مع اقتراب فصل الصيف وارتفاع درجات الحرارة، تتزايد حدة المطالب الشعبية في مدينة الدار البيضاء لإلغاء صفقات تنظيم واستغلال الشواطئ، خاصة بشواطئ لالة مريم، عين الذياب، عين الذياب امتداد، النحلة (عين السبع)، والشهدية والنحلة (سيدي البرنوصي).

وعبر العديد من المواطنين عن استيائهم من الوضعية التي آلت إليها هذه الفضاءات العمومية، التي من المفترض أن تكون متنفسا مجانيا لسكان العاصمة الاقتصادية، لكنها تحولت إلى مصدر استنزاف مالي وفوضى يومية.

وتعود جذور الأزمة إلى الطريقة التي يتم بها تدبير الشواطئ خلال موسم الصيف، حيث تقوم السلطات بإبرام صفقات مع شركات أو خواص لتنظيم واستغلال هذه الفضاءات، غير أن التجربة أظهرت أن هذه الصفقات لا تضمن للمواطنين شروطا جيدة للاستفادة من الشواطئ، بل تسهم في تحويلها إلى مشاريع ربحية على حساب الراحة النفسية والمالية لزوارها.

ووفق شهادات متطابقة لمرتادي الشواطئ، فإن المساحات الكبرى من الرمال يتم احتلالها من طرف أصحاب المظلات والكراسي، الذين يفرضون أثمانا مرتفعة للاستفادة من الظل، مما يحرم العديد من الأسر من الترفيه في مكان يفترض أن يكون عامًا ومجانيا.

ويشكو مواطنون من الفوضى التي يعرفها محيط هذه المناطق من حيث مواقف السيارات، ففي غياب تنظيم رسمي محكم، تنتشر ظاهرة 'الحراس العشوائيين' الذين يفرضون إتاوات تتراوح بين 10 و20 درهما، دون أي سند قانوني، وغالبا ما تكون مرفوقة بتهديدات مبطنة في حال الرفض.

وحسب تصريحات متفرقة استقتها جريدة 'العمق'، فإن هذا الوضع يضع الزوار أمام خيارين كلاهما مرّ: إما الدفع مقابل موقف غير قانوني، أو المخاطرة بالتعرض للتخريب أو الاعتداء.

وطالب العديد من البيضاويين، من خلال حملات على مواقع التواصل الاجتماعي، السلطات المحلية بضرورة تحرير الملك العمومي وتطهيره من المتربصين، وتوفير حلول بديلة وآمنة لمواقف السيارات من خلال اعتماد نظام تسيير شفاف ومراقب.

ويرى نشطاء مدنيون أنه من الواجب أن تمنح أولوية الولوج إلى الشواطئ للعموم بشكل حر وآمن، مع توفير خدمات ضرورية كتجهيزات النظافة، والإنقاذ، والمرافق الصحية، دون فرض رسوم تعسفية.

ورغم أن هذه التجاوزات تتكرر كل صيف، فإن دور السلطات الجماعية يبقى محل انتقاد واسع، سواء من حيث غياب الرقابة، أو التغاضي عن استغلال الملك العمومي، أو ضعف التدخل ضد الحراس المزيفين.

وفي هذا السياق، يطالب مواطنون بضرورة تدخل والي جهة الدار البيضاء-سطات، وعمدة المدينة، لإعادة النظام إلى هذه الفضاءات الحيوية، وفتح تحقيق شفاف في كيفية إبرام الصفقات، ومدى التزام المستفيدين منها بدفاتر التحملات.

وفي هذا الصدد قال سعيد عاتيق، فاعل سياسي وجمعوي بمدينة الدار البيضاء، إنه 'مع حلول فصل الصيف، تعود إلى الواجهة إشكالية قديمة-جديدة تؤرق بال المصطافين بالعاصمة الاقتصادية للمملكة: فوضى استغلال الشواطئ وابتزاز المواطنين باسم الكراسي والمظلات، وسط غياب شبه تام للردع القانوني ومراقبة السلطات المختصة'.

وأضاف عاتيق، في تصريح لجريدة 'العمق'، أنه 'رغم ما تعلنه جماعة الدار البيضاء من إجراءات وتنظيمات، وعلى رأسها دفاتر التحملات المفروضة على الشركات المستغلة للشواطئ، إلا أن الواقع يثبت عكس ذلك: فوضى، تسيب، و'فتوة' يمارسها بعض الأفراد بفرض إتاوات غير قانونية على المصطافين، ومنعهم أحيانا من بسط مناشفهم بحرية على الرمال، وكأن الشاطئ تحوّل إلى ملكية خاصة'.

وتابع المتحدث عينه أن 'الشاطئ فضاء عمومي من المفترض أن يتمتع فيه المواطن بحريته، لكن الواقع يجعله يواجه منطق 'السيبة'، فبمجرد أن تطأ قدماك رمال البحر، يباغتك أشخاص يفرضون عليك كراء كراسي أو مظلات بأسعار لا تخضع لأي تسعيرة قانونية، أما إن قررت الاستمتاع برفاهية مجانية تحت أشعة الشمس، فحينها قد تمنع بكل وقاحة من ذلك'.

وأشار الفاعل السياسي إلى أن الصورة تزداد قتامة حين نعلم أن هذا الوضع يتكرر كل صيف، رغم أن القانون واضح، والتوجيهات من السلطات المسؤولة معلنة، لكن يبدو أن 'قانون الشارع' في كثير من الحالات أقوى من 'قانون الإدارة'.

وتابع قائلا: 'فوضى استغلال الشواطئ لا تقتصر فقط على الرمال، بل تمتد إلى الفضاء المجاور، حيث يواجه المواطن ابتزازا آخر من نوع مختلف، المتمثل في حراس السيارات غير المرخصين، الذين يحتلون الشوارع المحاذية للشواطئ، ويفرضون تسعيرات خيالية لركن السيارات، مصحوبة أحيانا بتهديدات مبطنة في حال الرفض'.

وأوضح عاتيق أن 'المعضلة الحقيقية لا تكمن في غياب النص القانوني، بل في غياب تطبيقه، فالسلطات المحلية والجماعية تتحمل مسؤولية مباشرة في هذه الفوضى، بسبب ضعف الرقابة وغياب المحاسبة'، مضيفا: 'بل الأخطر من ذلك، أن بعض دفاتر التحملات توضع فقط بمنطق المداخيل المالية، لا بمنطق حماية الفضاء العمومي وكرامة المواطن'.

وأكد أيضا أن 'المواطن اليوم، بدل أن ينعم بلحظات استجمام هادئة على شواطئ بلده، يجد نفسه ضحية شبكة من الاستغلال والابتزاز، يدفع خلالها فاتورة الفوضى من ماله وأعصابه وكرامته'.

وأكد أن 'إنهاء هذا الوضع المزري لم يعد مجرد مطلب فئة معينة، بل ضرورة وطنية تمسّ حق المواطن في الاستمتاع بملك عمومي دون خوف أو ابتزاز. وعلى جماعة الدار البيضاء، ووزارة الداخلية، وكل الجهات المعنية، أن تتحمل مسؤولياتها القانونية والأخلاقية في فرض هيبة الدولة، وإعادة الشاطئ إلى حقيقته الأصلية: فضاء حر ومفتوح للجميع، لا حكر فيه لأحد'.