اخبار الإمارات
موقع كل يوم -الخليج أونلاين
نشر بتاريخ: ٥ كانون الأول ٢٠٢٥
يوسف حمود - الخليج أونلاين
شهد وادي حضرموت عملية عسكرية واسعة نفذتها قوات المجلس الانتقالي، في 2 و3 ديسمبر 2025، سيطرت خلالها على مدن رئيسية
تشهد المحافظات الجنوبية والشرقية في اليمن تطورات متسارعة بعد توسع انتشار قوات المجلس الانتقالي الجنوبي في حضرموت والمهرة، ضمن تحركات ميدانية وسياسية يعلن الانتقالي أنها جزء من مسار 'استعادة الدولة الجنوبية'، في وقت تتراجع فيه مؤسسات الحكومة المعترف بها دولياً عن مناطق واسعة، وسط صمت رسمي تجاه التغيرات الميدانية.
وتعكس التحركات الأخيرة انتقال الانتقالي من إدارة مناطق نفوذه التقليدية في عدن وأبين ولحج والضالع إلى السيطرة على محافظات ذات ثقل اقتصادي وحدودي، كما تواكب التطورات تصريحات متكررة لقيادات المجلس تؤكد المضي في 'حق تقرير المصير'، بالتزامن مع تحركات عسكرية واسعة غيرت خريطة السيطرة جنوب البلاد.
وترافقت التطورات مع وساطة سعودية هدفت إلى احتواء التوترات قرب المنشآت النفطية وعلى خطوط الملاحة، قبل أن تسقط قوات الانتقالي تفاهمات الوساطة وتسيطر على منشآت النفط في حضرموت، وسط تساؤلات حول مسار الوضع في اليمن.
تطورات حضرموت
شهد وادي حضرموت عملية عسكرية واسعة نفذتها قوات المجلس الانتقالي، في 2 و3 ديسمبر 2025، سيطرت خلالها على مدن رئيسية تشمل تريم وسيئون والقطن وحورة والخشعة، وتمكنت القوات من دخول مقر المنطقة العسكرية الأولى ومطار سيئون والقصر الجمهوري، في تحول عده سكان المنطقة تغييراً جذرياً في موازين السيطرة.
وجاءت العملية بعد اشتباكات محدودة مع قوات المنطقة الأولى، أسفرت عن قتلى وجرحى وأسر جنود، فيما انسحبت وحدات أخرى باتجاه صحراء العبر، وأدت التحركات إلى توقف شبه كامل للأنشطة الحكومية في سيئون، مع رفع أعلام الجنوب فوق المقار الرسمية ومراكز الشرطة والنقاط العسكرية.
وبقيت مواقع حماية حضرموت التابعة لحلف قبائل حضرموت خارج سيطرة الانتقالي، إضافة إلى مدينتي العبر والوديعة الحدوديتين، حيث استمر وجود نقاط قبلية ومواقع أمنية لم تدخل ضمن العملية بفعل وساطة سعودية وصلت إلى المكلا بحضرموت.
لكن في الـ4 من ديسمبر، شنت قوات الانتقالي هجوماً على المنشآت النفطية في المسيلة والهضبة وسيطرت عليها واتجهت نحو مناطق حدودية مع السعودية وبسطت سيطرتها عليها.
المهرة.. تسليم تفاوضي
وفي المهرة جرت السيطرة بطريقة تفاوضية دون اشتباكات، في 3 و4 ديسمبر، حيث سُلّمت منشآت عسكرية وأمنية لقوات الانتقالي شملت القصر الجمهوري وميناء نشطون واللواء 137 مشاة.
وأشرف محور الغيضة بقيادة اللواء محسن علي مرصع على الاتفاق الذي تضمن خروج قوات من المحافظات الشمالية وانضمام اللواء 11 حرس حدود إلى الانتقالي.
وامتدت السيطرة إلى النقاط الممتدة نحو الدمخ والغيضة الشرقية، وصولاً إلى منفذي صيرفت وشحن على الحدود العمانية، حيث رفعت أعلام الجنوب على معظم المقرات الرسمية، وتعد هذه أول مرة يسيطر فيها الانتقالي على منافذ حدودية برية تشكل معبراً تجارياً رئيسياً مع دول الجوار وفي مقدمتها عُمان والسعودية.
وأدت هذه التطورات إلى إعادة رسم المشهد الأمني في المحافظتين، خاصة مع انتقال السيطرة على منافذ برية وموانئ وسواحل طويلة.
تمدد الانتقالي
يأتي التوسع في حضرموت والمهرة امتداداً لسيطرة المجلس الانتقالي على محافظات جنوبية عدة منذ 2019، حين أحكم السيطرة على عدن، ثم توسع نفوذه في لحج والضالع وأبين.
ومنذ تشكيل المجلس في 2017، نجح في بناء قوة عسكرية واسعة تضم وحدات مثل الحزام الأمني والنخبة الشبوانية والحضرمية وكتائب الدعم والاسناد والعمالقة وغيرها من التشكيلات المسلحة.
وفي عدن يدير الانتقالي المؤسسات الأمنية والإدارية، مع وجود حكومي محدود يتمثل في مقرات رسمية تعمل ضمن ترتيبات سياسية، أما في سقطرى فقد سيطرت قوات تابعة للمجلس على الجزيرة في 2020، ورفعت أعلام الجنوب فوق المؤسسات الحكومية، رغم اعتراضات حكومية ودولية.
كما شهدت محافظة شبوة مواجهات انتهت بسيطرة قوات النخبة الشبوانية بدعم من الانتقالي على مناطق واسعة، قبل دخول قوات درع الوطن المدعومة إقليمياً لتقاسم الانتشار، وأسهم هذا التمدد في منح الانتقالي شبكة نفوذ جغرافية تمتد من عدن وحتى الساحل الشرقي.
وتمثل السيطرة على المحافظات الجنوبية الحلقة الأساسية في مشروع المجلس، إذ تمنحه الوصول إلى موانئ، ومطارات، ومنشآت نفطية، ومنافذ بحرية تمتد على البحر العربي، ما يجعل موقعه التفاوضي أقوى في أي تسوية مستقبلية تتعلق بشكل الدولة.
نهج الانتقالي نحو الانفصال
يعلن المجلس الانتقالي الجنوبي تكرراً أن هدفه النهائي هو 'استعادة الدولة الجنوبية' التي كانت قائمة قبل 1990، ويقدم ذلك كحق سياسي يمثل إرادة قطاع واسع من سكان الجنوب، وسط دعم من الإمارات.
ويعمل المجلس على بناء بنية عسكرية وإدارية يعتبرها أساساً لدولة جنوبية مستقبلية في حال توصلت الأطراف اليمنية إلى تسوية سياسية.
ويتبنى الانتقالي نهجاً يقوم على تثبيت الوقائع على الأرض عبر السيطرة على المدن والموانئ والمنافذ، مع الحفاظ على وجود سياسي داخل مجلس القيادة الرئاسي، كما يستند إلى شرعية تمثيل الجنوب التي يعرضها في المحافل الدولية ولقاءات الموفدين الدوليين.
وتشير سيطرة الانتقالي على حضرموت والمهرة إلى نقلة كبيرة في مسار مشروعه، إذ تمنحه موارد اقتصادية ومنافذ حدودية وموقعاً استراتيجياً يوسع من قدرته على إدارة جغرافيا جنوبية كاملة، بما يشكل مرحلة متقدمة في مشروعه السياسي.
لا انفصال قريباً
يرى الباحث السياسي نجيب السماوي أن توسع المجلس الانتقالي الجنوبي في حضرموت والمهرة يمثل خطوة كبيرة في مسار بناء كيان سياسي وجغرافي متماسك، 'لكنه لا يعني أن الانفصال بات وشيكاً أو مضموناً'.
ويضيف في حديثه لـ'الخليج أونلاين':
-المشروع يحتاج إلى اعتراف دولي وإقليمي ولا يتشكل بمجرد السيطرة الميدانية، بل عبر توافقات سياسية معقدة يصعب تحققها في ظل الوضع الحالي.
- المجتمع الدولي، ومن ضمن ذلك الدول الكبرى والأمم المتحدة، ما يزال متمسكاً بمبدأ 'وحدة اليمن' كإطار مرجعي لأي تسوية سياسية، وهذا الموقف لا يرتبط برفض الانفصال كفكرة، بل برغبة القوى الدولية في تجنب فتح باب مشاريع انفصالية جديدة في الشرق الأوسط، خصوصاً في دول تعاني فراغاً سيادياً ومشكلات أمنية واقتصادية واسعة، ولذلك فإن الاعتراف بدولة جنوبية جديدة يتطلب ضمانات استقرار سياسي واقتصادي لا تبدو متوفرة بعد.
- قبول المجتمع الدولي بانفصال الجنوب مشروط بثلاثة عوامل أساسية: أولها وجود إجماع جنوبي واسع لا يقتصر على المجلس الانتقالي، بل يشمل قوى حضرمية ومهرية ومكونات محلية أخرى، وثانيها ألا يؤدي الانفصال إلى صراع جديد مع الشمال أو داخل الجنوب، وثالثها قدرة الكيان الجديد على تقديم نموذج دولة مستقرة قادرة على إدارة حدودها ومواردها دون تدخل خارجي مستمر.
- التحركات الحالية تمنح الانتقالي قوة تفاوضية كبيرة، لكنها لا تعني أن الاعتراف الدولي بات قريباً، فالدول المؤثرة، ومنها السعودية والولايات المتحدة وبريطانيا، تنظر إلى انفصال الجنوب باعتباره احتمالاً مؤجلاً لا يجري التعامل معه كخيار مطروح الآن.
- استمرار سيطرة الانتقالي وتعزيز مؤسساته قد يجعل هذا الخيار أكثر قابلية للنقاش مستقبلاً إذا توافرت ظروف سياسية مختلفة وظهرت تسوية شاملة تنهي الحرب في اليمن.
قد يتحقق بشروط
من جانبه يقول د. عبدالكريم غانم، أستاذ علم الاجتماع السياسي، إن استكمال سيطرة قوات المجلس الانتقالي الجنوبي على حضرموت والمهرة من شأنه تعزيز موقف المجلس ومنحه مزيداً من التأييد الشعبي وتقريبه من تحقيق هدفه.
وأوضح أن السيطرة على المحافظتين مكنت الانتقالي من الإطاحة بالمنطقة العسكرية الأولى، آخر معاقل الجيش الوطني في المحافظات الجنوبية، إضافة إلى إزاحة القوى المحلية الحضرمية والمهرية الرافضة للانفصال.
وأشار غانم في حديثه لـ'الخليج أونلاين' إلى أن التحديات التي تعيق مسار الانفصال ما تزال قائمة، إذ إن الإمارات العربية المتحدة، الداعمة لقوات المجلس الانتقالي الجنوبي، لا تتبنى موقفاً واضحاً من دعم قيام دولة مستقلة جنوب اليمن، فيما تؤيد المملكة العربية السعودية الوحدة وترفض الانفصال، رغم كونها تقود التحالف العربي في اليمن.
وأضاف أن اليمن ما يزال تحت الوصاية الدولية بموجب البند السابع، وهو ما يجعل الاعتراف بأي كيان سياسي يحاول الانفصال أمراً بالغ الصعوبة، إذ يستبعد النظر في قضية انفصال في بلد منزوع السيادة، ولا يمكن نيل أي اعتراف دولي قبل إسقاط انقلاب سلطات الأمر الواقع في شمال اليمن وجنوبه وشرقه وغربه، وتحرر اليمن من الوصاية الدولية.
ولفت غانم إلى أن امتلاك المجلس الانتقالي الجنوبي قوة مسلحة مسيطرة على الأرض لا يمنحه شرعية القرار التي تمكنه من التمثيل القانوني لمشروعه السياسي أو من تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في المناطق الجنوبية، معتبراً أن الانفصال ما يزال بعيد المنال، وأن فرضه بقوة السلاح لا يختلف عن فرض الوحدة بالقوة.
وأكد أن المسار المتعارف عليه للاستقلال يتطلب حواراً وطنياً بين المكونات السياسية الشمالية والجنوبية، وتأييداً دولياً، وتوفّر المقومات الاقتصادية المطلوبة لقيام دولة مستقلة، لا مجرد وجود فصائل مسلحة تسيطر على الأرض ارتبط تشكيلها وتمويلها بدولة أجنبية.


































