اخبار المغرب
موقع كل يوم -العمق المغربي
نشر بتاريخ: ٢٩ أيار ٢٠٢٥
سلط تقرير حديث نشرته مجلة 'جون أفريك' الفرنسية الضوء على الدور الاستراتيجي الذي لعبه البعد الديني في تعزيز نفوذ المملكة المغربية في القارة الأفريقية، معتبرا الإسلام المغربي، تحت قيادة الملك محمد السادس بصفته 'أمير المؤمنين'، أداة رئيسية للقوة الناعمة.
ورغم أن التقرير جاء ضمن ملف تناول تصنيف الدول الأفريقية الأكثر أداء، حيث حل المغرب ثالثا، إلا أنه أفرد حيزا لتحليل هذا الجانب الذي وصف بأنه غير قابل للقياس الكمي بسهولة في إطار المؤشرات التقليدية للأداء.
وأشار التقرير إلى أن استخدام الدين كأداة نفوذ لم يقتصر في المغرب على الجانب الروحي، بل امتد ليصبح موردا سياسيا فعالا. وعاد هذا التوجه إلى تاريخ طويل من الروابط الروحية بين المغرب والعمق الأفريقي، كما أوضح أكاديمي مغربي متخصص للمجلة، مشيرا إلى استمرارية هذه العلاقة منذ قرون. وقد عمل الملك محمد السادس، منذ توليه العرش، على تفعيل هذه الروابط التاريخية على نطاق إقليمي أوسع، ليصبح الإسلام المغربي، بخصائصه وأطره، وسيلة 'ناعمة ولكنها فعالة لفرض النفوذ'.
وأوضحت المجلة أن هذه الاستراتيجية اندرجت ضمن رؤية مغربية أوسع نطاقا، هدفت إلى تحقيق الاستقرار الداخلي ومواجهة التيارات المتطرفة، إلى جانب تعزيز الإشعاع الخارجي للمملكة. وعُدّ مركز الملك بصفته 'أمير المؤمنين' حجر الزاوية في هذه المقاربة. وقد ركز المغرب على الترويج لإسلام وسطي معتدل، متجذر في المذهب المالكي والعقيدة الأشعرية والتصوف السني، وهي مدارس عقدية وفقهية تحظى بحضور وتاريخ طويل في العديد من بلدان غرب أفريقيا، مما شكل 'موروثا عقديا' عزز التقارب بين شعوب المنطقة، بحسب الأكاديمي ذاته.
واعتمد المغرب في تفعيل استراتيجيته الدينية الأفريقية على عدة آليات مؤسساتية. فقد شهد الحقل الديني بالمملكة عملية إعادة هيكلة وتحديث، شملت إعادة تنظيم المجلس العلمي الأعلى وتحديث مؤسسات مثل الرابطة المحمدية للعلماء التي عملت كـ 'مركز تفكير ديني'. وأبرز التقرير بشكل خاص دور معهد محمد السادس لتكوين الأئمة والمرشدين والمرشدات، الذي استقبل سنويا طلابا من دول أفريقية ومن فرنسا لتدريبهم على قيم التسامح والاعتدال، ليصبح بذلك 'واجهة' للإسلام المغربي المعتدل، ولبّى 'طلبا حقيقيا' على هذا النوع من الإسلام دون المساس بسيادة الدول الشريكة، كما قال الباحث أحمد عراقي للمجلة.
ومن أبرز تجليات هذه القوة الناعمة، أشارت 'جون أفريك' إلى مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة التي تأسست عام 2016، والتي جمعت علماء من مختلف أنحاء القارة ونسجت روابط قوية مع النخب الدينية المحلية، ونظمت حوارات حول الإسلام السياقي. ورأى أحمد عراقي أن هذه 'الدبلوماسية' خلقت 'بيئة مواتية للاستثمار على المدى الطويل'، وساهمت في الاستقرار والشرعنة. كما لم يغفل التقرير الدور المركزي للطرق الصوفية، مثل التيجانية التي اعتُبرت قناة روحية هامة في دول مثل السنغال ومالي وكوت ديفوار، أو القادرية البوتشيشية التي لها حضور في الغرب، حيث عملت هذه الزوايا على 'تعزيز السلطة' ولم تعارضها.
ولفت التقرير اإلى الجانب الرمزي والمادي في هذه الاستراتيجية، مثل توزيع المصحف المحمدي المغربي المطبوع بخط وتنسيق مميزين على نطاق واسع في مساجد غرب أفريقيا، في منافسة مباشرة مع نسخ أخرى خاصة المصرية والسعودية. ورأى التقرير أن هذا التوزيع مثل 'طريقة إضافية لترسيم النفوذ'. كما سلط الضوء على تجسيد الملك نفسه للسلطة الروحية عبر استقباله السنوي لمئات العلماء الأفارقة خلال رمضان، وهي مشاهد وصفت بأنها تم 'إخراجها بعناية' لتعزيز مكانة الملك كرمز للإسلام المتسامح على الساحة الدولية.