اخبار المغرب
موقع كل يوم -العمق المغربي
نشر بتاريخ: ١٥ تموز ٢٠٢٥
بينما يترقّب العالم تنظيم المغرب لأكبر التظاهرات الرياضية في تاريخه، تتحول الدار البيضاء إلى ورش مفتوح يَعِد بمدينة ذكية على شاكلة دبي. ملاعب عملاقة، قطارات فائقة السرعة، مراكز تجارية عصرية، تخترق قلب المدينة… صورة مستقبلية براقة، لكنها تخفي تحت هذا الوجه المرمّم معالم اجتماعية عميقة، ومعها تختفي أحياء صفيحية وأسواق شعبية، ويُقصى سكان الهامش إلى مدن بعيدة، لا يُسمع فيها غير صوت الترحيل.
وفي هذا الصدد، أكدت صحيفة لوموند الفرنسية إن مدينة الدار البيضاء تشهد تحوّلًا متسارعا ضمن مساعي المغرب إلى تقديمها كـ'مدينة ذكية' و'دبي مصغّرة' على أبواب استحقاقات رياضية دولية، في مقدمتها كأس إفريقيا للأمم 2025 وكأس العالم 2030، من خلال مشاريع عمرانية ضخمة، لكنها تقصي فئات واسعة من الفقراء نحو أطراف المدينة.
وذكرت الصحيفة، في تقرير نشرته بتاريخ 6 يوليوز الجاري، أن العاصمة الاقتصادية للمملكة تعيش سباقا محموما مع الزمن استعدادا للحدثين الرياضيين، حيث أطلقت السلطات سلسلة واسعة من المشاريع الكبرى لتغيير وجه المدينة: من إنشاء أكبر ملعب في العالم بطاقة استيعابية تصل إلى 115 ألف متفرج بضواحي العاصمة، إلى مد شبكات الطرق السريعة والقطارات فائقة السرعة، مرورًا بتوسعة المطار وإعادة تأهيل الميناء، وتأهيل الحدائق والساحات والأسواق.
لكن هذه 'النهضة' العمرانية، وفق الصحيفة، تتم على حساب فقراء المدينة. فقد شرعت السلطات في هدم أحياء الصفيح الواقعة في مواقع استراتيجية، مثل حي الصفيح قرب منارة الحنك على كورنيش المدينة، فيما جرى ترحيل سكانها إلى مساكن بديلة على شكل 'مدن نوم' بعيدة عن وسط الدار البيضاء. كما شملت الحملة 'تطهير' الشوارع من الباعة الجائلين وأصحاب العربات المجرورة بالحمير والخيل، بدعوى أنها 'تشوّه صورة المدينة الذكية' وتستغل الملك العمومي بشكل غير قانوني.
وأضافت الصحيفة أن هذا التحول العمراني يبدو جليا في مختلف أرجاء المدينة التي تحولت إلى ورش مفتوح: مشاريع بناء فنادق ومواقف سيارات تحت أرضية، ترميم الأسواق القديمة كالسوق الشعبي بباب مراكش، وإنشاء شوارع جديدة مثل 'الجادة الملكية' التي ستربط مسجد الحسن الثاني بمركز المدينة. وأشارت إلى أن معالم قديمة اختفت أو في طريقها للاختفاء، مثل حي درب غلف الذي يضم آلاف المحلات العتيقة للإلكترونيات، في إطار مشاريع لتحويله إلى مركز تجاري عصري.
في المقابل، أكدت لوموند أن هذا المسار يثير انتقادات من داخل وخارج المدينة، إذ يرى بعض الفاعلين المحليين أن كل هذه العمليات ذات طابع استعراضي بالأساس وتهدف إلى تحسين الصورة الدولية للمغرب، دون معالجة حقيقية للاختلالات الاجتماعية أو تحسين ظروف عيش الفقراء. ونقلت الصحيفة عن مسؤولين ومنتخبين محليين تعبيرهم عن القلق من أن 'المدينة أصبحت تُعامل كسيناريو خارجي جميل يخفي داخله فقرًا مستشريًا'.
وتطرقت الصحيفة إلى تصريحات لمسؤولين محليين يصفون المشروع بأنه يرمي إلى تحويل الدار البيضاء إلى 'مدينة ذكية، خضراء، وشاملة'، على غرار دبي، مع إبراز الطابع الاقتصادي للمدينة التي تحتضن مركز الدار البيضاء المالي الدولي الذي يضم أكثر من 200 شركة عالمية ويشكل نحو 30% من الناتج المحلي الإجمالي الوطني.
لكن في الأحياء الشعبية وخلف أبنية الأحياء الجديدة، ما زالت العربات المتهالكة تجوب الأزقة، وأطفال الشوارع يتسولون عند مداخل الطرق السريعة، بينما يقف الباعة الجائلون على نواصي الشوارع. وحذّرت لوموند من أن هذا التناقض يعكس هشاشة اجتماعية عميقة تهدد استدامة التحول الذي تراهن عليه السلطات.
وخلصت الصحيفة إلى أن المغرب يسعى، عبر هذه المشاريع، إلى أن تترك الدار البيضاء انطباعًا عالميًا قويًا خلال البطولات المقبلة، لكن تكلفة ذلك يتحملها في الغالب سكانها الفقراء الذين يجدون أنفسهم مُزاحين إلى الهامش في 'دبي مصغّرة' لا تتسع للجميع.