بين حركة التداولات المتسارعة، وتحوّل السيولة بين القطاعات، وتأثير القوانين الجديدة على قرارات الملاك والمستثمرين، يقف السوق العقاري الكويتي على أعتاب مرحلة مفصلية مع اقتراب عام 2026.

مرحلة لا تشبه موجات الارتفاع الحادة، التي أعقبت جائحة «كورونا»، ولا تعكس في الوقت ذاته انهياراً سعرياً، بقدر ما تشير إلى إعادة ترتيب المشهد العقاري وإعادة تسعير تدريجية فرضتها زيادة المعروض، وتغير سلوك المستثمرين، وحزمة تشريعات أعادت رسم خريطة الاستثمار بين السكني والاستثماري والتجاري.

وفي ظل هذه التحولات، تتباين قراءات الخبراء بين استقرار حذر في بعض القطاعات، وضغوط سعرية متفاوتة في قطاعات أخرى، وسط سوق يبحث عن توازن جديد يربط بين حجم التداول والقيمة الحقيقية للأصول، ويحدد ملامح المرحلة المقبلة بعيداً عن المضاربات القصيرة الأجل.

بداية، قال الخبير العقاري، سليمان الدليجان، إن توقعات عام 2026 لا تختلف كثيراً عن أداء السوق في 2025، التقديرات كانت تشير إلى أن تكون قيمة التداولات في 2025 أقل من 2024، إلا أن النتائج جاءت بعكس التوقعات، إذ ارتفعت التداولات إلى نحو 3.7 مليارات دينار، دون أن ينعكس ذلك بالضرورة على مستويات الأسعار، خصوصاً في القطاع السكني الذي شهد تراجعاً في الأسعار وارتفاع في التداول.

وأوضح أن ارتفاع التداولات السكنية جاء نتيجة زيادة المعروض بعد طرح كميات كبيرة من الأراضي، مدفوعة بمخاوف الملاك من تطبيق قانون منع احتكار الأراضي الفضاء، ما أدى إلى زيادة العرض، وانخفاض الأسعار، مقابل ارتفاع في حجم التداول. القطاع السكني في عام 2026 من غير المتوقع أن يشهد تغيراً كبيراً، اما استمرار الأداء على الوتيرة نفسها، أو تسجيل مزيد من الانخفاض، وذلك وفقاً لحجم المعروض.

ولفت الدليجان إلى أن حجم الأراضي المعروضة خلال شهري يونيو ويوليو 2025 فاق التوقعات، إلا أن السوق تمكن من امتصاصه، مع إعادة تداول القسائم لاحقاً بأسعار أقل من مستويات السوق، مؤكداً أن هذه التوقعات تقتصر على الأراضي السكنية، ولا تشمل البيوت، التي تخضع لاعتبارات مختلفة.

وفي ما يتعلق بالقطاع الاستثماري، أشار الدليجان إلى أنه استحوذ على حصة لا تقل عن %40 من التداولات، بعد أن كانت تتراوح بين %20 و%25، مدفوعاً بعوامل عدة، أبرزها انخفاض أسعار الفائدة، وتحول السيولة من القطاع السكني إلى الاستثماري باعتباره أكثر أماناً ويوفر عائداً. إلا أنه لفت إلى أن التداولات الاستثمارية تراجعت خلال الشهرين الماضيين نتيجة لائحة البناء الاستثماري الجديدة، متوقعاً أن تعود للارتفاع مع احتمالات خفض أسعار الفائدة مجدداً بنهاية العام الحالي أو خلال 2026.

خريطة العقار

بدوره، قال رئيس اتحاد العقاريين، إبراهيم العوضي، عام 2026 مرشح لتسجيل انخفاض تدريجي، قد تتضح حدته مع نهاية العام، وسيولة كبيرة ستتجه نحو القطاعين الاستثماري والتجاري، والقطاع الاستثماري شهد ارتفاعات سعرية حادة نتيجة ندرة الفرص الاستثمارية وانتقال السيولة من السكني، ما شكل ضغطاً إضافياً على القطاع.

وتابع: كما أن الخطوات الحكومية المتعلقة بوقف ومنع التداولات في القطاع الصناعي، لا سيما في القسائم المملوكة للدولة بمناطق الشويخ والري والأحمدي والفحيحيل والجهراء، كانت من العوامل المؤثرة، ومن المتوقع أن يستمر أثرها خلال العام المقبل

وفيما يتعلق بالقطاع التجاري، قال العوضي إنه مرشح لمزيد من الارتفاع، إلا أن حجم الصفقات فيه من حيث القيمة يفوق القطاع الاستثماري، ما يجعل التوجه إليه غالباً مقتصراً على رؤوس الأموال الكبيرة. وأعرب عن اعتقاده بأن هذا الصعود بالأسعار سيستمر خلال الفترة المقبلة، لا سيما مع توقعات انخفاض أسعار الفائدة خلال العام المقبل.

وبيّن انه لقياس ما سيحدث في عام 2026، يجب الإشارة إلى أن سوق العقار السكني شهد ارتفاعات حادة جداً بعد أزمة كورونا، حتى بلغ ذروته في سبتمبر 2022، ومنذ ذلك الوقت وحتى ديسمبر 2023 سجل السوق انخفاضات، لكنها لم تكن محسوسة لدى المتداولين. وبعد صدور قانون منع احتكار الأراضي الفضاء في 2023، شهد السوق انخفاضاً واضحاً استمر حتى نهاية العام الحالي، حيث بلغ معدل التراجع في بعض المناطق نحو %25، فيما وصلت الانخفاضات في مناطق أخرى إلى %36، لا سيما في الخيران السكنية، كما سجلت مناطق جنوب السرة وأبو فطيرة والفنطاس والمسايل تراجعاً بنحو %25، في حين بلغ الانخفاض في مناطق داخلية مثل كيفان والفيحاء وغيرها نحو %13.

وأشار العوضي إلى أن مسار الانخفاض سيستمر، ومن المتوقع أن يبلغ قاعه في عام 2026، تعقبه مرحلة من الاستقرار السعري، مبيناً أن القطاع السكني قد يشهد مزيداً من التراجع في حال اتجهت الحكومة إلى فرض قوانين جديدة تحد من ارتفاع الأسعار، إلى جانب طرح مشاريع سكنية جديدة، وشدد على أن خفض الأسعار بات مسؤولية مشتركة، حتى تصبح في متناول الجميع، لا سيما المواطن الكويتي المنتظر للرعاية السكنية.

توازن السوق

من جانبه، قال الباحث العقاري عبدالرحمن الحسينان إن القطاع الاستثماري يتجه نحو الاستقرار، كونه يتصدر المشهد العقاري في المرحلة الحالية، مدفوعاً بارتفاع الطلب على كلٍّ من العقارات القديمة القابلة للهدم والعقارات الجديدة، وبدأ المستثمرون بالخروج من الاستثمار القصير الأمد بحثاً عن الاستقرار، ومن المتوقع أن يتراجع هذا النوع من الاستثمار بشكل شبه كامل في عام 2026، لاسيما في ظل غياب الاستقرار، الذي شهده السوق خلال عامي 2024 و2025 في بعض الأنشطة العقارية، وعلى رأسها القطاع السكني، الذي اتسم بالتقلب.

وتابع: إن أسعار السكن الخاص لا تزال متفاوتة بين فترة وأخرى، ما يجعل من الصعب تحقيق حالة استقرار حقيقية، وفي الوقت نفسه لا يتوقع حدوث انخفاض حاد في الأسعار. أما مناطق على الدائريات الأول والثاني والثالث مرشحة للاستقرار، في حين قد تشهد المناطق الأخرى تراجعاً محدوداً في الأسعار، دون أن يصل إلى %50، مع الإشارة إلى بطء حركة التداول في بعض المناطق.

وأوضح الحسينان أن عام 2026 سيشهد إعادة تسعير شاملة تبدأ بالقطاع السكني، ثم تمتد إلى القطاع التجاري، وصولاً إلى القطاع الاستثماري، فالقطاع التجاري يتراوح العائد حالياً بين %7.5 و%7.7، وهي نسب لم تكن معتادة في السابق.

وأضاف أن القطاع السكني سيشهد تغيرات واضحة في بعض المناطق، خاصة في حال تسريع وتيرة التوزيعات الحكومية، ولا سيما إذا بادرت وزارة الإسكان إلى تسريع عمليات التوزيع خلال الفترة المقبلة.

طلب متزايد على الأبراج الصغيرة

بخصوص القطاع التجاري، أكد الدليجان أنه الأكثر استقراراً، مع وجود طلب متزايد على الأبراج الصغيرة، التي تقل قيمتها عن 10 ملايين دينار، نظراً لتقارب أسعارها مع القطاع الاستثماري.

إعادة تسعير «السكني»

قال العوضي إن إعادة تسعير شاملة يشهدها القطاع السكني تعتمد على عوامل عدة، أبرزها:

1- القوانين والقرارات الحكومية المتعلقة بفرض ضريبة على من يملك أكثر من منزل.

2- إعادة النظر في الدعوم مثل الكهرباء والماء.

3- الحد من تحويل البيوت إلى شقق سكنية.

4- تحرك المؤسسة العامة للرعاية السكنية لطرح مشاريع إسكانية بوتيرة أسرع.

وأوضح أن في حال غياب التحرك في هذا الاتجاه، فإن السوق سيتأثر سلباً ويتجه نحو الارتفاع، اليوم السوق يمر بمرحلة مفصلية ومهمة جداً، إذ إن توقف القوانين والحزم والمشاريع الحكومية المرتبطة بالرعاية السكنية قد يؤدي إلى ارتداد سريع وارتفاع حاد في الأسعار.