اخبار الإمارات
موقع كل يوم -الخليج أونلاين
نشر بتاريخ: ٢٩ تشرين الأول ٢٠٢٥
يوسف حمود - الخليج أونلاين
قوات الدعم السريع بسطت سيطرتها على الفاشر بعد أسابيع من القتال العنيف
يشهد الصراع في السودان تحولاً ميدانياً حاداً بعد سيطرة قوات الدعم السريع على مدينة الفاشر، آخر معاقل الجيش في إقليم دارفور، ما أثار تحذيرات أممية من كارثة إنسانية وشيكة تهدد أكثر من نصف مليون مدني محاصرين داخل المدينة.
وتعد الفاشر مركز الثقل السياسي والعسكري في غرب السودان، وسقوطها يمثل نقطة انعطاف في الحرب التي اندلعت في أبريل 2023 بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو 'حميدتي'، وقد حوصر المدنيون لأشهر وسط نقص حاد في الغذاء والدواء، بينما تعجز المنظمات الدولية عن إيصال المساعدات بسبب استمرار المعارك.
ويأتي هذا التطور ليزيد الضغوط على طرفي النزاع، ويفتح تساؤلات حول إمكانية العودة إلى طاولة مفاوضات جدة برعاية السعودية والولايات المتحدة، وسط مخاوف من أن تؤدي سيطرة الدعم السريع على كامل دارفور إلى تقسيم فعلي للبلاد، إذ يرسخ نفوذ الجماعة في الغرب مقابل تمركز الجيش في الشمال والشرق، ما يجعل التسوية السياسية أكثر تعقيداً في ظل غياب وقف إطلاق نار شامل أو ضمانات إنسانية على الأرض.
تحول ميداني
أكدت وسائل إعلام متطابقة أن قوات الدعم السريع بسطت سيطرتها على الفاشر بعد أسابيع من القتال العنيف، فيما انسحبت وحدات الجيش إلى مناطق شمالي المدينة، وذكرت منظمات الإغاثة أن مئات العائلات نزحت من أحياء عدة تحت القصف العشوائي، وأن المستشفيات باتت خارج الخدمة بعد استهدافها بالقذائف.
وتشير تقارير إلى أن تقدم قوات الدعم السريع في دارفور يعزز موقعها التفاوضي، في حين يسعى الجيش إلى إعادة تنظيم صفوفه في الشمال والشرق بدعم من القبائل المحلية ووحدات الاحتياط.
وما يزال مئات الجرحى محاصرين داخل المدينة من دون إمكانية للإخلاء، بينما تواجه فرق الإغاثة نقصاً حاداً في الوقود والطرق الآمنة، وتطالب منظمات أممية بفتح ممرات إنسانية عاجلة بإشراف مراقبين دوليين.
ويعد الإصرار على الفاشر نتاجاً لتداخل الأبعاد التاريخية والسياسية والرمزية للمدينة في الصراع على دارفور، فالفاشر تمثل آخر قلاع القوات النظامية في الإقليم ورمزاً للسيادة المركزية منذ توحيد دارفور مع السودان عام 1916.
كما أن موقعها الاستراتيجي يجعلها نقطة ارتكاز لأي طرف يسعى لإحكام قبضته على جغرافيا غربي البلاد، ويمنح المنتصر ورقة ضغط فعالة في أي مفاوضات مستقبلية، بما في ذلك سيناريوهات الانفصال أو إعادة توزيع السلطة والنفوذ السوداني.
منصة جدة
وعلى وقع تدهور الأوضاع الإنسانية وتفاقم المعاناة الإنسانية في عدة مناطق جراء انتشار الجوع والأمراض، كثفت الإدارة الأمريكية اتصالاتها مع الحكومة السودانية، ومع حلفائها الإقليميين في محاولة لإعادة النبض إلى مسارٍ تفاوضي طال ركوده.
الحراك الأمريكي يأتي بعد أن فقدت الجهود السابقة زخمها إثر فشلها في تحقيق اختراق حقيقي يوجد حل للأزمة التي طال أمدها.
وترعى الولايات المتحدة والسعودية، منذ 6 مايو 2023، محادثات بين الجيش السوداني و'الدعم السريع'، أسفرت في الـ 11 من الشهر ذاته عن أول اتفاق في جدة بين الجانبين للالتزام بحماية المدنيين، لكن المفاوضات توقفت منذ أواخر عام 2023، بعد فشل اتفاقات وقف إطلاق النار.
وتركزت تلك الاتفاقات على تسهيل إيصال المساعدات الإنسانية وتأمين المستشفيات ومراكز النزوح في العاصمة الخرطوم وإقليم دارفور.
لكن تنفيذ بنود الاتفاقات واجه عراقيل ميدانية متكررة بسبب تداخل خطوط القتال وغياب آلية رقابة مشتركة، وتشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن جميع اتفاقات وقف إطلاق النار التي وُقعت في جدة عام 2023 انهارت خلال أيام قليلة، ما أدى إلى تصاعد العمليات العسكرية واتساع نطاق النزوح.
ورغم غياب أي إعلان رسمي عن جولة جديدة من المحادثات، ما تزال منصة جدة المرجع الأساسي لأي مبادرة محتملة لوقف إطلاق النار، باعتبارها الإطار الوحيد الذي حظي باعتراف الطرفين والدعم الدولي من الولايات المتحدة والسعودية.
وتعليقاً على التطورات أعربت المملكة العربية السعودية ودولة قطر، الثلاثاء 28 أكتوبر، عن بالغ قلقهما واستنكارهما للانتهاكات الإنسانية الجسيمة التي شهدتها مدينة الفاشر خلال الهجمات الأخيرة التي شنتها قوات 'الدعم السريع'.
وشددت المملكة، في بيان لوزارة الخارجية، على ضرورة التزام قوات الدعم السريع بواجبها في حماية المدنيين، وضمان وصول المساعدات الإنسانية، والالتزام بأحكام القانون الدولي الإنساني، وفق ما ورد في إعلان جدة بشأن الالتزام بحماية المدنيين في السودان، الموقع بتاريخ 11 مايو 2023.
كما أكدت وزارة الخارجية القطرية، في بيان، 'ضرورة قيام قوات الدعم السريع بواجبها في حماية المدنيين، وضمان تأمين وصول المساعدات الإنسانية، والالتزام بالقانون الإنساني الدولي وفق ما ورد في إعلان جدة'.
نقطة ضغط جديدة
ويقول المحلل السياسي السوداني إبراهيم الصديق محمد، إن سقوط مدينة الفاشر يمثل نقطة ضغط جديدة على الأطراف المتحاربة في السودان، مشيراً إلى أن الحديث عن العودة إلى مفاوضات جدة عاد إلى الواجهة كخيار وحيد لإنقاذ الموقف الإنساني المتدهور في دارفور.
وأوضح الصديق لـ'الخليج أونلاين' أن المجتمع الدولي يرى في منصة جدة المسار الأكثر قبولاً لدى الطرفين، لكونها المنبر الذي رعته السعودية والولايات المتحدة منذ الأشهر الأولى للحرب، ونجحت من خلاله في جمع ممثلين عن الجيش وقوات الدعم السريع على طاولة واحدة رغم الانقسامات العميقة.
وأضاف أن الجهود الجارية تتركز على إعادة تفعيل المنبر عبر اتفاق مبدئي لوقف النار لأغراض إنسانية، ثم الانتقال إلى نقاشات أمنية وسياسية تدريجية، مؤكداً أن هذا المسار هو الأكثر واقعية في ظل غياب بدائل مقبولة أو ضمانات دولية لتنفيذ أي اتفاق آخر.
وبين أن الانقسامات وتعقد خطوط القتال في دارفور والخرطوم جعلت من الصعب التوصل إلى حلول ميدانية مستقرة، ما دفع الوسطاء الإقليميين إلى التمسك بجدة كإطار تفاوضي قابل للتطوير بدلاً من البحث عن مسار جديد.
وأكد أن إحياء منصة جدة بات ضرورة ملحة وليس خياراً سياسياً، إذ تمثل، بحسب تعبيره، آخر مساحة يمكن عبرها وقف الانهيار الإنساني والاقتصادي في السودان، بعد أن تحولت الحرب إلى صراع مفتوح بلا أفق، يهدد وحدة البلاد واستقرار الإقليم بأسره.
دارفور بين التقسيم والمجاعة
تلك الحرب أسفرت عن مقتل نحو 20 ألف شخص وتشريد أكثر من 15 مليوناً بين نازح ولاجئ، وفق تقارير أممية ومحلية، في حين قدرت دراسة أعدتها جامعات أمريكية عدد القتلى بنحو 130 ألف شخص، فيما يصف مراقبون الوضع في الإقليم بأنه الأسوأ منذ عام 2003، حين شهدت دارفور موجة إبادة جماعية أدت إلى مقتل مئات الآلاف وتشريد الملايين.
وتؤكد المعلومات المتداولة أن الطرق المؤدية إلى الفاشر ما تزال مغلقة، فيما تستمر الاشتباكات في ضواحي المدينة، ما يجعل وصول المساعدات شبه مستحيل، فيما تتحدث منظمات إنسانية عن أن المدنيين في الفاشر يواجهون خطر الموت جوعاً إذا لم يُسمح بإيصال المساعدات خلال الأيام المقبلة.
وفي 12 سبتمبر، دعت الرباعية الدولية إلى هدنة إنسانية أولية لـ3 أشهر في السودان، لتمكين دخول المساعدات الإنسانية العاجلة إلى جميع المناطق تمهيدا لوقف دائم لإطلاق النار.
يلي ذلك، إطلاق عملية انتقالية شاملة وشفافة تُستكمل خلال 9 أشهر، بما يلبّي تطلعات الشعب السوداني نحو إقامة حكومة مدنية مستقلة تحظى بقاعدة واسعة من الشرعية والمساءلة.


































