القرار يستند إلى القانون الكويتي الذي ينص على إمكان سحب الجنسية إذا ثبت الحصول عليها بطرق غير مشروعة أو من خلال مستندات غير صحيحة

بدا أن الكويت عازمة على المضي في حملة سحب الجناسي والتجريد منها لمن حصلوا عليها بطرق غير مشروعة، بعد أن شرعت في نبش سجلات الموتى، لتلقي بجناسيهم وجناسي الورثة بالتبعية من بعدهم في سجل المهملات.

وحل البلد الخليجي 'برلمانه'، وجمدت بعض مواد دستوره بعد بضعة أشهر من تسلم حاكمه الشيخ مشعل الأحمد السلطة في ديسمبر (كانون الأول) 2023.

وتوعد الأمير في خطاب متلفز في مارس (أذار) 2024 بـ'تسليم الكويت لأهلها الأصليين، نظيفة خالية من الشوائب التي علقت بها'.

وبالأمس أصدرت اللجنة العليا لتحقيق الجنسية في الكويت قراراً بسحب الجنسية من 363 شخصاً، إضافة إلى من اكتسبوها بطريق التبعية، وذلك ضمن مرسوم أميري نشر في الجريدة الرسمية.

ما كان لافتاً في القرار أن ثمة أسماء توارت وتحللت تحت التراب منذ عقود جردت من جناسيها، ومن بينهم الفنان عبدالمحسن السهيل والفنان عبدالرزاق الخلف الشهير بـ'بورزيقه'.

والسهيل الذي بدأ حياته ممثلاً ثم أكاديمياً قضى نحبه في مياه البحر المتوسط، حين كان على متن الطائرة المصرية المنكوبة، 'طائرة مصر للطيران' رقم MS804 حين كان متوجهاً من باريس لحضور مؤتمر في القاهرة في مايو (أيار) 2016.

ولم تكن أقدار الممثل المعروف عبدالرزاق خلف بطل مسلسل 'الأقدار' تختلف كثيراً عن رفيقه في الدراما، إذ لحق به بعد أربع سنوات وجرد من جنسيته بعد ست سنوات من وفاته.

وتفند صحف كويتية القرار بأنه لا يرتبط بالأسماء الراحلة، 'بقدر ما يرتبط بأسرهم وذويهم، الذين حصلوا على الجنسية بالتبعية'.

والقرار الذي جاء استناداً إلى المادة (21 مكرر أ) من قانون الجنسية الكويتي، ينص على إمكان سحب الجنسية، إذا ثبت الحصول عليها بطرق غير مشروعة أو من خلال مستندات غير صحيحة، كما تتيح المادة للجهات المختصة تطبيق القرار بأثر ممتد، بما يضمن مراجعة شاملة لملفات التجنيس.

وتشير تقارير إحصائية إلى أن الحملة التي بدأت في مارس (أذار) 2024 تجاوز عدد ضحاياها 50 ألف مواطن ومواطنة جردوا من جناسيهم، ومن بينهم فنانون ومشاهير ورياضيون وأسماء لامعة في عالم المال والأعمال.

ولم يكن سعد كميل الحكم الكويتي (آنذاك) الوحيد الذي مثل بلاده في كأس العالم 2002 استثناء من القرار، إذ جردته البلاد في مرسومها الأخير من جنسيته ومعه شقيقه المذيع حامد كميل.

وكميل الذي أدار 77 مباراة دولية نال جائزة أفضل حكم آسيوي عام 1997، وتاسع أفضل حكم عالمي عام 2002، وأفضل حكم عربي أعوام 2003 و2007 و2008، وأدرج اسمه ضمن قائمة أفضل 100 حكم عالمي خلال الفترة 1987 و2007.

وكان قبل هذه الأرقام من 'فئة البدون'، غير أن الحكومة الكويتية آنذاك منحته الجنسية عام 2002 تقديراً لـ'خدماته الرياضية الجليلة'، بخاصة أنه أول حكم عربي تسند له مهمة تحكيم ثلاث مباريات في كأس العالم 2002، منها مباراة تحديد المركز الثالث بين كوريا الجنوبية وتركيا.

وفقد كميل جنسيته أخيراً، وفقاً للمادة 21 من قانون الجنسية الكويتية.

ولم يكن الحكم الذي يبلغ اليوم 63 سنة الأسم البارز وحده ضمن القائمة الأخيرة، إذ ثمة أسماء أخرى، منهم المنتج عيسى العلوي، وهو مالك ومؤسس لشركة فروغي للإنتاج الفني ذائعة الصيت في الخليج، والدكتور بركات عوض هديبان الرشيدي رئيس تحرير جريدة الصباح ومالك قناة الصباح.

 وجاء هذا القرار ضمن مرسوم رسمي شمل أكثر من 360 شخصاً، بينهم أسماء بارزة في الإعلام والفن والرياضة ومشايخ وأعيان لعشائر شهيرة.

وخلال الفترات السابقة صدرت مراسيم مشابهة شملت عشرات الحالات، من ضمنها فنانون بارزون، منهم المطربة نوال والممثل داود حسين.

وتشير تقديرات إلى أن النساء هن الأكثر فقداً لجناسيهن، إذ يشكلن نحو 70 في المئة من الأسماء المعلنة منذ بدء الحملة، معظمهن اكتسبن الجنسية من خلال الزواج.

لكنه ووفقاً للمادة الثامنة ضمن قوانين جديدة أقرها الشيخ مشعل في ديسمبر الماضي، 'لا يترتب على زواج المرأة الأجنبية من الكويتي أن تصبح كويتية'.

وبهذا سحبت الجنسية من جميع من أصبحن كويتيات عبر الزواج، منذ عام 1987.

وتشير أرقام لوزارة الداخلية إلى أن 38505 نساء حصلن على الجنسية الكويتية بين 1993 و2020، وفقدنها منذ مارس (أذار) 2023.

وعلى رغم سعي الدولة الخليجية إلى معالجة فحص مئات من الوثائق والملفات قبل المضي في قرار سحب الجنسية، فإن تراكمات عقود من عيش فئات من 'البدون'، ممن لا يحملون أية جنسية، جعل إنهاء الأزمة أمراً مستعصياً، وسط مطالبات محلية وحقوقية دولية بوضع حد للجانب الإنساني من الملف من دون تأخير.

وأسند ملف سحب الجناسي إلى الشيخ فهد اليوسف وزير الداخلية الكويتي.

يقول اليوسف، وهو المسؤول الأكثر ظهوراً وحديثاً حول هذا الملف، إن 'الكويت تمنح حرية السفر والإقامة لمن سحبت جنسياتهم، حتى انتهاء إجراءات تصحيح أوضاعهم'.

وأشار إلى أن هناك دولاً أعادت جنسيات بعض مواطنيها، الذين فقدوها سابقاً.

وحول الجدل في شأن سحب الجنسية الكويتية من الفنانين، أوضح وزير الداخلية أن هذا الملف أغلق نهائياً، مشدداً على أن العمل الفني لا يصنف ضمن الأعمال الجليلة التي تستوجب منح الجنسية، 'فالفنان يغني في مقابل المال وليس مجاناً، ولم يقدم للكويت عملاً جليلاً'.

وكشف عن أن '200 شخص ممن شملهم قرار سحب الجنسية يحملون جوازات سفر كندية وأميركية وعربية، وهذه الإجراءات مستمرة'، وتوعدهم بقوله 'من لم ينكشف اليوم سينكشف غداً'.

وتشير الداخلية الكويتية إلى أن قرار سحب الجنسية يأتي 'للازدواجية'، وفي حالات أخرى بسبب 'غش وأقوال كاذبة وتزوير'، علاوة على حالات أخرى بسبب 'المصلحة العليا للبلاد'. كما أشار إلى أن ثمة لجنة للتظلمات من القرارات، وهي بدورها تنظر في المعترضين.

وتشمل وفقاً لقانون البلاد الجديد حالات سحب الجنسية في حالة حكم عليه 'بحكم بات بعد منحه الجنسية الكويتية في جريمة مخلة بالشرف أو الأمانة، أو بجريمة من جرائم أمن الدولة الداخلي أو الخارجي، أو في جريمة المساس بالذات الإلهية أو الأنبياء أو الذات الأميرية'.

وفي وقت سابق جرد مواطن من جنسيته، بسبب 'التطاول على الذات الأميرية'.

ويبدو أن سياسة الأمير، الذي توعد 'بتنظيف الكويت وإعادتها لأهلها الأصليين'، تهدف إلى حصر الجنسية لمن ورثوها أباً عن جد منذ نشأة البلاد الأولى.

ووفقاً لقانون الجنسية فإن الكويتيين الأصليين هم المتوطنون في البلاد منذ عام 1920، وكانوا محافظين على إقامتهم.