اخبار السودان
موقع كل يوم -نبض السودان
نشر بتاريخ: ٢٩ تموز ٢٠٢٥
متابعات – نبض السودان
في تقدم علمي يفتح آفاقًا جديدة للوقاية من السمنة، كشفت دراسة حديثة نُشرت في مجلة 'نيتشر ميديسن' (Nature Medicine) أن تحليل الخصائص الوراثية منذ الطفولة يمكن أن يسهم بفعالية في الوقاية من الإصابة بالبدانة في مراحل لاحقة من الحياة. الدراسة، التي أجراها باحثون من جامعتي كوبنهاغن وبريستول، ركزت على تحديد القابلية الوراثية للسمنة وتوقعها في وقت مبكر من العمر.
السمنة: أزمة عالمية تتطلب حلولًا مبكرة
السمنة تعد واحدة من أخطر المشكلات الصحية في العصر الحديث، وترتبط ارتباطًا وثيقًا بأمراض مزمنة مثل السكري من النوع الثاني، وأمراض القلب والأوعية الدموية. وقد أظهرت أبحاث سابقة أن جذور هذه المشكلة غالبًا ما تبدأ في الطفولة، نتيجة تداخل عوامل بيئية، ونمط حياة غير صحي، وعوامل وراثية دقيقة تتحكم في الشهية وتخزين الدهون.
'درجة الخطورة متعددة الجينات': تقنية تنبؤية رائدة
قام الفريق البحثي بابتكار مقياس جديد يُعرف باسم 'درجة الخطورة متعددة الجينات' (Polygenic Risk Score)، يعتمد على تحليل بيانات جينية ضخمة لأكثر من 5 ملايين شخص حول العالم. هذه البيانات تم جمعها من جهات بحثية كبرى، مثل اتحاد البحث الجيني للصفات الأنثروبومترية (GIANT)، وتمثل قاعدة بيانات هي الأكبر والأكثر تنوعًا من حيث الأصول الوراثية.
تنوع عرقي كبير لتعزيز دقة النتائج
شملت قاعدة البيانات عينات من أفراد يمثلون معظم الأعراق البشرية، منهم 70% من أصول أوروبية، و14% من أصول أميركية، و8.4% من شرق آسيا، و4.6% من أفريقيا. هذا التنوع العرقي ساعد في تعزيز موثوقية المؤشر الجديد عبر مختلف المجموعات السكانية، رغم أن التنبؤ بالسمنة كان أكثر دقة لدى الأفراد ذوي الأصول الأوروبية بسبب كثافتهم في العينة البحثية.
التنبؤ بالسمنة يبدأ من الطفولة المبكرة
أظهرت الدراسة أن الأطفال الذين لديهم درجات خطورة جينية مرتفعة أكثر عرضة للإصابة بالسمنة عند البلوغ، خصوصًا إذا كانت هذه المؤشرات الجينية مدعومة ببيانات عن مؤشر كتلة الجسم (BMI) قبل سن الخامسة. وأكد الباحثون أن التنبؤ المبكر يمنح الأسر والجهات الصحية فرصة ثمينة للتدخل الفعال وتعديل نمط الحياة.
الجينات لا تحدد المصير: الوقاية ممكنة
رغم أن العوامل الوراثية تلعب دورًا كبيرًا، فإن العلماء شددوا على أن الوقاية من البدانة تظل ممكنة حتى لدى الأشخاص الأكثر عرضة وراثيًا. التدخلات الوقائية مثل تعديل النظام الغذائي، وزيادة النشاط البدني، والحد من استخدام الشاشات، يمكن أن تقلل كثيرًا من مخاطر تطور السمنة.
آلاف المتغيرات الجينية تؤثر على الشهية والوزن
توصل الباحثون إلى وجود آلاف المتغيرات الدقيقة في الجينات تؤثر على الدماغ وتتحكم في الشهية والسلوك الغذائي، ما يجعل بعض الأفراد أكثر عرضة لاكتساب الوزن. وقد شَبَّه الفريق البحثي هذه المتغيرات بـ'آلة حاسبة جينية عملاقة'، تجمع جميع عوامل الخطر الوراثية لدى الفرد لتقديم تقييم دقيق لإمكانية الإصابة بالبدانة.
فعالية المؤشر الجيني تفوق المؤشرات التقليدية
قارنت الدراسة بين فعالية المؤشر الجيني الجديد واختبارات المؤشرات التقليدية مثل مؤشر كتلة الجسم وحده، وخلصت إلى أن القياس الجيني أكثر دقة بمرتين في التنبؤ بإمكانية الإصابة بالسمنة، خصوصًا في مرحلة الطفولة المبكرة.
نظرة مستقبلية: نحو مجتمع أكثر صحة
أكد الباحثون أن نتائج هذه الدراسة يمكن أن تحدث تحولًا كبيرًا في طرق التعامل مع السمنة عالميًا. ومع تزايد حالات السمنة بين الأطفال، خصوصًا في ظل انتشار الوجبات السريعة وقلة النشاط البدني، فإن التوجه نحو الطب الوقائي الجيني يمكن أن يكون حلاً مستدامًا لمواجهة هذه الأزمة الصحية.