اخبار الكويت
موقع كل يوم -جريدة القبس الإلكتروني
نشر بتاريخ: ١١ تشرين الأول ٢٠٢٥
وليد منصور -
تشير دراسة حديثة، لمؤسسة Oxford Economics، إلى أن الاقتصادات الخليجية تتمتع بأسس قوية، ستجعلها تتفوّق هيكليًا على نظيراتها من الاقتصادات المتقدمة في نمو الاستهلاك على المدى الطويل.
ويعزو التقرير هذه النظرة المتفائلة إلى مزيج من العوامل الديموغرافية الإيجابية، والهجرة النشطة، والإصلاحات المستمرة في سوق العمل والتعليم، والتي ستسهم مجتمعة في تعزيز القوة الشرائية وزيادة الإنفاق الأسري في العقود المقبلة:
1 ــ ديموغرافيا شابة تدعم النمو
تُعد البنية السكانية الشابة في دول الخليج عاملاً محورياً في دعم الاستهلاك. يبلغ متوسط عمر السكان في دول مجلس التعاون 30.7 عامًا في عام 2024، مقارنة بمتوسط يبلغ 38.3 عامًا في الولايات المتحدة، و49.4 عامًا في اليابان، و39.6 عامًا في الصين.
وتُظهر التوقعات أن متوسط العمر في الخليج سيرتفع بنحو 1.8 سنة فقط بحلول عام 2050، في حين سيزداد في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) بـ7.2 سنوات، وفي الصين بـ12.6 سنة ليصل إلى 52.1 سنة
هذه الفجوة العمرية الواسعة تمنح اقتصادات الخليج ميزة تنافسية طويلة الأمد، إذ إن الفئة العمرية الأكثر إنتاجية وإنفاقًا (بين 25 و54 عامًا) تشكّل الحصة الأكبر من السكان، مما يعني زيادة في الدخل والاستهلاك الفردي بمرور الوقت.
فوفقًا لبيانات مكتب إحصاءات العمل الأمريكي، يبلغ متوسط إنفاق الأفراد في الفئة العمرية 25 ـــ 34 عامًا نحو 71.86 ألف دولار سنويًا، مقابل 49.56 ألف دولار لمن هم دون 25 عامًا. وبافتراض أنماط إنفاق مشابهة، يتوقع التقرير أن تنمو معدلات الإنفاق في الخليج بقوة مع تقدم السكان في العمر
2 ــ ضعف تأثير الشيخوخة على المالية العامة
على عكس الاقتصادات المتقدمة، التي تواجه أعباء مالية متزايدة نتيجة شيخوخة السكان، تتمتع دول الخليج بانخفاض كبير في معدل الإعالة السكانية. إذ يبلغ هذا المعدل %32.1 في عام 2024، ومن المتوقع أن يرتفع قليلاً إلى %35.1 بحلول عام 2050، مقارنة بـ%70.1 في اليابان، و%56.6 في الدول مرتفعة الدخل
وتقدّر بيانات صندوق النقد الدولي أن الإنفاق المرتبط بالشيخوخة (التقاعد والرعاية الصحية) سيرتفع في الولايات المتحدة بنسبة %2.8 من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2030، وبنسبة %2.1 في مجموعة العشرين المتقدمة. في المقابل، لن يتجاوز هذا الارتفاع %0.4 في الإمارات وقطر وعُمان، و%1.1 في السعودية، و%1.3 في الكويت، و%0.3 في البحرين. وبذلك، ستكون الأسر الخليجية أقل عرضة لضغوط مالية ناتجة عن تمويل شيخوخة السكان، هذا الواقع يعني أن الإنفاق سيتجه نحو السلع الاستهلاكية والمنتجات المعمرة، بدلاً من الرعاية الصحية وخدمات التقاعد التي تستهلك نسبًا متزايدة من الدخل في الاقتصادات المتقدمة.
3 ــ دور الهجرة في دعم العرض العمالي
تُعد معدلات الهجرة المرتفعة من السمات الفريدة لاقتصادات الخليج. إذ يشكّل الوافدون ما يقرب من %77 من سكان قطر، و%40.3 من سكان السعودية، بينما لا تتجاوز نسبتهم %15 في الولايات المتحدة، و%3 في اليابان. وتساعد هذه التركيبة على إبقاء متوسط عمر السكان منخفضًا نسبيًا.
معظم الوافدين في الخليج من العمالة المنخفضة الدخل، التي تمتاز بمعدل ادخار مرتفع، وتحويل جزء كبير من دخلها إلى الخارج، في حين يزداد حضور العمالة العالية المهارة ذات الدخول المرتفعة، التي تميل إلى الاستقرار في المنطقة. وقد ساهمت برامج الإقامة الذهبية الجديدة في الإمارات والسعودية في تشجيع هذه الفئة على البقاء والاستثمار محليًا، مما يبقي جزءًا أكبر من الثروة داخل اقتصادات الخليج.
4 ــ إصلاحات سوق العمل وزيادة المشاركة النسائية
شهدت السنوات الأخيرة ارتفاعًا ملحوظًا في معدلات المشاركة في سوق العمل بفضل الإصلاحات الهيكلية، خصوصًا في ما يتعلق بمشاركة النساء. فبينما يبلغ متوسط مشاركة الرجال في دول الخليج %85.6، لا تزال مشاركة النساء عند %42.1، مقارنة بـ%66.5 في دول OECD. هذا الفارق، بحسب التقرير، يشكّل فرصة للنمو الاقتصادي وليس ضعفًا، لأن أي تحسن إضافي في مشاركة النساء سيرفع الطاقة الإنتاجية ويزيد الإنفاق الأسري
في السعودية مثلًا، ارتفعت مشاركة النساء في القوى العاملة بصورة ملحوظة خلال العقد الماضي، مدفوعة بتغييرات تنظيمية وثقافية، لكن المشاركة لا تزال أقل من المستويات العالمية، ما يعني أن المجال ما زال واسعًا لتحقيق مكاسب اقتصادية إضافية مع استمرار الإصلاحات.
5 ــ التحصيل التعليمي كمحرك للإنتاجية والدخل
يشير تقرير Oxford Economics إلى أن معظم دول الخليج حققت تقدمًا كبيرًا في متوسط سنوات التعليم بين السكان في سن العمل، إلا أن الفجوة لا تزال قائمة مقارنة بالولايات المتحدة. فقد ارتفع متوسط سنوات التعليم في الإمارات بـ7.2 سنوات للذكور، و6.9 سنوات للإناث، لتقترب من المستويات الأمريكية بفارق أقل من سنة واحدة. بينما جاء الأداء الأضعف في الكويت بزيادة لا تتعدى 1.9 سنة للذكور، و3 سنوات للإناث، أي بفارق يتراوح بين 5.6 و6.3 سنوات عن الولايات المتحدة.
هذا التحسن في جودة رأس المال البشري من شأنه رفع الإنتاجية ومستويات الدخل مستقبلاً، مما سينعكس بدوره على ارتفاع الاستهلاك الفردي والأسري في المنطقة.
مقومات ديموغرافية وهيكلية
يخلص التقرير إلى أن الاقتصادات الخليجية تستند إلى مقومات ديموغرافية وهيكلية تمنحها تفوقًا طويل الأمد في نمو الاستهلاك. فالشباب يشكّلون غالبية السكان، والعبء المالي للشيخوخة محدود، والهجرة والإصلاحات في سوق العمل والتعليم تعززان النمو المستدام. وبهذا، يتوقع أن يستمر استهلاك الأسر الخليجية في الارتفاع بمعدل يفوق الاقتصادات المتقدمة، مدفوعًا بارتفاع الدخل، وتحسّن جودة الحياة وتوسّع الطبقة الوسطى.