في مواجهة التحولات الرقمية العالمية المتسارعة وما تطرحه من تحديات وجودية وثقافية، وجهت شخصيات مغربية من ميادين ثقافية مختلفة، نداءً مفتوحًا يدعو إلى استجابة استراتيجية شاملة تركز على الإنسان، بوصفه محور التنمية والأمن والسلام.

واوضح النداء، الذي حمل عنوان 'لا ذكاء إلا بالإنسان ولأجل الإنسان'، أن الحضارة الإنسانية أمام مفترق طرق في ظل الانتقال الرقمي الشامل، مشيرًا إلى أن هذا التحول الرقمي يعيد تشكيل معالم التفاعل الاجتماعي، السياسي، والاقتصادي. وأبرز التحديات التي أثارها البيان تتعلق بمخاطر التصحر الثقافي، والتضليل الإعلامي، وضمور الأبعاد الإنسانية في ظل تراجع الاهتمام بالثقافة.

حذر من أن الاعتماد المفرط على التكنولوجيا قد يؤدي إلى تراجع مهارات إنسانية أساسية، مؤكدًا أن الرقمنة لا يجب أن تكون على حساب القيم الثقافية والإنسانية. كما أبرز أهمية معالجة آثار 'الخوارزميات المنغلقة'، التي تقود الأفراد إلى دوائر اهتمام ضيقة، مشددًا على أن المرحلة الرقمية الحالية تتطلب إعادة التفكير في السياسات الثقافية، والتربوية، والإعلامية.

وركز النداء على عدد من المقترحات العملية، ضمان السيادة الرقمي من خلال وضع سياسات طويلة المدى تهدف إلى تكوين جيل من الباحثين المغاربة المتخصصين في الرقمنة والذكاء الاصطناعي، بما يحفظ استقلالية المغرب الرقمية. وإصلاح الحقل الثقافي عبر تعزيز الاستثمار في القطاعات الثقافية، مثل الأدب والفنون، واعتماد رؤية استراتيجية بعيدة المدى تتجاوز ثقافة المشاهير العابرين.

كما دعا إلى دمج الرقمنة في التعليم بإصلاح النظام التربوي لإدماج الذكاء الاصطناعي، مع التركيز على تنمية الذكاء العاطفي والخيال، لتأهيل أجيال قادرة على مواكبة التحولات الرقمية. وإصلاح الجوائز الثقافية من إعادة النظر في سياسات الجوائز الأدبية والفكرية لتشجيع الابتكار والإنتاج الثقافي الجاد. وأيضا تخصيص نسب محددة من الوظيفة العمومية للتفرغ للعمل الثقافي، وفق معايير شفافة تضمن الإنتاجية والجودة.

وقع على نداء 'العبور الآمن' مجموعة من الشخصيات البارزة التي تمثل مختلف المجالات الثقافية والفنية والأكاديمية في المغرب. من بين الموقعين، الرئيس السابق لمجلس المستشارين حكيم بنشماس، والروائية وفاء مليح، والكاتب سعيد ناشيد، وعضو المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي محمد أمين الصبيحي، والشاعر صلاح الوديع، والشاعر والمترجم العربي غجو، بالإضافة إلى الناشط الحقوقي نور الدين سعودي، والأستاذ الفخري بجامعة محمد الخامس سعيد بنسعيد العلوي، والفنان التشكيلي أحمد جاريد، ورئيس مؤسسة ملاخ للفنون البصرية عبد الحي الملاخ، والشاعرة حفصة البكري الأمراني.

كما انضم إلى النداء كل من الأستاذ الجامعي والخبير الاقتصادي محمد بنموسى، والمترجم وأستاذ الجامعة عز الدين العلام، والكاتب والإعلامي عزيز كوكاس، والمخرج السينمائي حميد باسكيط، والباحث في الأنثروبولوجيا والروائي محمد المعزوز، وأستاذ الجماليات بجامعة محمد الخامس عبد الواحد آيت الزين، والكاتب حسن أوزال، والباحث رشيد العلوي، والإعلامي والكاتب عبد الصمد بنشريف، والكاتب والباحث عبد الغني السليماني، 'في انتظار توقيع أسماء أخرى'.

وأكد الموقعون على ضرورة تعزيز الدبلوماسية الثقافية كأداة لتحقيق التقارب بين الشعوب والدول، مشددين على أن الاستثمار في الثقافة هو استثمار في الإنسان. كما أشار البيان إلى أهمية إشراك وسائل الإعلام في النقاشات الثقافية والفكرية الجادة، واستلهام التجارب الدولية الرائدة في هذا المجال.

ودعا النداء تنمية الذكاء العمومي، فكريًا وعاطفيًا، للتصدي للتحديات الجديدة التي يفرضها العالم الرقمي. كما شدد على أهمية الحفاظ على توازن بين تطور التكنولوجيا وتعزيز القيم الإنسانية، لضمان مجتمع أكثر تماسكًا وقدرة على تحقيق الأمن والتنمية المستدامة.