اخبار البحرين
موقع كل يوم -اندبندنت عربية
نشر بتاريخ: ٢٩ تموز ٢٠٢٥
الأمين العام المساعد بمجلس التعاون لـ'اندبندنت عربية': مشاركتنا ضرورية في المفاوضات النووية بين واشنطن وطهران
في ملتقى الخليج للأبحاث الذي أقيم الأسبوع الماضي في جامعة كامبردج، كان لافتاً وصف رئيسة 'مجموعة الأزمات الدولية' كومفورت إيرو لدول الخليج بأنها ليست مجرد 'قوى صاعدة'، وقولها إن البلدان الست باتت قوى حاضرة ومؤثرة في المسرح الدولي. من سوريا إلى أوكرانيا، تلعب دول الخليج أدواراً مهمة في الوساطة والبناء. وحتى الجارة المعقدة إيران، وجدت في جيرانها الستة شريكاً مسانداً لمفاوضاتها النووية مع الولايات المتحدة، وشريكاً مندداً أيضاً بالحرب الإسرائيلية عليها، على رغم حمولات الماضي والحاضر التي تثقل هذه العلاقة.
في حوار أجرته 'اندبندنت عربية' على هامش الملتقى مع الأمين العام المساعد للشؤون السياسية والمفاوضات بمجلس التعاون عبدالعزيز العويشق، يتجلى التفاؤل الحذر تجاه إيران، الذي يقابله استياء بالغ من آلة الحرب الإسرائيلية التي تجاوزت غزة إلى ما هو أبعد. وتتجلى أيضاً الطموحات الخليجية بالمشاركة الفاعلة في المفاوضات النووية مع طهران، لتحييد أخطار برنامجها الصاروخي، ودعمها الجماعات المسلحة في الدول العربية. كما يشارك المسؤول الخليجي شهادة للتاريخ عن موقف إدارة باراك أوباما في مفاوضات الاتفاق النووي لعام 2015.
عندما سقط نظام بشار الأسد في الثامن من ديسمبر (كانون الأول) 2024، تنفّست سوريا الصعداء، ورُفعت العقوبات الأميركية التي جثمت على صدرها لما يقارب نصف قرن. وُلدت سوريا جديدة بمخاوف جديدة، وكان أكبر هاجس لدى الدول الداعمة للحكومة السورية ومنها دول الخليج هو أن تحبط إيران المرحلة الانتقالية الجديدة، لكن الأشهر التالية كشفت عن طرف آخر في المعادلة لا يقل خطورة، وهي إسرائيل التي أدارت ظهرها لكل محاولات دمشق للتهدئة، واختارت القصف، والعزف على أوتار الخلافات الداخلية.
يحذّر الأمين العام المساعد بمجلس التعاون من الممارسات الإسرائيلية قائلاً إن 'إسرائيل تسعى إلى زعزعة الاستقرار في سوريا ودعم بعض القوى المناهضة للحكومة الجديدة وإضعاف القوات العسكرية النظامية'. ويضيف أن 'هذه الإجراءات الإسرائيلية إلى جانب كونها مخالفة للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، فإنها تنذر بعواقب سلبية على السلام والاستقرار ومصالحنا في المنطقة'.
وندد العويشق بالهجمات الإسرائيلية على إيران، مؤكداً أن 'الدبلوماسية هي السبيل الأمثل لمعالجة البرنامج النووي الإيراني'. ولفت إلى أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية اتخذت موقفاً إيجابياً قبل الهجوم، وأصدرت تقريراً يرصد مخالفات إيران، وكان من المقرر أن تُتبع ذلك بالإجراءات المنصوص عليها في اتفاقية منع الانتشار النووي، والتي تشمل رفع الملف إلى مجلس الأمن لاتخاذ القرار المناسب، إلا أن الهجوم الإسرائيلي قوّض تلك الجهود، وقد يدفع إيران إلى الانسحاب من الاتفاق أو تعليق تعاونها الدولي، كما فعلت سابقاً حين طردت المفتشين الدوليين.
بشأن إعفاء مواطني دول مجلس التعاون الخليجي من تأشيرة 'شنغن' الأوروبية، أوضح العويشق أن الخطوة الوحيدة التي تحققت حتى الآن هي تمديد صلاحية التأشيرة لتُمنح لمدة خمس سنوات، فيما بقيت إجراءات التقديم المعقدة على حالها. ولفت إلى أن 'غالبية دول الاتحاد الأوروبي تؤيد إعفاء الخليجيين من التأشيرة، لكن هناك دول قليلة معارضة، وأضاف، 'سمعنا وعوداً كثيرة بهذا الشأن، لكن حتى الآن لم نشهد أي تحرك فعلي'.
وعلمت 'اندبندنت عربية' أن من بين الدول المعارضة لهذه الخطوة كل من النمسا وألمانيا وبعض الدول الإسكندنافية، في حين تواصل دول مجلس التعاون الضغط لتجاوز هذه العقبة.
وشهدت القمة الخليجية – الأوروبية الأولى، التي عُقدت في عام 2024 توافقاً سياسياً على تعزيز التعاون بين الجانبين، إذ أكد بيان صادر عن مجلس التعاون الخليجي التزام الطرفين بالعمل نحو 'ترتيب سفر خالٍ من التأشيرات آمن ومفيد للطرفين بين دول مجلس التعاون الخليجي ودول منطقة شنغن'.
وفي وقت سابق، شدد الأمين العام لمجلس التعاون جاسم البديوي، على 'ضرورة تحقيق تقدم ملموس في مسألة إعفاء مواطني دول المجلس من تأشيرات الدخول إلى منطقة الشنغن'، معتبراً أن تسهيل السفر يُعد 'مصلحة مشتركة' تُعزز الروابط بين الشعوب وتُحقق فوائد اقتصادية متبادلة.
أثار الاتفاق النووي لعام 2015 بين إيران وإدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما استياءً في دول الخليج، إذ شعرت أن الاتفاق تجاهل مخاوفها الجوهرية، لا سيما ما يتعلق ببرنامج إيران الصاروخي، ودعمها للجماعات المسلحة في عدد من الدول العربية. وفيما تسعى إدارة دونالد ترمب حالياً إلى عقد اتفاق جديد مع طهران، تبرز تلك المخاوف من جديد، وكذلك السؤال حول الدور الخليجي.
قبل الخوض في المفاوضات الحالية، شارك العويشق شهادة للتاريخ بشأن محادثات فيينا قبل 10 سنوات، أكد فيها أن إدارة أوباما لم تكن هي من رفض إشراك دول مجلس التعاون في مفاوضات 2015، بل كانت متفهمة ومتعاطفة مع المطالب الخليجية، بألا يقتصر التفاوض على الملف النووي فحسب، بل يشمل التصرفات الإيرانية المزعزعة لاستقرار المنطقة، ولا سيما عبر مدّها الصواريخ والطائرات المسيّرة لأطراف غير حكومية، والتدخل في الشؤون الداخلية.
وكشف المسؤول الخليجي لـ'اندبندنت عربية' أن 'المعارضة الرئيسة جاءت من إيران، والاتحاد الأوروبي. هذا أمر مؤسف، ولكن نأمل أن تتغير تلك المواقف'. في المقابل لم تتخذ بريطانيا وفرنسا موقفاً حاسماً.
وعن الدور الخليجي في المفاوضات النووية الحالية بين أميركا وإيران، قال العويشق، 'نؤدي دوراً لتسهيلها من خلال سلطنة عمان وهو دور تدعمه دول المجلس تماماً'. وأضاف، 'لدينا مطلب تطرحه دول المجلس دائما في أن تُشمل هذه المفاوضات دول المجلس وكذلك أن تبحث القضايا الأوسع المرتبطة بسلوك إيران في المنطقة'.
وتابع، 'لنأخذ المفاوضات مع كوريا الشمالية مثالاً، جميع الدول المتأثرة كانت طرفاً فيها. صحيح أنها لم تحقق النجاح المنشود، لكنها على الأقل منحت كل الأطراف الإقليمية دوراً في العملية التفاوضية. وما زال هناك متّسع لمشاركة دول مجلس التعاون في المفاوضات مع إيران.'
وأوضح أن 'القوى المتطرفة في إيران تمارس دوراً سلبياً عبر تزويد الجماعات غير الحكومية بالسلاح، كالحوثيين في اليمن، والميليشيات في العراق ولبنان، وسابقاً في سوريا'، كما أنها تدعم الجماعات الطائفية في المنطقة، مشدداً عتلى ضرورة أن يتوقف هذا النهج ويكون التعامل بين الدول، لا مع الميليشيات الخارجة عن القانون'.
وأضاف، إذا كانت إيران جادة فعلاً في دعم قدرة لبنان على مواجهة إسرائيل، فليكن ذلك من خلال دعم الجيش اللبناني، وليس عبر جماعات مسلحة خارجة عن إطار الدولة. والأمر ذاته ينطبق على سوريا والعراق'.
شكّل تاريخ 23 يونيو (حزيران) 2025 محطة مفصلية في مسار العلاقات بين إيران ودول الخليج الست، إذ أثار القصف الإيراني لقاعدة العديد في قطر موجة تنديد خليجية ودولية واسعة، ومخاوف من أن ينسف الهجوم مسار التقارب الإيراني– الخليجي الذي تعمّق في الأشهر الماضي. وعلى رغم التصعيد، سارعت طهران لاحتواء التوتر، وقال الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان إن بلاده مستعدة لـ'فتح صفحة جديدة' مع جيرانها.
في الوقت الراهن، تبقى البحرين الدولة الخليجية الوحيدة التي لم تُعد علاقاتها الدبلوماسية الرسمية مع إيران. يقول العويشق إن ملف العلاقات البحرينية – الإيرانية من بين القضايا المطروحة بين دول المجلس وطهران، وأكد أن البحرين منفتحة على إعادة العلاقات مع إيران، وتحظى بدعم كامل من دول مجلس التعاون، ملمحاً إلى أن الكرة في ملعب إيران، التي يرى أنها 'قادرة على إعادة العلاقات بسرعة'.
تكمن نقاط الخلاف الحالية بحسب المسؤول الخليجي في 'أن إيران ما زالت تدعم الحركات المتطرفة والطائفية في المنطقة. ولهذا فإن أحد مطالبنا الرئيسة هو الكف عن التدخل في الشؤون الداخلية لدول المجلس، بما في ذلك استغلال البعد الطائفي، وترك كل دولة تتولى معالجة قضاياها الداخلية بنفسها. فنحن لا نتدخل في الشأن الإيراني، ونريد المثل'.
وتابع: 'في البحرين، يأخذ التدخل الإيراني أشكالاً متعددة، من تهريب السلاح وتدريب العناصر الإرهابية إلى التمويل. كما أن تدخلات إيران في المنطقة بشكل عام كثيرة، ونرى أنها تعيق الاستقرار وتُعرقل فرص التكامل الإقليمي'.
في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي التقى مسؤولو دول مجلس التعاون الخليجي مع إيران في الدوحة، ومنذ ذلك الحين، تحاول المنظومة الخليجية اختبار ما إذا كانت هذه التصريحات تعكس نوايا حقيقية لدى النظام الإيراني بأكمله.
يقول المسؤول الخليجي إن التغيير الحقيقي المنتظر من إيران يجب أن يتجسد في خطوات ملموسة سبق أن أوضحها في الجلسة الافتتاحية في ملتقى الخليج للأبحاث، قائلاً: 'سنرى التغيير عندما يجلس الحوثيون إلى طاولة التفاوض مع الحكومة اليمنية، وهذا لم يحدث بعد. وسنراه أيضاً عندما يقبل حزب الله في لبنان بسلطة الحكومة، ويلتزم بالقوانين، ويسلّم سلاحه'. وأضاف أن الأمر نفسه ينطبق على العراق، حيث يشدد على أهمية أن توقف إيران دعم الميليشيات، وأن تتيح للعراق فرصة التكامل والبناء مع بقية دول مجلس التعاون الخليجي.