اخبار المغرب
موقع كل يوم -اندبندنت عربية
نشر بتاريخ: ٦ أيلول ٢٠٢٥
عقد صفقة ضخمة لاقتناء 5 ناقلات بقيمة مالية تتجاوز 600 مليون دولار
يقترب المغرب من عقد صفقة عسكرية وصفت بالضخمة مع شركة 'إمبراير' البرازيلية الشهيرة التي تنتج طائرات تجارية وعسكرية، من أجل اقتناء 5 طائرات نقل تكتيكية من طراز (KC-390 Millennium)، بقيمة مالية تتجاوز 600 مليون دولار أميركي.
وأفادت منابر متخصصة في الشؤون العسكرية، منها مجلة (Military Africa) ومجلة (Defence And Security Alert)، بأن مفاوضات هذه الصفقة الجديدة تشارف على الانتهاء في الأشهر القليلة المقبلة وقبل نهاية 2025، بينما التسليم للمغرب مبرمج في عام 2027.
ويرى محللون عسكريون أن هذه الصفقة تبرز توجه المغرب نحو تنويع الشركاء في إبرام الصفقات العسكرية المهمة، بعدما كانت الرباط تعتمد أساساً وحصراً على فرنسا وأميركا، كذلك فإنها صفقة تعكس انتقالاً نوعياً من 'إدارة الشيخوخة' إلى استعادة الفعالية في محور الإسناد الجوي.
يمكن وضع اهتمام الجيش المغربي بهذه الطائرات التكتيكية البرازيلية بسياقات رئيسة عدة، منها أن المغرب يكرس سياسة عدم وضع 'جميع البيض العسكري في سلة واحدة'، بمعنى أن لا يحصر صفقاته في شراء العتاد والأسلحة في مورد واحد أو موردين اثنين، بل يعمد إلى تنويع شركائه العسكريين.
ومن السياقات التي تفسر هذا التوجه أيضاً 'توفر الجزائر على طائرات نقل ثقيلة روسية (Il76)، الشيء الذي ترغب معه الرباط في تعزيز قدراتها الجوية وتحقيق نوع من السبق الاستراتيجي في شمال أفريقيا'، فضلاً عن توافق خصائص هذه الطائرات البرازيلية مع أنظمة لوجيستيات حلف 'الناتو'، مما يلمع دور المغرب شريكاً موثوقاً للحلف في تنفيذ العمليات المتعددة الجنسيات.
في هذا الصدد، يقول المتخصص في الشؤون العسكرية والأمنية، رئيس المرصد الوطني للدراسات الاستراتيجية محمد الطيار، إن المغرب يعتمد بصورة رئيسة على الولايات المتحدة وفرنسا، لكن هذه الصفقة تعكس إرادة سيادية في تنويع الشركاء، فالبرازيل تعد شريكاً صاعداً في الصناعات الدفاعية، وتربطها بالمغرب علاقات دبلوماسية وتجارية قوية، والتعاون معها يمنح المغرب مكانة في سوق السلاح غير التقليدي، ويفتح الباب لشراكات صناعية مستقبلية.
وأردف الطيار بأن 'التوجه نحو صفقة بهذا الحجم من أميركا اللاتينية يظهر استقلالية قرار المغرب في التسليح'، متابعاً بأن هذه الطائرة تمتلك قدرات تقنية وعملياتية مهمة جداً بخاصة في نقل الجنود والمعدات وعمليات الإسعاف والإجلاء'.
واستطرد المحلل نفسه بأنه 'بالنظر إلى أن المغرب يشارك في مهام حفظ السلام الأممية، فهو يحتاج إلى نقل قوات ومعدات لمسافات بعيدة'، مضيفاً أن 'لهذه الطائرة مرونة في التدخل السريع لمواجهة كوارث طبيعية أو عمليات إنسانية، وتشكل بحق دعماً لوجيستياً للقوات الجوية المغربية'.
وأوضح الطيار أن 'المغرب منجذب إلى هذه الطائرة البرازيلية، لأنها تمثل مزيجاً من الكفاءة التقنية، والقدرة المتعددة المهام، والكلفة المنخفضة، وتعكس التوجه المغربي نحو استقلالية القرار الدفاعي والانفتاح على قوى صاعدة، وقد تكون مقدمة لشراكة صناعية مغربية ـ برازيلية في مجال الطيران، خصوصاً مع وجود مشاريع لتطوير صناعة الطيران بمدينة الدار البيضاء'.
وخلص المحلل الاستراتيجي إلى أن حصول المغرب على أربع أو خمس وحدات من هذه الطائرة، يعني دخول مرحلة جيل جديد من النقل التكتيكي يعزز استقلالية العمل الجوي بعيداً من الاعتماد الكلي على طائرات (C-130 Hercules) القديمة.
من جهته يقرأ المتخصص في العلاقات الدولية بإحدى جامعات كندا، مولاي هشام معتضد، حيثيات هذه الصفقة بالقول إن سلاح الجو الملكي المغربي يعتمد منذ عقود على أسطول (C-130H/KC-130H) الذي تقدم في العمر وتراجعت جاهزيته، لذا فإن اتجاه الرباط نحو (KC-390) يعالج عنق الزجاجة في النقل الجوي الاستراتيجي–التكتيكي.
ويشرح معتضد بأن 'هذه الطائرات تتميز بقدرة حمولة أعلى (نحو 26 طناً) وسرعة نفاثة تقلص زمن الاستجابة، مع قابلية تهيئة متعددة للإنزال الجوي والإخلاء الطبي والدعم اللوجيستي'، قبل أن يسجل بأن 'هذا انتقال نوعي من ’إدارة الشيخوخة‘ إلى استعادة الفاعلية في محور الإسناد الجوي'.
واسترسل المتحدث بأن مسرح المغرب العملي يمتد من الداخل إلى الحدود الصحراوية ثم العمق الساحلي الأطلسي، لذا فإن السرعة والمدى والحمولة في طائرات (KC-390) تمنح الرباط قدرة أسرع على نقل الوحدات والعتاد إلى نقاط بعيدة، من مهام الاستجابة للكوارث إلى دعم عمليات الاستطلاع والانتشار السريع في بيئات الساحل الأفريقي، حيث يهم المغرب حفظ الاستقرار وسلاسل الإمداد.
وسجل معتضد بأن 'نسخة (KC-390) المجهزة بمحطات التزود (probe-and-drogue) تمنح المغرب خيار استعادة وتوسيع وظيفة الناقلة التي وفرتها (KC-130H) تاريخياً، ليس فقط لإسناد النقل، بل أيضاً لتعزيز بقاء الطائرات المأهولة وطائرات الهليكوبتر في المهام الممتدة'، مردفاً أن 'إدماج قدرة ناقلة ضمن أسطول جديد يعني اقتصاد منظومات، منصة واحدة قادرة على أدوار متعددة، مما يخفض البصمة اللوجيستية ويبسط التدريب'.
وأكمل المحلل بأنه 'إذا تم التوقيع سيكون المغرب أول دولة أفريقية تشتري (KC-390)، لكن المنصة نفسها دخلت خدمة عدد متزايد من أعضاء ’الناتو‘ في أوروبا منها البرتغال وهنغاريا وهولندا والنمسا، وكذلك التشيك وليتوانيا والسويد، وهو ما يرفع معامل التشغيل البيني في تمارين مشتركة وعمليات حفظ السلام والإسناد اللوجيستي، ويضمن أيضاً شبكة دعم وصيانة أوسع خارج البرازيل، وهي نقطة حساسة في أي قرار اقتناء طويل الأمد'.
ولفت معتضد إلى أنه مقارنة بخيارات مثل طائرات (C-130J)، تعرض طائرات (KC-390) مزيجاً جذاباً من السعر والأداء، وأيضاً حمولة أعلى وسرعة أكبر من عائلة (C-130J)، لكن النجاح يتوقف على شروط ما بعد البيع، مثل قطع الغيار وعقود الصيانة المضمونة وخطوط الإمداد بين البرازيل والمغرب، ليخلص إلى أن 'إدارة دورة الحياة ستكون الاختبار الحاسم لاقتصاد الصفقة، لا سعرها الابتدائي فقط'.
وأفاد معتضد أن 'المعطيات الراهنة تفيد بأن التوقيع متوقع قبل نهاية 2025، بعد مسار انطلق بمذكرة تفاهم خلال معرض مراكش الجوي في أكتوبر (تشرين الأول) 2024'، مردفاً أن هذا الجدول يتيح مواءمة التدريب والبنية التحتية، من منشآت الصيانة وإجراءات السلامة، مع خروج تدرجي لقدماء (C-130)، وإذا أرفقت الصفقة بمكون صناعي تكنولوجي ستحول المنصة إلى رافعة سيادية في دعم أسطول النقل المدني - العسكري على المدى المتوسط.
وعملياتياً، يؤكد معتضد أن طائرات (KC-390) تحقق للمغرب قفزة في السرعة والحمولة والتعددية، وترفع قابلية الانتشار في الدوائر الحيوية للمغرب، بينما سياسياً تعمق الرباط تموضعها كحليف متوافق أطلسياً لكنه مستقل في قرارات التسلح.
وزاد بالقول 'الأخطار المعقولة تكمن في الاعتمادية اللوجيستية خارج الحلف الصناعي التقليدي، والحاجة إلى ضمان حزمة دعم طويلة الأجل، ومقارنة الأداء الفعلي في الخدمة بالوعود التسويقية، غير أن تلاقي الضرورات، مثل تحديث الأسطول ومسرح الساحل، ومتطلبات الإغاثة، مع توقيت الموازنة الدفاعية المتنامية يجعل الصفقة، إن اكتملت، ترقية ذات جدوى استراتيجية أكثر من مجرد تحديث معدات.'
وذهب معتضد إلى أن 'الارتباط بمنصة برازيلية يضيف بعداً 'جنوب – جنوب'، ويوازن النفوذ الصناعي والسياسي لعمالقة الدفاع الغربيين، من دون قطيعة معهم، وهو أيضاً رسالة براغماتية مفادها أن المغرب يشتري 'الأفضل لحاجاته' في سوق تنافسية، ويقلل أخطار القيود السياسية أو سلاسل التوريد الأحادية.