اخبار الكويت
موقع كل يوم -جريدة الجريدة الكويتية
نشر بتاريخ: ٢٧ كانون الأول ٢٠٢٥
تُعَد الكويت أول دولة عربية خليجية تقيم علاقات دبلوماسية مع جمهورية الصين، وذلك عام 1971، أي قبل 54 عاماً، حين بدأت العلاقات بالتنامي والترابط دبلوماسياً واقتصادياً واليوم أصبحت العلاقات أقرب والمسافات أقصر من خلال تعاون مختلف، التعاون الثقافي والفني بين الكويت والصين من خلال مؤسستين عريقتين بمجموعة فنية استثنائية، وهما المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب برئاسة أمينه العام د. محمد الجسار، ممثلاً وزير الإعلام والثقافة، ودار الآثار الإسلامية بإشراف الشيخة حصة صباح السالم، ممثلة بمجموعة الصباح الآثارية، حيث أثمر هذا التعاون الممتد منذ 3 عقود بين القطاعين الخاص والعام بناء شراكات عالمية بين الكويت وبلدان العالم، استكمالاً لرؤية الشيخ ناصر صباح الأحمد، يرحمه الله. شِنْشِين...
تُعَد الكويت أول دولة عربية خليجية تقيم علاقات دبلوماسية مع جمهورية الصين، وذلك عام 1971، أي قبل 54 عاماً، حين بدأت العلاقات بالتنامي والترابط دبلوماسياً واقتصادياً واليوم أصبحت العلاقات أقرب والمسافات أقصر من خلال تعاون مختلف، التعاون الثقافي والفني بين الكويت والصين من خلال مؤسستين عريقتين بمجموعة فنية استثنائية، وهما المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب برئاسة أمينه العام د. محمد الجسار، ممثلاً وزير الإعلام والثقافة، ودار الآثار الإسلامية بإشراف الشيخة حصة صباح السالم، ممثلة بمجموعة الصباح الآثارية، حيث أثمر هذا التعاون الممتد منذ 3 عقود بين القطاعين الخاص والعام بناء شراكات عالمية بين الكويت وبلدان العالم، استكمالاً لرؤية الشيخ ناصر صباح الأحمد، يرحمه الله.
شِنْشِين...
كانت رحلتنا إلى الصين ضمن وفد «الوطني للثقافة» تجربة استثنائية، وبسردها بعيداً عن الصفة المقالية/الإخبارية الرسمية، حيث كانت محطتنا الأولى في مدينة شِنْشِين، وصلنا في رحلة خط مباشرة عبر الخطوط الجوية الكويتية الى مدينة غوانزو الصينية، ومن هناك استقلينا سيارة من المطار الى شنشين استغرقت الرحلة بالسيارة نحو ساعتين حتى الوصول للمدينة، التي سيفتتح بها أول المعارض المشاركة، حيث أمضينا 3 أيام مكثفة مليئة بالعمل الثقافي واللقاءات الرسمية.
صورة الشيخ ناصر صباح الأحمد تضيء المعرض
منذ وصولنا إلى الصين، كان في استقبالنا مشرف من القنصلية الكويتية في غوانزو، كما استقبلنا لاحقاً في الفندق القنصل العام لدولة الكويت لدى غوانزو، عبدالله التركي، الذي رافقنا واهتم بتفاصيل زيارتنا منذ اللحظة الأولى وحتى مغادرتنا.
الوفد الكويتي والألفة الصينية
تكوّن الوفد الكويتي من المجلس الوطني، برئاسة الأمين العام د. محمد الجسار، ومراقبة الاتصال والإعلام شروق القفاص، والمترجمة الأولى، المسؤولة الإعلامية لدار الآثار الإسلامية، الجازي طارق السنافي، والباحثة في التاريخ الإسلامي دانة الميال، إضافة إلى 3 من مجموعة الصباح الآثارية: أمينة مجموعة الصباح الآثارية، سلام قاوقجي، واختصاصي أول كيمياء أحمد العنزي، وكبير اختصاصيي الكيمياء، عبدالعزيز الدويش، المسؤولان عن تركيب المجموعة الفنية.
وعندما التقينا في المعارض، دارت حوارات رائعة بيننا وبين الصينيين تبادلنا فيها أطراف الحوار الشيّق حول المقتنيات والمشاركة، وقد أشادوا بفريق العمل الكويتي بأنه على قدرٍ عالٍ من الاحترافية والدقّة، وأشادوا بالمجموعة الفنية والشراكة الجديدة، وقد تعلّموا بعض الكلمات الكويتية، مثل «يالله» و«تعال»، ونحن تعلمنا بعض الكلمات الصينية مثل «ني هاو»، أي مرحبا، و«شي شي»، أي شكرا.
«أزهار ونصال»... عندما تتحدث التحف باسم الكويت
شهدنا في شِنْشِين افتتاح معرض «أزهار ونصال... ذخائر البلاط المغولي من القرن 16 - 19 الميلادي»، بمشاركة 143 تحفة نادرة من مجموعة الصباح الآثارية. كان الافتتاح باهراً من حيث التنظيم والحضور، لكن ما أثّر فينا حقيقة هو رؤية اسم الكويت حاضراً بقوة داخل متحف صيني عريق. أُسّس متحف شنتشن عام 1981 كأول متحف في المدينة، إذ يركّز على توثيق تاريخ شنتشن وثقافتها. ويضم آلاف القطع الآثارية القيّمة، كما يُعدّ مركزاً ثقافياً بارزاً يستقطب ملايين الزوار سنوياً من خلال معروضاته المتنوعة وبرامجه وفعالياته التعليمية، وهي المرة الأولى التي يتعاون مع بلد خليجي وعربي لاحتضان مجموعة فنية نادرة، وأول مرة مع الكويت.
القطع الفنية المشاركة: 400 تحفة موزعة بين الصين والهند
تنوعت القطع بين خناجر مرصّعة بالأحجار الكريمة، وأوانٍ كريستالية، ومجوهرات ملكية، ومخطوطات تاريخية، منها صفحات من كتاب «عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات»، مجوهرات، وسجاد وغيرها، حيث كانت طريقة العرض راقية واحترافية، تعكس رؤية واهتمام دار الآثار الإسلامية في تقديم واستعراض الفن كقصة إنسانية ملهمة.
مجموعة الصباح... وبطاقاتنا التعريفية
مجموعة الصباح الآثارية، التي بدأت في سبعينيات القرن الماضي، تُعد اليوم من أهم وأشمل المجموعات الخاصة في العالم، إذ تضمّ أكثر من 33 ألف تحفة نادرة. هذه المجموعة هي ثمرة رؤية الراحل الشيخ ناصر صباح الأحمد، واستمرار لنهج الشيخة حصة صباح السالم في ترسيخ حضور الكويت الثقافي عالمياً.
كنا نرتدي الكروت التعريفية التي تحمل اسم «دار الآثار الإسلامية - مجموعة الصباح الآثارية من الكويت»، ولاحظنا إعجاب المشاركين وأصحاب المتاحف وجامعي التحف واهتمامهم بالمجموعة بشكل لافت للنظر، بل إن بعضهم أقبلوا علينا بدهشة واعتزاز، وبعضهم شاركونا قصصاً شخصية قديمة جمعتهم بالشيخ ناصر، يرحمه الله، مما جعلني أدرك أن هذه المجموعة لها تقدير عالمي سابق معروف قبل أن تُعرَض في المعرض.
هونغ كونغ... كنوز البلاط المغولي وحوار الحضارات
المعرض الثاني الذي زرناه كان «كنوز البلاط المغولي» في متحف هونغ كونغ القصر، حيث شاركت مجموعة الصباح بقطع مختارة ضمن تعاون دولي واسع. الجولة داخل المعرض كشفت عن ثراء المزج بين الحضارات الهندية والفارسية والصينية والأوروبية، وبرزت مجوهرات البلاط المغولي والمخطوطات المرتبطة بتاج محل.
كانت الزيارة الثقافية الرسمية فرصة للبدء بأولى خطوات الحوار ثقافي مع إدارة المتحف حول مشاريع مستقبلية، وتعاون قادم آخر شعرت خلالها بأن الكويت شريك ثقافي حقيقي بين دول العالم المتقدم.
كان المتحف مزدحماً بالزوار وطلبة المدارس، واستقبلنا المرشد «توماس»، وأخذنا في جولة تاريخية بأروقة المعارض المقامة، وختمنا الزيارة بمنظر خلّاب من شرفة المتحف المطلة على النهر.
وقد رتّب الزيارة والمواصلات واهتم بها القنصل العام لدولة الكويت لدى هونغ كونغ ومكاو، ناصر الغانم، الذي استقبلنا لاحقاً في مقر القنصلية الكويتية، وتبادلنا من خلالها سبل التعاون في المستقبل.
غوانغدونغ... روائع تمتد عبر آلاف السنين
في متحف غوانغدونغ - التي تبعد نحو الساعتين بالسيارة عن شنشين - شهدنا افتتاح معرض روائع مجموعة الصباح الآثارية من الكويت، الذي ضم 133 قطعة فنية تمتد من الألفية الثالثة قبل الميلاد وحتى القرن السابع الميلادي. أكثر ما لفت الانتباه هو تنوّع الحضارات والمواد، ومن أهم التحف الفنية المعروضة هو تمثال الوعل البرونزي الذي يبلغ عمره الـ 5000 عام من حضارة بلاد الرافدين، الذي جذب اهتمام الزوار بقوته الرمزية وحجمه وتاريخه، إذ كان المعرض عبارة عن رسالة واضحة عن عمق التاريخ الذي تحمله الكويت للعالم.
وقد صمم المهندس إحدى القطع الفنية بشكل ثلاثي الأبعاد على شاشة حديثة يمكن من خلالها النظر الى التحفة إلكترونياً وتقنياً بكامل تفاصيلها من خلال التقنيات الحديثة، وقيل إنه احتاج إلى أكثر من 400 صورة للتحفة الفنية لعرضها على الشاشات تقنياً.
تمثال من جنوب الجزيرة العربية قبل الإسلام من مجموعة الصباح الآثارية يجذب الكبار والصغار
أقدم مساجد الصين
خلال رحلتنا إلى جنوب الصين قمنا بزيارة أحد أقدم المساجد في مدينة غوانغدونغ، وهو مسجد هوايشنك الواقع في مدينة غوانغتشو، والذي يقال إن تاريخ بنائه يعود إلى عام 627 ميلادية في بداية القرن السابع الميلادي خلال عهد أسرة تانغ، ويُعدّ من أقدم المساجد في الصين. وصلنا إلى المسجد قُبيل وقت صلاة الظهر، بعدما تعرّفنا على موقعه وتاريخه، فأتاحت لنا الفرصة للتجول في ساحاته والنظر في طابعه المعماري الذي يجمع بين الفن الصيني والعمارة الإسلامية. ولفت انتباهنا وجود أشجار معمّرة تحيط بالمكان، وقد وُضعت عليها لوحات مكتوبة تشرح تاريخها وقيمتها، وكذلك بئر ماء داخل المسجد تستخدم للوضوء والشرب. ومع دخول وقت الصلاة، صلينا مع مسلمي الصين في أجواء مفعمة بالخشوع، وشعرنا بعمق الامتداد التاريخي للإسلام وحضوره الحي في هذا المكان الذي يجمع العبادة والتاريخ والسياحة في آنٍ واحد.
الهند... شبكات من الماضي وروح الترابط الإنساني
المحطة الأخيرة كانت في مومباي الهند، مع افتتاح معرض شبكات من الماضي، حيث شاركت مجموعة الصباح بـ 11 قطعة نادرة ضمن سلسلة من المشاركات من المتاحف الأخرى، والتي تعكس التبادل الثقافي في العالم القديم تحت سقف واحد. هنا جاء الشعور بأن الرحلة اكتملت، وفي كل محطة كانت الكويت حاضرة برسالة موحدة: الثقافة جسر حي وسفير للكويت.
وقد حضر حفل الافتتاح في الهند قنصل الكويت لدى مومباي عماد الخراز، الذي سهّل مهمة التنقل والحضور والدعم في المتحف والفعاليات المصاحبة. وهذا عكس حقيقة أن السفراء الدبلوماسيين شركاء كذلك في دعم الدبلوماسية الثقافية الكويتية.
كهوف إليفانتا
في زيارتنا لكهوف إليفانتا، وهي من أبرز المعالم الأثرية في الهند وأحد مواقع التراث العالمي لـ «يونسكو»، لما تحمله من قيمة تاريخية وفنية استثنائية. جاءت زيارتنا لها بعد الافتتاح في صباح اليوم التالي، وكانت تجربة ثرية بدأت برحلة بحرية ممتعة عبر يخوت سريعة.
عقب الوصول بعد 25 دقيقة من الإبحار، مررنا بمرحلة صعود الجبل عبر الممرات الحجرية الشاقة، وصولا إلى الكهوف المنحوتة في الصخر. رافقنا خلال الجولة مرشدون متخصصون وأساتذة تاريخ، إلى جانب أمناء ووفود المتاحف المشاركة، حيث تعرّفنا إلى تاريخ المكان، وطبيعة الحياة القديمة والعمران الصخري، والدلالات الدينية والفنية للنقوش والتماثيل الضخمة في الموقع الشاهق الارتفاع، وقد كشفت الزيارة على بعض القصص الدينية والأساطير المتعلقة بعذه الكهوف المقدسة.
انتهت الرحلة ورسخت من هذه الرحلة بقناعة أن التقارب بين الشعوب يبدأ من الفن والإرث والحضارة، وأن ما يجمعنا أكبر بكثير مما يفرّقنا، مهما اختلفت اللغات وتباعدت المسافات.
مجموعة الصباح الآثارية بإشراف الشيخة حصة صباح السالم هي كنز حقيقي للكويت، والتي فتحت لنا أبوابا للتعرف على البلدان، والمتاحف، والشعوب، والحضارات والاهتمامات المشتركة بيننا وبين الدول البعيدة في العالم، هذه المجموعة الفنية التي تسافر لتحكي قصصا، وتأخذنا في رحلات الاستكشاف الثقافية والفنية يجب أن تستمر وندعمها ونروي حكاياتها في كل مرّة تسافر تحفة.
والزميلات والزملاء الأفاضل كانوا خير سفراء للمؤسسة الثقافية وواجهة مشرّفة عكست صورة الكويت ليست كعاصمة للثقافة العربية فحسب، بل كصانعة للثقافة وناشرة للفن أمام العالم، في رحلة سافرنا بها مع الآثار، والتي حملت عنوان «كنوز العالم... 1000 سنة مضيئة».


































