اخبار السودان
موقع كل يوم -نبض السودان
نشر بتاريخ: ١٥ أب ٢٠٢٥
بقلم – نزار العقيلي
في خطوة تحمل دلالات رمزية وتاريخية، اختار البرهان أن يقدم خطاب التهنئة للجيش والشعب السوداني من أمام معبد الأسد، الذي يُعتبر واحدًا من أبرز شواهد حضارة كوش ومروي. لم يكن اختيار البرهان لهذا الموقع عشوائيًا، بل هو رسالة سياسية وعسكرية مشفرة موجهة إلى من يهمهم الأمر.
معبد الأسد هذا عمره أكثر من ألفي سنة، وقد بناه أجدادنا من ملوك كوش ومروي كمعبد للإله (أباداماك)، إله الحرب والحماية. (أباداماك) هو إله برأس أسد، رمز الشجاعة والقوة، وإله الحرب. والبرهان من هذا المكان يريد أن يقول إن الجيش السوداني ليس جيش الأمس، بل هو امتداد لسلسلة طويلة من القوة والسيادة، وله جذور عميقة في أعماق تاريخ البشرية.
البرهان، حفيد ملوك كوش، اختار هذا الموقع تحديدًا ليؤكد أن الجيش السوداني هو الوريث الشرعي لشراسة وانضباط أباداماك في حماية الأرض، كما يريد أن يربط بين حاضرنا وماضينا، ليخبرنا أن واقعنا الحالي مجرد فصل جديد في ملحمة تاريخية طويلة تستحق التوثيق بالحروف والنقوش، وأن الأزمات مهما اشتدت لن تمحِ إرث أمتنا التي استطاعت أن تقهر الغزاة وتحافظ على هويتها لآلاف السنين.
البرهان، الليلة من معبد أباداماك، كان ينقش انتصارًا جديدًا، كان يقول للعالم إن السودان ليس دولة عابرة أو طارئة على الجغرافيا والتاريخ، وإن الجيش السوداني هو وريث هذه الحضارات العظيمة.
رسالة قوية من البرهان للمجتمع الدولي، يقول فيها إن من يحاول تجاهل أو تهميش السودان يجب أن يتذكر أنه يتعامل مع أمة تمتلك واحدة من أقدم حضارات العالم.
أجمل رسالة أرسلها البرهان من خلال رمزية الموقع التاريخي كانت ردًا ضمنيًا على الخطاب القومي العربي التقليدي، الذي يختزل السودان دائمًا في بعده العربي متجاهلاً الإرث النوبي الكوشي العظيم، فيقول لهم: “نحن نوبيون أفارقة، لا نملك تابعًا ولا نرضى أن نكون أتباعًا لأي أحد، وقرارنا بيدنا”.
اختيار معبد الأسد المرتبط بالقوة والشرف العسكري هو رسالة معنوية للضباط والصف والجنود، يقول لهم فيها: أنتم أحفاد ملوك محاربين لا يعرفون الانكسار أبدًا.
من معبد الأسد، إله الحرب حيث نقش الأجداد انتصاراتهم على الحجر، كانت رسالة البرهان أن الجيش السوداني سيظل الصخرة التي تتحطم عليها كل المؤامرات، كما فعل أجدادنا قبل آلاف السنين. رسالة البرهان واضحة تقول: هذا جيش من رحم التاريخ لا ينكسر أبدًا.
البرهان يريد أن يقول إن تاريخ جيوشنا يروي أن عقيدتهم القتالية لم تكن دفاعية فقط، بل كانت هجومية وشرسة للغاية، استطاعت أن تصل إلى أمم بعيدة. فلا تجعلونا نغير عقيدتنا الدفاعية الحديثة ونعود إلى النهج القديم.
على كل حال، لم يبق للبرهان سوى أن يقول:
“أو ليس لنا ملك في أفريقيا وهذه الأنهار التي تجري فيها…”
كاتب نوبي كوشي