اخبار المغرب
موقع كل يوم -اندبندنت عربية
نشر بتاريخ: ١ تشرين الأول ٢٠٢٥
ابتعد عن تقليد المشاريع الفكرية الغربية والعربية وأوجد منهجاً نهضوياً أصيلاً وواقعياً ورشح إلى نوبل
نشرت دار توبقال طبعات جديدة لأعمال محمد عزيز الحبابي الرائدة، من بينها كتابه 'ورقات عن فلسفات إسلامية'، وأطروحته الأكاديمية 'من الكائن إلى الشخص'. ونشرت الدار أيضاً دراسة مهمة عن النتاج الفكري للفيلسوف الراحل أنجزها الباحث عبد الكريم الشريعة، وحمل عنوان 'نقد الحداثة وحقوق الإنسان في فلسفة محمد عزيز الحبابي'.
ويعتبر الشاعر والأكاديمي المغربي محمد بنيس، مؤسس دار توبقال، أن محمد عزيز الحبابي هو الفيلسوف الأول في المغرب، لذلك تأتي هذه المبادرة تكريماً له وتقديراً لدوره الريادي في الحياة الفكرية والثقافية.
ويرى عبد الكريم الشريعة في كتابه الذي يتناول المشروع الفكري عند الحبابي أن الفيلسوف المغربي قد 'نهج محمد عزيز الحبابي في صياغة فلسفته طريقاً مختلفاً عن بقية معاصريه، حيث ابتعد عن تقليد المشاريع الفكرية التي برزت في الغرب، وحتى في المغرب والمشرق، وأبدع فلسفة إنسانية ومشروعاً نهضوياً خاصين به؛ فلسفة أصيلة وواقعية، مشدودة إلى التربة الإسلامية الغنية بالمعاني والقيم الإنسانية، ومنفتحة على منتجات الغرب، معبراً بذلك عن فكر نقدي - تواصلي يدمج بين الثقافتين العربية الإسلامية والغربية'.
درس محمد عزيز الحبابي في الأربعينيات في فرنسا، وحصل عام 1954 على شهادة الدكتوراه من جامعة السوربون، ليكون بذلك أول باحث مغربي ينال شهادة الدكتوراه من الجامعة الفرنسية العريقة. وقد آثر أن يتشغل في بداية مساره المهني بفرنسا، فعمل باحثاً في المعهد الوطني للبحث العلمي بباريس، قبل أن يعود إلى المغرب عام 1959 ليمارس التدريس في كلية الآداب والعلوم الإنسانية ثم عين لاحقاً عميداً لهذه الكلية. وأسس وترأس الجمعية الفلسفية المغربية، كما ترأس تحرير مجلتين فكريتين هما 'تكامل المعرفة' و'ودراسات أدبية وفلسفية'. وقد كان محمد عزيز الحبابي عضواً في عدد من الأكاديميات العربية والدولية، من بينها: أكاديمية المملكة المغربية، وأكاديمية القاهرة، والأكاديمية المتوسطية بإيطاليا، فضلاً عن عضويته في جمعية 'أهل الآداب' في باريس والفيدرالية الدولية للفلسفة. وقد ترك إرثاً فكرياً وثقافياً مهماً، فمن بين أعماله المتداولة والمترجمة: 'من الكائن إلى الشخص'، 'الشخصانية الإسلامية'، 'من الحريات إلى التحرر'، 'تأملات في اللغو واللغة'، 'عالم الغد. تحديات العالم الثالث'.
اللافت أن الحبابي لم يذهب إلى فرنسا للدراسة إلا بعد تردد، فقد كان في شبابه منخرطاً في الحركة الوطنية التي عملت على مقاومة الاستعمار الفرنسي، بالتالي كانت سلطات الاحتلال تقوم بعرقلة مساره الدراسي.
كانت نباهة الحبابي مبكرة للغاية، ففي عامه الثاني والعشرين ألف كتاباً عنوانه 'مفكّرو الإسلام'. واللافت أيضاً أن الحبابي الذي عرف كفيلسوف، كان أول مغربي يتم ترشيحه لجائزة نوبل للآداب عن أعماله الأدبية، أي باعتباره أديباً، فمن من فرع للفلسفة في جوائز نوبل. فله أعمال أدبية مكتوبة بالعربية والفرنسية من بينها: 'بؤس وضياء'، 'جيل الظمأ'، 'العض على الحديد'، 'إكسير الحياة'، 'يتيم تحت الصفر'، 'ثمل بالبراءة'. كان ترشح الحبابي لنوبل عام 1987، وهي السنة التي عادت فيها الجائزة إلى الروسي جوزيف برودسكي. وجاء هذا الترشح بمبادرة من أصدقائه وبدعم عدد من الهيئات الثقافية، مثل اتحاد كتاب المغرب والجمعية الفلسفية المغربية، وجمعية الكتاب الفرنسيين. وقد كان اسم الحبابي على اللائحة النهائية للجائزة بحسب محمد مصطفى القباج المدير العلمي في أكاديمية المملكة المغربية في تلك الفترة، وكان في الآن ذاته عضواً ضمن اللجنة الداعمة لترشح الحبابي لنوبل والتي عملت على عقد ندوات متعاقبة عنه وترجمة أعماله إلى لغات أخرى غير الفرنسية والإنجليزية، من بينها الألمانية والبرتغالية.
الحرية والانفتاح
يقول المفكر المغربي نور الدين أفاية لـ 'اندبندنت عربية' إن محمد عزيز الحبابي يستحق كل احتفاء، خصوصاً في الزمن الراهن، بحيث ينشغل الناس بأمور وتفاصيل توجد خارج الفكر والثقافة. يقول أفاية عن مبادرة دار توبقال: 'لم أفاجأ بهذه الالتفاتة المهمة من دار توبقال، فهي مؤسسة يقف وراءها مثقفون ومبدعون ونقاد مهمون، واهتمامهم بالأسماء المغربية التي خلقت حركية ثقافية في أواسط القرن وما يليها يأتي في سياق تنبيه الباحثين والدارسين إلى ما كان عليه المغرب من ريادة على المستوى الفكري. وإعادة إصدار الكتب المؤسسة عملية تهدف إلى التذكير بمراحل مضيئة في التاريخ الثقافي المغربي'.
يرى صاحب 'الهوية والاختلاف' و'الديمقراطية المنقوصة' أن هناك من نسي الحبابي، وثمة في المقابل من يشتغل باستمرار على نصوصه الفكرية والإبداعية ترجمة وتدريساً وتحليلاً. يقول أفاية: 'إن رجلاً في حجمه لا يمكن أن يخرج من الذاكرة الثقافية والفكرية للبلاد. فقد أسهم بشكل لافت في إدخال الفلسفة إلى الجامعة، وشجع على الدرس الفلسفي، ووسع دائرة الاهتمام بالفكر. بالتالي لا يمكن لدارسي ومؤرخي الأفكار عدم تقدير جهده'.
يرى نور الدين أفاية أن الحبابي لم يكن مثقفاً عادياً، فهو سليل الحركة الوطنية، قارئ كبير للتراث العربي والإسلامي، لكنه منفتح في الآن ذاته على الفكر المعاصر، وعلى ثقافات العالم. وكان يمتلك قدرة كبيرة على التفاعل مع الأفكار الجديدة. ولم يكن يتردد في إبداء رأيه وتسجيل موقفه.
يضيف المفكر المغربي: 'يحظى الحبابي بمكانة رفيعة في العالم العربي والإسلامي، فقد قرئت أعماله الفكرية وترجمت. ثم إنه من المثقفين القلائل الذين كانوا يهتمون بإنتاج المفكرين الأفارقة. وأتذكر أنه في الثمانينيات أشرف على تنظيم ندوة فكرية دولية بالمغرب دعا إليها عدداً مهماً من الفلاسفة والمفكرين الأفارقة. إضافة إلى ذلك كان الحبابي فاعلاً مدنياً كبيراً. فقد عمل على تأسيس اتحاد كتاب المغرب العربي. وكان ينتصر لهذه الجغرافيا حالماً بنهضة كبيرة في المنطقة المغاربية'.
كان الحبابي، وفق الأكاديمي المغربي نور الدين أفاية، مسكوناً بأسئلة الوجود، ومشغولاً على الدوام بأمرين: أولاهما الحرية، التي عاش حياته مدافعاً عنها، وثانيهما الانفتاح على الآخر، وعلى الثقافات المغايرة. ويكفي تذكّر كتابه 'من المنغلق إلى المنفتح. عشرون حديثاً عن الثقافات القومية والحضارة الإنسانية'.