شمبات- نبض السودان

تشهد مدينة الخرطوم بحري مشهدًا غير مألوف عقب انتهاء السيطرة العسكرية لقوات الدعم السريع على المدينة، إذ تحولت العديد من الميادين العامة والشوارع والساحات في أحياء المدينة إلى مقابر بديلة خلال فترة الحرب، في خطوة اضطرارية أملتها الظروف القاسية التي عاشها السكان.

ساحات تتحول إلى مقابر في شمبات

وخلال جولة ميدانية أجرتها “سودان تربيون” في حي شمبات، تبيّن انتشار عدد من المقابر العشوائية داخل الحي، حيث دفن الأهالي ذويهم في المساحات المفتوحة القريبة من منازلهم، بسبب القصف العنيف وصعوبة الحركة في ظل سيطرة قوات الدعم السريع، وهو ما دفعهم للبحث عن أقرب موقع للدفن تفاديًا لمخاطر الانتقال إلى المقابر العامة.

قيود الدعم السريع دفعت الأهالي للدفن داخل الأحياء

وقال المتطوع يعقوب أحمد إن الأهالي الذين لم يغادروا المدينة خلال الحرب لم يكن أمامهم خيار سوى الدفن داخل الأحياء، مشيرًا إلى أن الكثيرين لم يتمكنوا من التنقل لمسافات بعيدة بسبب القصف والقيود الأمنية، مما أدى إلى استخدام الساحات والملاعب كمواقع للدفن المؤقت.

جثث داخل المنازل.. والقلق يتصاعد

رصدت “سودان تربيون” وجود جثة متحللة تعود لأحد عناصر الدعم السريع داخل منزل مهجور، ما يسلط الضوء على مأساة إنسانية مركّبة، تتمثل في وجود رفات بشرية غير مدفونة أو مدفونة بطريقة غير ملائمة، وسط مناشدات للأجهزة المختصة بالتدخل العاجل.

وأكد شهود عيان أن بعض المنازل تضم قبورًا داخلية، بعد أن لقي سكانها حتفهم نتيجة القصف أو بسبب الأمراض التي انتشرت خلال الحرب، مثل الكوليرا والحميات الفيروسية، وهو ما يثير مخاوف صحية واجتماعية كبيرة لدى العائدين تدريجيًا إلى المدينة.

أستاد ومسرح تحولا إلى مقبرة

وتحوّل جزء من أستاد امتداد شمبات وموقع مسرح خضر بشير في شمبات الحلة إلى مقابر بديلة، وفق ما رصدته الجولة الصحفية، كما جرى توثيق مقبرة صغيرة حول مسجد مربع 3 بامتداد شمبات، في دلالة على اتساع نطاق الدفن خارج المقابر الرسمية.

رغبة في نقل الرفات تصطدم بالبيروقراطية

يحاول بعض الأهالي حاليًا نقل رفات ذويهم إلى المقابر العامة بعد أن استعادت القوات المسلحة السيطرة على المدينة في يناير الماضي، لكنهم يواجهون تعقيدات إجرائية وأمنية.

وقال محمد عباس، أحد سكان أم درمان، إنه سعى لنقل رفات شقيقه من مقبرة عشوائية بحي شمبات إلى مقبرة عامة، إلا أن الإجراءات الشرطية المعقدة أعاقت تنفيذ رغبته، خاصة في ظل صعوبة الحركة وتردي الوضع الأمني.

في المقابل، تمكن أحد السكان السوريين من نقل رفات طفلته بنجاح، في خطوة اعتبرها كثيرون نموذجًا لما يجب فعله لإكرام الموتى وإعادة النظام العمراني للمدينة.

الشرطة تطالب ببلاغات لتسهيل عمليات النقل

وقال الناشط مصعب الجاك إنهم حاولوا التنسيق مع الشرطة لنقل الرفات من الشوارع والميادين، لكن تعقيدات الإجراءات القانونية والإدارية، إلى جانب الإحالة إلى قسم شرطة الصافية كجهة اختصاص، أعاق كل الجهود، مشيرًا إلى أن الشرطة طلبت تجميع أكبر عدد من البلاغات لتسهيل عمليات الإخلاء.

عودة السكان تصطدم بـ'مقابر الأحياء'

ومع عودة تدريجية لبعض العائلات إلى أحيائها في بحري بعد غياب امتد لعامين، تظهر المقابر العشوائية كأحد أبرز التحديات النفسية والاجتماعية، إذ يشعر السكان بعدم الارتياح إزاء دفن الموتى داخل ميادين وساحات وأسطح المنازل المجاورة، ما قد يتطلب حلولًا حكومية عاجلة لاحتواء الأزمة وضمان سلامة البيئة السكنية.