فوائدها جمة.. دول الخليج تتحصّن من تغيّر المناخ بأشجار "المانغروف"

أشرف كمال - الخليج أونلاين

تدعم النظام البيئي وتحد من الكربون وتآكل الشواطئ.

جميع دول الخليج باستثناء البحرين تقريباً.

شرعت دول الخليج في التحصّن بغابات 'المانغروف' من تداعيات التغير المناخي المتوقعة مستقبلاً والتي بدأت بالفعل مداهمة العديد من الدول في أنحاء العالم عبر موجات الجفاف والفيضانات المدمرة.

ونظراً لطبيعتها الصحراوية الجافة، فإن دول مجلس التعاون الخليجي تعتبر في عين العاصفة فيما يتعلق بآثار تغير المناخ، وهو ما دفع حكومات هذه الدول إلى التحرك سريعاً نحو الاستعانة بالشجر لمواجهة المخاطر المحتملة.

ويمكن تلمس المخاطر التي تواجه هذه الدول في تلك العواصف الترابية والرعدية التي تزايدت بشكل غير مسبوق خلال صيف 2022، والتي أصابت الحياة بالشلل في دول مثل الكويت والبحرين والإمارات.

يبدو واضحاً جداً أن مخاطر التغير المناخي التي كانت درباً من دورب التوقعات خلال السنوات الماضية قد تحولت إلى واقع ملموس، بل وإلى كوارث طبيعية في باكستان والسودان وعدد من دول أوروبا التي التهمتها حرائق غابات غير مسبوقة.

وإلى جانب الحرائق والفيضانات فقد أدت موجات الجفاف إلى تبخر مياه العديد من الأنهار التاريخية في عدد من الدول، مثل نهر 'الراين' في ألمانيا، ونهر 'إلبه' بين التشيك وألمانيا.

على الرغم من ذلك، ما تزال الدول الصناعية الكبرى المسؤولة عن الجزء الأكبر من الضرر البيئي المؤدي لتغير المناخ متمسكة بنشاطها القائم على الطاقة التقليدية التي تخلّف كميات خطرة من الانبعاث والغازات الدفيئة، وفي مقدمة هذه الدول الولايات المتحدة والصين.

في ظل هذه المخاوف بدأت دول الخليج منذ مدة تحركاً للحد من المخاطر المحتملة عبر التوسع في التشجير ومضاعفة مساحات 'المانغروف' تحديداً.

'المانغروف'.. حصن يواجه الاندثار

تمثّل غابات المانغروف مواقع طبيعية نادرة ومدهشة وزاخرة بالأحياء البرية تفصل ما بين اليابسة والبحر، وتعمل على إنتاج الأكسجين وامتصاص غاز ثاني أكسيد الكربون والغازات السامة، وهو ما يساعد كثيراً في تقليص الاحتباس الحراري.

تكمن أهمية المانغروف في أنّها تعمل على تثبيت التربة وحماية الشواطئ من التآكل، ومع ذلك يتراوح معدّل انقراض غابات المانغروف الساحلية في العالم ما بين ثلاث مرّات إلى خمس أسرع من الغابات الأخرى.

تتميز هذه الأشجار بقدرتها على التنفّس عندما تغمرها مياه البحر شديدة الملوحة، وتحوّلها إلى مياه عذبة وتتغذّى عليها، ومن ثم فهي تعمد إلى ترشيح المياه المالحة عن طريق غدد في الجذور، ثمّ تطرح الزائد منها.

'المانغروف' يتمدد قطرياً

في دولة قطر، التي تتبنّى استراتيجية لحماية البيئة وتقليل الانبعاث بنسبة 25% بحلول 2030، نجحت الحكومة في مضاعفة مساحات أشجار المانغروف أو ما يعرف بأشجار (القرم) من 6 كم2 قبل ثلاث سنوات إلى 14 كم2 في 2022.

عمدت وزارة البيئة والتغيّر المناخي القطرية إلى زراعة 'المانغروف' في مناطق 'الرويس' و'أمّ الحول' و'فويرط' و'راس مطبخ' على السواحل الشمالية والشرقية للبلاد بعد أن كانت مقتصرة على منطقتَي الخور والذخيرة.

ولم تكن الخطوات القطرية جديدة، حيث خصصت الدولة الخليجية منذ 2014 أكثر من 23% من مساحتها البرية كمحميّات طبيعية، ووصل عدد المحميات حالياً إلى 12 محمية في مختلف مناطق البلاد، إلى جانب 270 كم2 من المحميات البحرية.

وبموجب القانون رقم 6 لسنة 2006، صُنّفت منطقة الذخيرة محمية طبيعية، علماً أنّ هذه المنطقة التي تبعد عن الدوحة نحو 64 كم تتميّز بغابات المانغروف دائمة الخضرة صيفاً وشتاءً والتي تنمو على مياه البحر.

الإمارات.. 60 مليون شجرة

من بين البنود التي تعمل الإمارات على تنفيذها للحد من تداعيات تغير المناخ، تعمل الحكومة على توسعة مساحة غابات 'المانغروف' من خلال زراعة 100 مليون شجرة بحلول 2030، بدلاً من 30 مليوناً كانت تستهدفها في البداية.

وفقاً لصحيفة 'بوابة العين' المحلية، فإن الإمارات تمثل موطناً لغابات تضم 60 مليون شجرة مانغروف، على مساحة تصل إلى 183 كيلومتراً مربعاً.

تلتقط هذه الغابات 43 ألف طن من ثاني أكسيد الكربون سنوياً، ومع إضافة 100 مليون شجرة جديدة، سيصل إجمالي مساحة هذه الغابات إلى 483 كيلومتراً مربعاً، وستساهم بدورها في التقاط 115 ألف طن سنوياً من ثاني أكسيد الكربون.

مساعٍ سعودية

يحتل المانغروف مكانة مهمة في خطة المملكة لزراعة 100 مليون شجرة، إلى جانب العديد من الأنواع الأخرى التي يمكنها الحد من تداعيات تغير المناخ.

وعلى شواطئ جزيرة 'تاروت' بمحافظة القطيف شرقي المملكة، تمتد غابات المانغروف على مساحة 7 كيلومترات مربعة كجزء من خطة طويلة الأمد لزراعة مزيد من الأشجار.

تمتد غابات المانغروف في العديد من مناطق المملكة شرقاً وغرباً، منها مدينة 'سيهات' مروراً بشاطئ 'عنك' وجزيرة 'تاروت' و'العوامية'، وحتى شواطئ مدينة صفوى، فضلاً عن وجودها في الدمام، ورأس تنورة، وجزر فرسان، وجازان، والقنفذة، والليث، وجدّة.

في السابق، كانت جزيرة 'تاروت' تضم أهم وأكبر غابات المانغروف وكانت تغطي مساحة 4.27 كيلومترات مربعة، لكنها فقدت 47% منها بسبب التوسع العمراني، وقد بدأت الحكومة إعادة زرع هذه الأشجار بالجزيرة.

وفي العام 2020، أطلقت شركة 'أرامكو' السعودية برنامجاً لاستعادة غابات المانغروف إلى شواطئ المملكة ذات الرمال البيضاء بزراعة مليوني شجرة جديدة.

وفي يوليو 2022، وقّع المركز الوطني للغطاء النباتي ومكافحة التصحّر اتفاقية لزراعة مليونين و200 ألف شجرة على ساحل الخليج والبحر الأحمر.

وفي 21يوليو 2023 قال المركز ذاته، إن عدد أشجار المانغروف التي زرعت على ساحلي البحر الأحمر والخليج العربي بلغ 6 ملايين شجرة، وذلك من مجموع 100 مليون شجرة مانغروف يخطط لزراعهتا خلال السنوات المقبلة.

وبيّن المركز في بيان، أنه زرع 6 ملايين شتلة مانغروف على ساحلي البحر الأحمر والخليج العربي، وكان النصيب الأكبر منها في منطقة جازان بأكثر من 3.3 ملايين شتلة؛ وذلك تحقيقاً لمستهدفات مبادرة السعودية الخضراء ورؤية المملكة 2030.

الكويت.. عودة بعد 70 عاماً

خلال السنوات القليلة الأخيرة بدأت الحكومة الكويتية زراعة أشجار المانغروف على شواطئ البلاد بعدما اختفت 70 عاماً بسبب القطع الجائر، حيث كان هذا النواع متواجداً بمنطقتي الخويسات وكاظمة، قبل أربعينيات القرن الماضي، وفق وكالة الأنباء الكويتية الرسمية.

ومنذ العام 2018، بدأت الكويت زراعة 3 آلاف شجرة مانغروف في محمية الجهراء، وجون الكويت، على مراحل.

700 ألف شجرة في عُمان

في سلطنة عُمان التي تتميز بثراء طبيعتها، كان المانغروف موجوداً دائماً، وكان يمتد لمسافة تتجاوز الـ3100 كم على ساحل السلطنة التي كانت تعتمد عليه في تجارة الخشب.

ومنذ العام 2000، بدأت مسقط بالتعاون مع الوكالة اليابانية للتعاون الدولي (جايكا) زرع شتلات المانغروف في سبع محافظات من أصل 11 محافظة، وقد تمت زراعة 700 ألف شتلة حتى نهاية 2020 في 32 موقعاً.

وتعتبر محمية 'القرم' أهم غابات هذه الأشجار بالسلطنة، فيما تبلغ المساحة الكلية التي يغطيها المانغروف في عُمان حوالي ألف هكتار، وفق ما نقلته شبكة 'سي إن إن' عن المصور العماني عبد الله الهنائي، المهتم بهذه الأشجار، في فبراير 2021.

البحرين.. تراجع تنفيه الحكومة

منذ زمن بعيد، كانت أشجار المانغروف تنمو في البحرين بصورة حصرية على سواحل خليج 'توبلي' على الساحل الشرقي لجزيرة البحرين الرئيسية.

لكن العديد من التقارير تحدثت عن تراجع هذه الغابات وتدهور النظام البيئي المرتبط بها، وهو ما نفته الحكومة في تقرير رسمي نشرته هيئة الفضاء البحرينية في نوفمبر 2021، وقالت فيه إن مساحات أشجار المانغروف (القرم) في البلاد لم تتراجع، دون تحديد هذه المساحات.

وشملت الدراسة السنوات من 2017 إلى 2021، ولم تتناول الفترة السابقة لهذا التاريخ.