجلس في العديد من المجالات، ومن أبرزها فتح المجال لمواطني الدول الأعضاء لممارسة النشاط الاقتصادي في أي من دول المجلس على قدم المساواة مع مواطنيها ضمن ضوابط معينة لكل مجال اقتصادي، كما نصت الاتفاقية الاقتصادية لعام 2001م بخصوص المواطنة الاقتصادية على التطبيق المباشر لمبدأ المساواة الكاملة في المعاملة لجميع مواطني دول المجلس، وذلك عن طريق ضمان مبدأ معاملة مواطني دول المجلس المقيمين في أي من الدول الأعضاء بنفس معاملة مواطنيها دون تفريق أو تمييز في كافة المجالات الاقتصادية، ويشمل ذلك المواطنين الطبيعيين والاعتباريين، وشمل ذلك عشرة مجالات اقتصادية، هي: التنقل والإقامة، والعمل في القطاعات الحكومية والأهلية، والتأمين الاجتماعي والتقاعد، وممارسة المهن والحرف، ومزاولة جميع الأنشطة الاقتصادية والاستثمارية والخدمية، وتملك العقار، وتنقل رؤوس الأموال، والمعاملة الضريبية، وتداول وشراء الأسهم وتأسيس الشركات، والتعليم والصحة والخدمات الاجتماعية.
وتحقيقًا لذلك، فإن التعاون في مجالات العمل والخدمات الاجتماعية يعتبر أحد أبرز المجالات المضيئة في مسيرة العمل الخليجي المشترك ضمن مفهوم 'المواطنة الاقتصادية'، حيث اهتم المجلس منذ إنشائه بتحقيق التكامل في الأنظمة والقوانين التي تنظم أسواق العمل بدوله، وتضمنت الاتفاقية الاقتصادية الموحدة التي أقرتها قمة الرياض عام 1981م، ثم الاتفاقية الاقتصادية المعدلة التي أقرتها قمة مسقط في عام 2001م، العديد من البنود التي تنص على وضع السياسات والخطط والإجراءات التنفيذية الكفيلة بتوفير فرص العمل للمواطنين وتسهيل تنقلهم فيما بين دول المجلس.
ومن أبرز القرارات التي اتخذت في هذا الصدد، على سبيل المثال وليس الحصر، قرار المجلس الأعلى في دورته الثالثة والعشرين والذي نص على تطبيق المساواة التامة في المعاملة بين مواطني دول المجلس في مجال العمل في القطاعات الأهلية وإزالة القيود التي تمنع ذلك، وكذلك قرار المجلس الأعلى في دورته الحادية والعشرين بالموافقة على معاملة مواطني دول المجلس العاملين في الخدمة المدنية في أي دولة عضو معاملة مواطني الدولة مقر العمل أثناء الخدمة، وكذلك قرار المجلس الأعلى في دورته الثالثة والعشرين بتطبيق المساواة التامة في المعاملة بين مواطني دول المجلس في مجال العمل في القطاعات الحكومية والتأمين الاجتماعي والتقاعد.
كذلك حقق مجلس التعاون إنجازًا آخر على صعيد تحقيق 'المواطنة الاقتصادية'، حيث بات مواطنو دول مجلس التعاون يتمتعون بالمساواة في المعاملة من حيث حق الإقامة والتنقل بين الدول الأعضاء، والذي يتم بالبطاقة الذكية الموحدة، والتي جاءت تطبيقًا لقرار المجلس الأعلى في دورته الثانية والثلاثين.
ولا شك في أن النجاحات التي حققها مجلس التعاون لدول الخليج العربية طوال أكثر من أربعة عقود تعد نموذجًا يحتذى به في التكامل والتعاون القائم على إرث مشترك ورؤية طموحة لمستقبل دول وشعوب المجلس، في ظل الإيمان والإدراك بأهمية زيادة وتيرة العمل المشترك لتحقيق مجتمع خليجي متماسك وشعوب مترابطة من أجل غد أفضل للأجيال القادمة، فضلًا عن التأكيد على أن مجلس التعاون، في إطاره العام والواقعي، تجاوز المفهوم التقليدي للتكتل الإقليمي أو الدولي، ليصبح حاضنًا لتطلعات أبناء دوله ومساعيهم للعيش في بيئة من الأمان والازدهار والتكامل.
ويمكن القول إن 'المواطنة الخليجية' أصبحت أحد أبرز النماذج العربية في تحقيق التكامل الإقليمي، وأصبحت واقعًا يلمسه المواطن الخليجي يوميًا، من خلال حرية التنقل، والمساواة في فرص العمل، والتمتع بالخدمات، وتعزيز الانتماء لهوية خليجية موحدة. ولا يزال مجلس التعاون يواصل مسيرته نحو تحقيق المواطنة الكاملة، انطلاقًا من إيمان راسخ بأن التكامل بين الشعوب هو الطريق الأمثل لمستقبل أكثر ازدهارًا.
وتؤكد مسيرة العمل الخليجي المشترك خلال كل هذه السنوات أن مفهوم 'المواطنة الخليجية' لم يكن مجرد شعار رمزي، أو حلمًا بعيد المنال، وإنما بالعزيمة والإصرار والإرادة المشتركة لدى دول المجلس تحول إلى واقع ملموس ومعاش، توسعت وتشعبت أبعاده لتشمل مختلف المجالات الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، وغيرها، وأصبح لدى دول المجلس بنية تشريعية وتنفيذية قوية ومستدامة ترسخ مقومات مواطنة فاعلة داخل هذه المنظومة الخليجية الراسخة.
ت.و, S.E

























